حملة وطنية لإبقاء رسم لأمير أفريقي مسلم في حوزة «البورتريه غاليري»

يقودها مشاهير وكتاب من أصول أفريقية كون العمل يمثل «وجه بريطانيا الحديث»

بورتريه يعود للقرن الثامن عشر لأيوب سليمان ديالو المتحدر من عائلة مسلمة ذات نفوذ في غرب أفريقيا (رويترز)
TT

هل وجه أيوب سليمان ديالو بملامحه الأفريقية والذي عمل مترجما بين العربية والإنجليزية في القرن الثامن عشر وأزيح عن رسمه الستار أمس في المتحف الوطني في لندن، يمثل فعلا الوجه الحديث لبريطانيا لما يمثله من تعدد ثقافي وعرقي.

هذا ما أجمع عليه عدد من النقاد بأن أيوب سليمان ديالو الذي عاش بين 1700 إلى 1773 بعد أن أجبر على حياة العبودية واقتيد قسرا من بلده غانا إلى إنجلترا في القرن الثامن عشر لكنه عاش في بريطانيا بعد أن أطلق سراحه.

وأطلق هؤلاء أمس حملة وطنية من أجل إيجاد أكثر من 100 ألف جنيه إسترليني (150 ألف دولار) لشراء اللوحة وإبقائها في حوزة المتحف خوفا من أن المستثمر الذي اشتراها سابقا سينقل اللوحة إلى خارج بريطانيا.

اللوحة التي أزيح عنها الستار لأول مرة أمس كانت قد بيعت في مزاد لدار «كريستيز» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بمبلغ 500 ألف جنيه إسترليني (750 ألف دولار) إلا أنها منعت من السفر بعد أن تقدم صاحبها للحصول على ترخيص لنقلها خارج بريطانيا. والمطلوب الآن إيجاد ما قيمته 100 ألف جنيه إسترليني (150 ألف دولار) من أجل إبقائها في بريطانيا نظرا لقيمتها الاجتماعية والتاريخية. وقد تلقى المتحف ما قيمته 100 ألف جنيه من صندوق الفنون و333 ألف من لجنة اليانصيب الوطني. ومن الوجوه المشهورة التي تصدرت حملة جمع الأموال المذيعة التلفزيونية السودانية الأصل زينب بدوي والناقدة والكاتبة الأميركية من أصول أفريقية بوني غرير والكاتب البريطاني من أصول أفريقية كومي كوي ارما، وجميعهم ينحدرون من أصول أفريقية. وقالت غرير: «إن الأهم من أي شيء آخر في قصة هذا الإنسان، الذي كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة بعد أن تحرر من العبودية، أن وجه أيوب سليمان ديالو هو وجه تراه أينما ذهبت إلى المدن البريطانية الكبيرة».

اللوحة التي رسمها وليام هور عام 1733 كانت في حوزة عائلة بريطانية منذ أربعينات القرن التاسع عشر (1840). ولم يعرف خبراء تاريخ الفن بوجودها، منذ أن طلب من الفنان رسمها في القرن الثامن عشر إلا بعد أن عرضت للبيع في مزاد في ديسمبر، وبقيت مجهولة الهوية منذ ذلك التاريخ. وتعتبر اللوحة هي البورتريه الوحيد من القرن الثامن عشر لشخص أفريقي ذي منزلة رفيعة وليس مجرد أحد الخدم العاملين لدى الارستقراطية الإنجليزية.

وقبل أن تكتشف هذه اللوحة كان الاعتقاد بأن لوحة بنجامين هيدون، التي رسمها لاجتماع مكافحة العبودية عام 1840 وتظهر هنري بيكفورد في الصف الأول في القاعة، هي الأولى لأول عبد تم تحريره لفنان إنجليزي.

وقصة ديالو، الذي ينتمي إلى عائلة مسلمة ذات نفوذ من غرب أفريقيا، بدأت عندما بيع إلى تجار العبيد بعد أن وقع في أسر إحدى القبائل المعادية لقبيلته. الغريب في الأمر أن ديالو كان يعمل في تجارة العبيد وكان في طريقه لبيع بعض العبيد الذين كانوا في حوزته عندما وقع في الأسر. وبعد ذلك نقل على ظهر سفينة بريطانية ليعمل في إحدى مزارع التبغ في ماريلاند. وحاول الهروب لكنه وقع في الأسر وتم سجنه. وخلال وجوده في السجن أقام علاقة صداقة مع رجل الدين توماس بلوت، الذي استنتج بان ديالو لم يكن من عامة الناس وأعجب بذكائه ومعتقداته الدينية ومكانته الاجتماعية.

وقام بيوت بإقناع المسؤولين بان ديالو ينتمي إلى طبقة الأمراء وتم نقله إلى إنجلترا، وهناك أقام صداقات مع المثقفين والمفكرين الذين قادوا في النهاية حملة إلغاء العبودية. ومن دائرة أصدقاء ديالو كان هناك مجموعة من رجال الدين من الكنيسة الإنجليكانية، وأعجب هؤلاء بقدرات ديالو الذهنية وقدرته على قراءة القرآن الكريم عن ظهر قلب. كما يقال إنه ساعد السير هانز سلون على ترجمة معاني القرآن. رسم الفنان هور يظهر ديالو وهو يرتدي نسخة من القرآن المكتوبة بخط يده.

وقالت لوسي بيلتز المديرة الفنية في المتحف الوطني والمسؤولة عن الأعمال الفنية في فترة القرن الثامن عشر «إنه عمل رائع وصورة إيجابية عن أفريقيا، وهذا يسبق ما رأيناه من الأعمال الفنية حول هذا الموضوع بأكثر من 100 عام».

وقالت زينب بدوي المذيعة في «بي بي سي» والتي تعمل أيضا عضوا في لجنة أمناء «البورتريه غاليري» إن هذا العمل الفني يساعد في تقديم فهم جديد حول موضوع الإسلام والعبودية في بريطانيا. «إنها مهمة جدا لأن ديالو ليس عبدا، وإنما شخص متعلم ومن الفئات الاجتماعية الميسورة، وهذه نظرة مختلفة لما قدم إلينا حول الأفارقة الذي صوروا بأنهم في خدمة غيرهم».

وهناك سؤال يطرح نفسه هو كيف وافق ديالو على أن يجلس أمام الفنان من أجل أن يرسمه وهو ما يتنافى مع معتقداته حول الرسوم التي اعتبرها تخص عبادة الأشخاص. وفي مذكراته قال رجل الدين توماس بلوت إن الأمر لم يكن بسيطا بالنسبة له، «أقنعناه بان هذه الصورة ليست للعبادة وإنما فقط للذكرى، حتى نتذكره ويتذكرنا». وعاش ديالو في لندن لمدة عام بعد أن حصل على حريته وعاد بعد ذلك إلى بلده غانا. وبعد أن عاد إلى بلده استمر ديالو بتجارة العبيد، لكنه وقع اتفاقا مع الشركة المالكة لأفريقيا أن يحرر أي عبد من أصول إسلامية يقع في قبضة الشركة. وبعد 100 عام من جلوس ديالو أمام هور لرسمه ألغيت تجارة العبيد من جميع أراضي الإمبراطورية.