المسنون في الهند يلجأون إلى التخصيب الصناعي للإنجاب

من أغنى ملاك الأراضي وأمنيتهم الوحيدة أن يكون لديهم وريث

في الكثير من القرى الهندية تكون هناك ضغوط كبيرة من المجتمع على النساء لإنجاب الأطفال. وفي بعض الأحيان، ينبذ هذا المجتمع المرأة لعدم قدرتها على الإنجاب
TT

في الآونة الأخيرة، وضعت امرأة هندية تبلغ من العمر 66 عاما وتدعى بهارتي ديفي ثلاثة توائم. وضعت بهارتي طفلين وطفلة في التاسع والعشرين من شهر مايو (أيار) الماضي، في المركز القومي للخصوبة بولاية هاريانا شمال الهند، من خلال طريقة التخصيب الصناعي (IVF)، أو أطفال الأنابيب. ويحتفل كل من بهارتي وزوجها ديفا سينغ، البالغ من العمر 64 عاما، وهما من ملاك الأراضي الأثرياء، بإنجابهما الأول بعد زواج دام ما يقرب من 44 عاما.

وقالت بهارتي: «على نحو واضح، كان من الصعب للغاية حمل هؤلاء الأطفال. لكن كان علينا مواصلة أسرتنا. وهذا هو السبب في أنني أحببت أن يكون لدي أطفال».

ويشعر زوجها بالفرح الشديد بعد أن أصبح أبا للمرة الأولى، وقال: «لقد حققت لي بهارتي حلم حياتي في أن يكون لدي طفل، وأنجبت وريثا للأسرة».

ويقول الزوجان إنهما يحتاجان إلى الأطفال كي يرثوا عنهما الأراضي التي يمتلكانها يوما ما. وبسؤالهما بشأن السبب وراء الانتظار فترة طويلة، قالا إنهما كانا يحاولان لمدة أكثر من 40 عاما. وقد تزوج سينغ امرأتين بعد بهارتي في محاولة منه لإنجاب الوريث الذي يريده، لكن من دون جدوى. وقال: «أشعر بالسعادة الغامرة، وسأقدم لأطفالي أفضل الأشياء التي يحتاجون إليها خلال السنوات المقبلة».

وهذه ليست الحالة الأولى من نوعها. ففي عام 2008، وضعت أكبر والدة في العالم سنا، راجو ديفي لوهان، التي كانت تبلغ من العمر 70 عاما وقتها، طفلة. وخضعت هاتان السيدتان للعلاج عن طريق التخصيب الصناعي في المركز الطبي نفسه في الهند، بعد عدم القدرة على إنجاب الأطفال طيلة حياتهما، وهو ما يعد وصمة عار في التقاليد والثقافات.

وتوجد قصة مشابهة في القرية المجاورة، حيث أنجب سينغ (75 عاما) وتشاملي ديفي (60 عاما) توأما بعد الخضوع إلى هذا الأسلوب من العلاج. وتعد تشاملي الزوجة الثانية لسينغ.

والطبيب الذي عالج هذه الحالات في المركز القومي للخصوبة في هيسار، هو الدكتور أنوراغ بيشنوي، الذي يعالج هذه الحالات منذ عام 2000. وقد ساعد هذا الطبيب أكثر من 100 مريضة تزيد أعمارهن على 50 عاما على إنجاب الأطفال من دون حالة وفاة واحدة سواء للمولود أو للأم.

لكن ما هو السبب وراء أن هؤلاء المسنين في هذه الفترات الحرجة من العمر يريدون إنجاب الأطفال، وهم يعلمون أنهم لن يعيشوا طويلا؟ السبب هو أن معظم المرضى المسنين من أغنى ملاك الأراضي. وأمنيتهم الوحيدة، وفي بعض الأحيان الأخيرة، هي أن يكون لديهم وريث. وقد يكون الحافز وراء ذلك هو رغبة الزوجين في أن يستمر اسم الأسرة وتوريث الممتلكات لهذا المولود.

وبعيدا عن هذه الولاية، والاتجاه إلى ولاية ماهاراستا، غرب البلاد، فقد أنجبت امرأة تبلغ من العمر 55 عاما طفلا عن طريق التلقيح الصناعي.

وفي حين يحتفل المتخصصون في التلقيح الصناعي والمشتركون في هذه الحالات بهذه الولادات على أنها إنجازات طبية، فإن النقاش يحتدم بشأن انتهاك الخطوط العامة في الأخلاقيات الطبية. فلا يوجد هناك قانون يشرف على علاج الخصوبة في الهند، وفي الوقت الذي يضع فيه المجلس الهندي للأبحاث الطبية الخطوط العامة، فإن هذه الخطوط لا تشمل السن، مما يزيد من تعقيد الأمور.

ويناقش الخبراء في هذا المجال جودة الحياة التي سيتمتع بها هؤلاء المواليد الجدد، حيث إن آبائهم في سن الأجداد أو الجدات. وإلى جانب ذلك، فإن الآثار السيئة للحمل على الأم المسنة أثارت الدهشة هي الأخرى. ويواجه بيشنوي (36 عاما) الكثير من الناقدين. يتم سؤاله بشأن ما إذا كان خضوع المرأة المسنة إلى التلقيح الصناعي أمرا أخلاقيا أم لا. ويدافع بيشنوي عن وجهة النظر تلك، حيث يعتقد أنه ما دامت المرأة في صحة جيدة، ينبغي إعطاؤها الفرصة للإنجاب. وقال: «إذا أرادوا إنجاب الأطفال، فمن أكون حتى أقول لا؟ بكل وضوح، يريد الجميع إنجاب الأولاد، لكنهم سعداء بكل ما يحصلون عليه».

أنجبت شاكونتالا ديفي (55 عاما) طفلا وطفلة قبل عامين، عن طريق التلقيح الصناعي، بعدما فقدت طفليها في حادثة. وقالت: «يمتلك زوجي عددا من المدارس، ولديه أملاك كافية لتوريثها. لذا، لم يجعل إنجابي للأطفال الأقارب سعداء. لا أحد يتحدث في ذلك، لكنني أعرف طريقتهم في التفكير».

وتقول إن ضغوط المجتمع قادتها هي وزوجها إلى مراكز التلقيح الصناعي، على الرغم من سنهم الكبيرة، التي من المتوقع أن يصبحوا فيها أجدادا لا آباء.

وفي الكثير من القرى في الهند، من الممكن أن يكون هناك ضغوط كبيرة من المجتمع على النساء لإنجاب الأطفال. وفي بعض الأحيان، ينبذ هذا المجتمع المرأة لعدم قدرتها على الإنجاب. وقالت الدكتورة سوهاني فيرما، المتخصصة في الخصوبة والتلقيح الصناعي: «إن ذلك ممكن من الناحية الطبية، ومن الممكن من الناحية الطبية كذلك استخدام الأسلوب نفسه مع الفتاة قبل سن البلوغ، وستصبح حاملا، لكن هل ينبغي لنا فعل ذلك؟ سيجيب الجميع: لا».

وتدير الدكتورة فيرما وحدة للتلقيح الصناعي في مستشفى «إندرا براثا أبولو»، واحد من أشهر المستشفيات في دلهي.

وتشير إلى أنه بغض النظر عن اللياقة البدنية للفرد، لا تزال هناك احتمالية كبيرة للمضاعفات البدنية، وبكل تأكيد الخطر الأخلاقي. فعلى سبيل المثال، يولد مثل هؤلاء الأطفال قبل الميعاد الطبيعي للولادة، مما يسبب مجموعة من مشكلات النمو المحتملة فيما بعد.

وتشعر الدكتورة فيرما بالقلق بشأن ماذا سيحدث عندما يصبح هؤلاء الأطفال كبارا، ويموت آباؤهم.

قالت: «أشعر بأنه بمجرد الاشتراك في إحضار نفس بشرية إلى الحياة، يجب أن يكون هناك قلق بشأن الطفل الذي لم يولد كذلك. ليس فقط نموه، بل أيضا القضايا الاجتماعية والنفسية التي سيواجهها هذا المولود».

كما أن هناك قلقا بشأن الفترة التي سيعيشها الوالد والوالدة للعناية بالطفل في الوقت الذي يقترب عمرهما فيه من الستين عاما. وأضافت الدكتورة فيرما أن النقاش الرئيسي يدور حول نوع حياة المولود الجديد.

يذكر أن متوسط العمر في الهند يبلغ 63.7 عام، وفقا لتقديرات البنك الدولي عام 2008.

بيد أن الدكتور بيشنوي يقول إنه سيواصل مساعدة النساء المسنات على الخضوع إلى علاج الخصوبة. وقال: «من الخطير للغاية ركوب الطائرة، حيث إنها من الممكن أن تتحطم. ومن الخطير للغاية ركوب الدراجة الهوائية، حيث من الممكن أن تصطدم بدراجة نارية. لكن الناس يفعلون مثل هذه الأشياء، لأنهم يريدون الوصول إلى وجهتهم. والأمر نفسه ينطبق على ما نقوم به، يريد الناس تحقيق أحلامهم، لذا يقومون بالمخاطرة».

ووفقا لبيشنوي، هناك أزواج يائسون من أن يكون لهم أطفال، وفي مرات كثيرة يكون هناك أسباب مأساوية وراء ذلك. لقد تزوج امرأة فقدت طفلها الصغير في إحدى الحروب، وأرادت أن يكون لها طفل آخر وكان عمرها فوق 55 عاما. وهناك امرأة أخرى فقدت ابنها البالغ من العمر 18 عاما جراء إصابته بسرطان الدم، وأتت له، وأصرت على الخضوع إلى التلقيح الصناعي.

وقال عالم الاجتماع والطبيب النفسي كولديب كول: «يجب أن يعيش هؤلاء الأطفال مع أناس اتخذوا قرارات غير عقلانية من غير أي قلق بشأن الآخرين، وهو الأمر الذي لا يريده أي أحد أن يكون في والديه. ومن المحتمل أن يشعر هؤلاء الأطفال بالغضب عندما يدركون أن آبائهم مسنون، وقد لا يعيشون فترة طويلة، وسيكون لذلك تأثيره النفسي عليهم».