سواء في ميلانو أو دلهي.. عالم عروض الأزياء لامع وبراق لكنه أشبه بكوكب منعزل

مع تكرار حالات الانتحار بين نجومه ونجماته

أوضح أطباء نفسيون أن جميع العارضين تقريبا يمرون بفترات من الشك ونقد الذات
TT

الأسبوع الماضي، انتحرت عارضة أزياء هندية شهيرة (37 عاما)، حيث قامت بشنق نفسها في مروحة تتدلى من السقف، داخل شقتها في مومباي. وذكرت في خطاب تركته وراءها أن صديقها هو سبب انتحارها، حيث كان من المقرر أن يتزوجا، لكنه أنهى علاقته معها بسبب «خلافات» لم يكشف عنها حتى الآن.

نظرا لما تتميز به من جمال ونجاح وشهرة، نالت فيفيكا باباجي، التي سبق أن نالت لقب ملكة جمال موريشيوس حيث ولدت، نصيبا كبيرا من الشهرة والمال. ويسلط انتحارها الضوء مجددا على الوجه القبيح لعالم الموضة، حيث يعد انتحار باباجي أحدث حلقة في سلسلة متنامية من حوادث انتحار عارضات الأزياء، ليس في الهند فحسب، وإنما في العالم كله.

ومن بين القصص الهندية المؤلمة انتحار ملكة الجمال السابقة، نفيسة جوزيف، التي قتلت نفسها بعد انهيار علاقة عاطفية لها، وأعقب الحادث انتحار عارضة الأزياء الشهيرة كولجيت راندهاوا. كما شهدت العاصمة الهندية فصول مأساة أخرى، مع تحول عارضة الأزياء النجمة، في فترة من الفترات، غريتانغالي ناغبال، إلى التسول، بعد أن سقطت ضحية إدمان المخدرات.

سواء في ميلانو أو دلهي، يبقى عالم عروض الأزياء لامعا وبراقا، لكنه أشبه بكوكب منعزل. في الواقع، شهد العامان الماضيان إقدام عدد كبير، على نحو مخيف، من عارضي الأزياء على الانتحار.

في يونيو (حزيران)، انتحر عارض الأزياء الفرنسي الشهير، توم نيكون (22 عاما)، الذي يمثل الوجه «الرجالي» لعلامة «بيربري» البريطانية في مجال الموضة، عند بداية أسبوع موضة ميلانو للرجال، حيث قفز من شقته في ميلانو في ما اشتبهت السلطات في كونه انتحارا. وفي يوم وفاته، حضر نيكون بروفة للعرض، الذي كان من المقرر أن يشارك به. ويعتقد أنه كان يعاني من الاكتئاب بسبب انفصاله عن صديقته.

في مايو (أيار)، انتحر عارض الأزياء الشهير، أمبروز أولسن (24 عاما)، الذي شكل الوجه المميز لدار «أرماني» و«دولتشي آند غابانا». وذكرت تقارير الشرطة أنه شنق نفسه.

في أبريل (نيسان) من هذا العام، انتحرت عارضة الأزياء، لينا مارولاندا، التي تعد واحدة من أشهر الوجوه بالتلفزيون الكولومبي، عندما قفزت من الدور السادس. وذكر أقاربها أنها كانت تتناول أدوية مضادة للاكتئاب لمرورها بظروف طلاق مريرة.

والتساؤل الذي تفرضه هذه الحوادث هو: هل تعد هذه الحالات مؤشرا ما على صناعة تولي اهتماما مفرطا بالمظهر؟ هل عصف الخوف بهؤلاء النجوم، بعدما حققوا كل شيء، من أن يفقدوا كل ما وصلوا إليه، أو يعجزوا عن التكيف مع الضغوط المترتبة على هذا النجاح؟

في هذا الصدد، أعرب الطبيب النفسي، دكتور راشنا سينغ، من «معهد أرتيميس للصحة»، عن اعتقاده بأن «تقلد أي وظيفة بمجال الموضة أو الأفلام يعني تعرض الجسد والعقل والروح لضغوط هائلة. وفي بعض الأحيان يصبح من المتعذر تحمل هذه الضغوط». وأضاف أن المشكلة لا تكمن في طبيعة الحياة المهنية لعارضي الأزياء فحسب، وإنما كذلك في ما تتركه من تداعيات على حياتهم الشخصية. وقال: «غالبا ما تشرع في التساؤل حول مدى الشفافية التي تتسم بها علاقاتك الشخصية، في خضم عالم مولع بالصورة الخارجية».

أيضا، يمكن أن تدفع مسألة الوحدة التي يعيش فيها النجوم بعيدا عن الحياة الحقيقية بعضهم للانتحار، كما أن الحياة الصاخبة، المليئة بالأضواء، تفتقر إلى أمان العيش مع الأهل. وأوضح سينغ أن جميع العارضين تقريبا يمرون بفترات من الشك ونقد الذات.

تعد ناعومي لينوار، النجمة الفرنسية لغلاف مجلة «فوغ» الشهيرة، واحدة من المحظوظين القلائل الذين نجوا من الموت بعد محاولة انتحار فاشلة؛ فمنذ أربعة شهور، تناولت لينوار جرعة زائدة قاتلة من المخدرات والكحوليات، قبل اكتشاف شخص عابر بالصدفة وجودها في غابة تقع بضواحي باريس، بجانب كومة من الأقراص وزجاجة كحول فارغة، بعد محاولتها قتل نفسها. يذكر أن العارضة لديها ابن يبلغ الخامسة من عمره، يعيش مع والده وصديقها، كلود ماكيليل، نجم نادي «تشيلسي» لكرة القدم السابق، الذي تتسم علاقته معها بالتوتر المستمر.

من جانبها، قالت غيتا جوزي كهانا، مديرة شركة «هيرموشي»، التي توفر المواد المرتبطة بالموضة للمجلات: «تلك ليست حياة يسيرة، ففي بعض الأحيان تصبح مرهقة للجسد ومقلقة نفسيا، حيث يسافر العارضون باستمرار، وعليهم دوما الاعتناء بأجسادهم وجلودهم وشعرهم، وإقامة الكثير من العلاقات الاجتماعية».

ويبقى التساؤل قائما حول سبب حصد صناعة الموضة لهذا العدد الكبير من الأرواح؛ هل هو الشعور بالوحدة؟ في الحقيقة، تعد مهنة عارض الأزياء واحدة من المهن التي تفرض الوحدة على أصحابها، رغم ما تنقله وسائل الإعلام من صور لحفلات ولقاءات اجتماعية. إن نمط الحياة المنحل أخلاقيا، والعلاقات المتفسخة، تخلق ظروفا فتاكة، بمقدورها تدمير أكثر الشخصيات قوة، كما أشار أوميش جيفناني الخبير بمجال الموضة.

قبل العثور على جثتها متدلية من سقف شقتها الفاخرة في باريس، كتبت عارضة الأزياء الكورية الجنوبية الشهيرة، كيم دوال، العبارة التالية: «كم أشعر بالوحدة الآن»، بجانب كلمات أغنية «أهبط للأعماق» لجيم ريفرز. وقد جاءت هذه العبارة من جانب عارضة ظهرت صورها باستمرار على أغلفة مجلات الموضة، مثل «فوغ» و«بازار»، وقامت بـ17 رحلة طيران في غضون ثلاثة أسابيع فقط! كانت بداية دوال العالمية في أسبوع باريس الدولي للموضة عام 2007. ومنذ ذلك الحين، أصبحت من الوجوه المألوفة في عروض الأزياء من تصميم كارل لاغرفيلد وفيفيان ويستوود وشانيل وألكسندر مكوين. يذكر أن مكوين، مصمم الأزياء البريطاني، شنق نفسه بعد أيام قلائل من وفاة والدته الحبيبة، جويس.

وجاء ذلك بعد ثلاثة سنوات فقط من إقدام صديقته المقربة إيزابيل بلاو، التي قدمته إلى عالم الأضواء والنجومية، على قتل نفسها.

من بين حالات الانتحار الشهيرة أيضا انتحار العارضة الروسية البارزة، روسلانا كورشونوفا، التي قفزت من شرفة شقتها في الدور التاسع. كانت العارضة، التي شاركت في عروض أزياء لمصممين عالميين وهي لم تتجاوز العشرين من عمرها، تشعر بالوحدة. وبالمثل، قفزت النجمة الكندية، هايلي كوهلي، من الدور السابع في ميلانو عام 2008.

ومن يمكنه نسيان انتحار عارضة الأزياء والممثلة البريطانية، لوسي جوردون، التي شنقت نفسها في شقتها بباريس، في مشهد وصفه مسؤولو شرطة باريس بـ«المروع». ويقال إنها تأثرت كثيرا بصديقة لها أقدمت على قتل نفسها على النحو ذاته.

ويبقى التساؤل؛ هل من صلة بين هذه الحوادث، أم أنها محض مصادفة مأساوية، هل تنبئ هذه الحوادث عن ضغوط هائلة داخل صناعة مهووسة بالمظهر؟

على الرغم من أن أفرادا من شتى الأطياف يميلون إلى الانتحار لأسباب شخصية، يوضح الطبيب النفسي موكول تشوكسي ذلك قائلا: «وضع النجومية يدفع المرء لإقصاء نفسه عن الآخرين للحفاظ على هيبته. ويضيع أيضا نظامه الداعم، المتمثل في الأسرة والأصدقاء في غمرة جدوله المزدحم، مع عدم توافر ضمانات للاستقرار المالي. كما أن الكثيرين يتعرضون عن قصد أو غير قصد لاستغلال ذهني ونفسي وجنسي في هذا المجال. ورغم مرور فترات من النضال والنجاح السلسة، فإن الحفاظ على المكانة يشكل مهمة عسيرة على أصحاب البناء النفسي الهش».

وأشار جو بيريرا، الذي يعمل في مجال إعادة تأهيل مدمني المخدرات، إلى أنه يعاين قدوم الكثير من العارضين والممثلين لتلقي العلاج. وعلقت الطبيبة النفسية أنجالي تشاهبريا على ذلك بالقول: «إن العارضين ما هم إلا بشر لا يملكون رفاهية الشعور بالحزن بالنظر لطبيعة عملهم».

في الواقع، تخبرنا تلك الحوادث أن من يعيشون في البروج العاجية غالبا ما يحيون حياة قوامها الخواء.