اكتشافات أثرية وإحياء لذاكرة بلدة «أغمات» المغربية حيث عاش الملك المعتمد بن عباد أسيرا

أميركيون ومغاربة يبحثون عن آثار حمام قديم

قبر المعتمد بن عباد في «أغمات»
TT

اكتشفت آثار جديدة في بلدة أغمات (جنوب المغرب) التي ارتبطت بحياة الملك والشاعر المعتمد بن عباد. وفي سياق إعادة الاعتبار لمجموعة من المواقع الأثرية في المغرب وتشجيع السياحة الثقافية، شكل موضوع «أغمات اكتشافات أثرية، وإحياء ذاكرة» محور ندوة نظمت في «أغمات»، في ضواحي مراكش. وتشير الكتابات التاريخية إلى أن «أغمات»، التي تعتبر أول عاصمة لدولة المرابطين، شكلت مزيجا من الثقافتين العربية والأمازيغية، ولعبت دورا حاسما في تجذر الهوية الإسلامية في المغرب. وقبل وصول المرابطين إلى الحكم وبناء مدينة مراكش، عاصمتهم الجديدة، في القرن الحادي عشر الميلادي (1062)، كانت «أغمات» القبلة التجارية والثقافية الرئيسية في المنطقة.

شارك في الندوة علماء وباحثون وجامعيون وممثلون من المجتمع المدني ومن العاملين في ميدان تأهيل المواقع الأثرية. وتضمن البرنامج زيارة عدد من المواقع الأثرية، بينها حمام وقصر ومسجد، اكتشفت في إطار الحفريات التي تم القيام بها بالمنطقة، فضلا عن زيارة بعض المقابر التاريخية التي يوجد ضمنها قبر الملك والشاعر المعتمد بن عباد.

وكان هدف المنظمين، من وراء تنظيم هذا اللقاء، الوقوف على الحالة الراهنة للمركز وإعطاء انطلاقة ترميم وصيانة آثار «أغمات»، والاستمرار في عمليات الحفر والتنقيب، وتأهيل مركز «أغمات» لاستقطاب السياح المهتمين بالآثار. وكان مشروع أغمات الأثري انطلق عام 2005 في إطار اتفاقية بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالمغرب وجامعة «دو فانديربيلت» الأميركية، ويهدف إلى البحث والتنقيب عن آثار حمام قديم في «أغمات»، اعتبر تصميمه جزءا لا يتجزأ من تصاميم الحمامات الإسلامية المشهورة بالمغرب والأندلس.

كما مكن البحث الأثري من اكتشاف جانب من بناية مستطيلة الشكل توجد حولها أحواض. ويتعلق الأمر بقصر يتوفر على بنية صلبة ومتوازنة تمتد، حسب ما تم التوصل إليه حاليا، إلى أكثر من 250 مترا مربعا. وبينت الحفريات أن قصر «أغمات» يرجع إلى القرن الرابع عشر، وأنه يكشف عن التجديدات المتتالية التي مكنت من افتراض تطوره خلال حقبة تاريخية هامة قبل هجره.

ويقترن الحديث عن مرحلة تأسيس مراكش بمدينة «أغمات»، التي تبعد عنها بنحو 30 كيلومترا، في اتجاه «أوريكة» الجبلية، ضمن منطقة الحوز. وشكلت «أغمات» أول عاصمة للمرابطين، قبل أن يفكروا في بناء عاصمة تليق بدولتهم التي بسطت نفوذها حتى بلاد الأندلس، في أعقاب موقعة «الزلاقة»، بالأندلس، وما تلاها من أحداث، توجت بأسر الملك الشاعر المعتمد بن عباد، ونفيه إلى «أغمات».

وتختصر علاقة مراكش مع «أغمات»، في جانب منها، علاقة يوسف بن تاشفين بالمعتمد بن عباد، الذي لا يذكر إلا مقرونا باعتماد الرميكية، زوجته الشهيرة، التي عاشت تحتل مكانة بارزة في حياته، حتى أنه كان يطلق عليها، لسمو مكانتها وتمكن نفوذها، اسم «السيدة الكبرى».

وكانت اعتماد، والعهدة على كتب التاريخ، تغالي في دلالها على المعتمد، ومن ذلك أنها طلبت منه أن يريها الثلج، فزرع لها أشجار اللوز على الجبل المقابل للقصر، حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض. ومن ذلك أيضا، أنها رأت نساء يمشين في الطين، في يوم ممطر، وهن يتغنين فرحات، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد أن يصنع لها طين من الطيب، فسحقت أخلاط منه وذرت بها ساحة القصر، ثم صب ماء الورد على أخلاط المسك وعجنت بالأيدي حتى عاد كالطين، فخاضته مع جواريها.

ولعل من مكر التاريخ أن يخلد المعتمد حكاية الطيب والمسك وماء الورد، في أبيات شعرية مؤثرة، حين كان يعيش في «أغمات» أسيرا، نقرأ فيها:

«في ما مضى كنت بالأعياد مسرورا فجاءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيرا يطأن في التراب والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكا وكافورا».

وعلى الرغم من المؤاخذات على المعتمد بن عباد، يستحضر المؤرخون بعض الإشارات الجميلة التي يمكن أن تجلب له العذر وتبرز جانب النخوة في شخصيته، خاصة حين نقرأ في بعض كتب التاريخ: «ولما خوفه بعض حاشيته من ابن تاشفين، وقالوا: الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد، أجابهم: تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش، على أن أغدو تابعا لملك النصارى، وأن أؤدي له الجزية. إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير».

أما اسم يوسف بن تاشفين، هذا القائد المرابطي، الذي نقرأ عنه أنه «كان رجلا فاضلا، خيرا، فطنا، حاذقا، زاهدا، يأكل من عمل يده، عزيز النفس، ينيب إلى الخير والصلاح، كثير الخوف من الله عز وجل، وكان أكبر عقابه الاعتقال الطويل، وكان يفضل الفقهاء، ويعظم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها برأيهم، ويقضي على نفسه بفتياهم»، كما كان له فضل وضع الأساس لأول بناء في مراكش، التي تنقل كتب التاريخ أن مكانها كان عبارة عن «موضع صحراء رحب الساحة، واسع الفناء... خلاء لا أنيس به إلا الغزلان والنعام، ولا ينبت إلا السدر والحنظل»، فغالبا ما يثار، هو الآخر، مقرونا بامرأة. يتعلق الأمر، هنا، بالأميرة زينب النفزاوية، التي يعتبرها بعض المؤرخين «أم فكرة بناء مدينة مراكش حاضرة المغرب المسلم الكبير من حدوده مع مصر نهر النيل إلى حدوده مع السنغال»، حيث يذهب المؤرخ محمد الصالح العمراني بنخلدون، في مؤلفه «سبع سيدات مراكشيات باستحقاق»، إلى القول إن الأميرة زينب النفزاوية قد «أوحت» إلى أمير المسلمين، زوجها، يوسف بن تاشفين «بفكرة أن تكون لدولة إمارة المسلمين المرابطية عاصمة حاضرة لهذه الدولة، دولة المغرب المسلم الكبير»، وأن الأمير المرابطي «استجاب» لزوجته «فبنى لها مدينة مراكش».