على عكس المألوف.. السياسة تقرب الناس وكرة القدم تفرقهم

معركة في بيت نائب رئيس وزراء بريطانيا.. أولاده يقفون مع والدتهم ويشجعون أخوالهم الإسبان ضد نصف والدهم الهولندي

نك كليغ مع زوجته مريام. رفض أي ائتلاف معها وقرر أن يخوض معركة دعم هولندا بمفرده في البيت. أولاده سيقفون مع والدتهم وأخوالهم (تصوير: حاتم عويضة)
TT

هناك اقتراح مشهور يتردد في الأوساط السياسية البريطانية حول مفهوم الولاء. الاقتراح نطق به في الثمانينات نورمان تبت (اللورد تبت) الذي عمل وزيرا في حكومة مارغريت ثاتشر. النقاش حول مفهوم الولاء جاء على خلفية الاتهام بالعنصرية الذي كان وقتها حامي الوطيس، واقترح اللورد تبت أن هناك امتحانا بسيطا يمكن للإنسان الخضوع له، خصوصا من المهاجرين الآسيويين ومن حوض الكاريبي الذي يعيشون في بريطانيا ويولعون بلعبة الكريكيت. وتساءل اللورد تبت: عندما تلعب إنجلترا ضد الهند أو باكستان أو بنغلاديس أو جزر الهند الغربية، أي فريق يشجع هؤلاء؟ إن التشجيع كاف بالنسبة له لمعرفة هل هؤلاء المهاجرون أوفياء لبلدهم الأصلي أم بريطانيا حيث يعيشون.

الاصطفاف في التشجيع في الرياضة دائما يثير الخلافات وعلامات الاستفهام حول أسباب اختيار شخص لتشجيع فريق ضد فريق. لكن عندما يشق هذا الولاء الأزواج فهذه مشكلة. وهذا ما يتردد حاليا حول من سيدعم نائب رئيس وزراء بريطانيا نيك كليغ، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، في المباراة النهاية القادمة على الرغم من أنها ليست بين بريطانيا وبلد آخر. إنها بين هولندا التي تنحدر منها والدته وبين إسبانيا بلد زوجته مريام غونزاليس دورانتيز. أين سيكون ولاء كل منهم؟

ظلت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية حتى يوم الأربعاء الماضي تتقبل التهاني من خصومها السياسيين، وذلك على أداء فريق بلدها الرياضي. وخلال انعقاد قمة العشرين في كندا جاء فوز ألمانيا الساحق على الفريق الإنجليزي ليعزز من جبروت «الماكينة» الألمانية. شاهدت المستشارة المباراة مع رئيس وزراء بريطانيا زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، الذي جاء يهنئها بتثاقل بعد نهاية المباراة، بينما كانت ابتسامتها العريضة لا تفارق وجهها. لقاء بريطانيا مع ألمانيا دائما يحمل الكثير من الرمزية لأنه دائما يأخذ البلدين إلى عشرات السنين من المنافسة وعلى جميع الأصعدة.

وبعد فوز ألمانيا على الأرجنتين، الذي فاق أيضا أداء الفريق الألماني في مباراته ضد إنجلترا، كانت تقفز المستشارة وتروح وتجيء فرحا أمام رئيس جنوب أفريقيا زوما، الذي قررت معانقته رغم العلاقة الرسمية بينهما، إلا أن فرحتها أكسبتها جرأة جديدة للتعبير عن نفسها. للأسف فرحتها لم تدُم وخسرت يوم الأربعاء الماضي ضد إسبانيا، وكانت نتيجتها كبح جماح ابتسامتها التي لم تفارقها طيلة الأسابيع الماضية.

نهائي كأس العالم لكرة القدم الذي سينظم يوم غد الأحد بين إسبانيا وهولندا قد يؤدي إلى معركة مستمرة قد لا نعرف نتيجتها. زعيم حزب الأحرار كليغ نصفه هولندي، وما زالت والدته تتكلم الإنجليزية بلكنة هولندية، وتنتمي إلى الفئات الثرية في بلدها الأصلي. أما زوجته مريام غونزاليس دورانتيز فهي إسبانية كاملا، وبلدها إسبانيا يتأهل لأول مرة في تاريخ منافسات كأس العالم ليخوض المباراة النهائية.

المعركة التي ستدور رحاها في بيت نائب رئيس الوزراء قد تؤدي إلى اصطفاف في الولاء يدخل على خطه أطفالهما أنطونيو وألبرتو، 8 و5 سنوات، المولعان بلعبة كرة القدم ويحملان أسماء إسبانية. ويقال إنهما سيشجعان أخوالهما إكراما لوالدتهما وأسمائهما الإسبانية.

السؤال هو: هل سيلعب كليغ لعبته المعهودة في التحالفات السياسية ويضيف شيئا من الألفة إلى بيته، أم أنه سيواجه خصومه ببرنامج لا حاجة فيه لأن يقدم أي تنازلات، ويشجع الكابتن الهولندي جيوفاني فان برونكهورست ليرفع كأس العالم في نهاية المباراة؟

يقال إن حنكته السياسية ليضيف أجواء تعايش سلمي في البيت قد تجعله يشجع فريق زوجته وأولاده، وذلك لأن عنده أسبابا وجيهة، والاعتراف بأن نصفه فقط هو هولندي، ولهذا ستكون مساومة فقط على النصف الآخر، لقد ساوم على بعض القضايا الاقتصادية الهامة في تحالفه مع حزب المحافظين، وأوجد لها مبررات سياسية واقتصادية. فهو خير من يؤدي هذا الدور.

التقارير البريطانية تشير إلى أنه لن يكون هناك أي ائتلاف في بيت كليغ. ويقول رغم أنه يتكلم الإسبانية في البيت: «بيولوجيّا، أنا نصف هولندي»، ووالدته تدعى هيرمانس فان دن وول بيك، وكانت قد اعتقلت في إندونيسيا خلال الاحتلال الياباني، لأن إندونيسيا كانت تخضع لحكم هولندا. بعد الحرب رجعت هيرمانس مع والدها المصرفي إلى بدهم الأصلي هولندا.

خلال الانتخابات البرلمانية البريطانية أثار هذا الزوج المختلط القومية (والده ينتمي إلى جذور روسية أيضا) اهتمام وسائل الإعلام الهولندية والإسبانية. مراسل صحيفة «ألموندو» قال في مقابلة إن تغطيته للأوضاع السياسية البريطانية كانت الأكثر إثارة في تاريخ عمله الصحافي بسبب مريام زوجة زعيم الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ، مضيفا أنه كان يبعث بأكثر من قصة في اليوم بسبب هذه العلاقة. كما أن التلفزيون الهولندي (آر تي إل نيديرلاندن) خصص فريقا كاملا لملاحقة كليغ خلال حملته الانتخابية. كل هذا الاهتمام يزيد من الضغط على كليغ في كشف أوراق ولاءاته الرياضية.

وخلال الحملة الانتخابية قالت مراسلة التلفزيون الهولندي، فانيسا لامزفيت، إن كليغ لا يتكلم فقط اللغة الهولندية وإنما يتكلمها بطلاقة.

ورغم كل هذا التكهنات حول ولاء كليغ، فقد صرح متحدث باسمه رسميا بأن زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار سيدعم هولندا في معركتها ضد إسبانيا، لكنه رفض إعطاء أي تفاصل أخرى، كما ذكرت تقارير بريطانية.

في المباراة بين ألمانيا وإسبانيا يوم الأربعاء الماضي ترك مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت مبكرا ليقف إلى جانب زوجته التي كانت تشجع فريق بلدها، على الرغم مما يقال إنه يتكلم الألمانية إلى جانب الهولندية والإنجليزية والروسية والفرنسية، وطبعا الإسبانية.

ومن جانب آخر فقد أصبحت الجماهير الإسبانية لديها سبب للاحتفال بعد أن تنبأ الأخطبوط الشهير باول بفوز إسبانيا على هولندا. وتنبأ باول، الذي يعيش في متحف الأحياء البحرية في مدينة أوبرهاوزن الألمانية، بفوز ألمانيا على أوروغواي في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.

ومن غير المستبعد أن تتحقق نبوءة الأخطبوط هذه المرة أيضا لتفوز ألمانيا بالمركز الثالث، حيث حالفه الصواب حتى الآن في جميع توقعاته. وتم وضع مكعبين زجاجيين بداخلهما بلح البحر، يحملان علمي هولندا وإسبانيا، وتوجه الأخطبوط العراف نحو المكعب الذي يحمل العلم الإسباني وتناول طعامه.

يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتوقع فيها باول نتيجة مباراة ليست ألمانيا طرفا فيها.

وقبلها بنصف ساعة تناول باول بلح البحر الموجود في المكعب الزجاجي الذي يحمل العلم الألماني وترك الغذاء الموجود في المكعب الذي يحمل علم أوروغواي. ولن يكون باول على قيد الحياة أثناء بطولة كأس الأمم الأوروبية القادمة التي ستقام في بولندا وأوكرانيا عام 2012، وذلك لأن عمره الآن عامان ونصف، أي أنه بلغ سن الشيخوخة بحسابات البشر.