العراقي كامل حسين يلوّن الحرب في «رسم بلا حدود» ببيروت

عبر 30 لوحة يعرضها في قاعة نقابة الفنانين اللبنانيين

TT

تحت راية المدرسة الفنية العالمية الجديدة التي تجمع بين التعبيري والتجريدي يسير العراقي كامل حسين ريشته في رحلة فنية طليقة من أي قيود، بعيدة عن أي قواعد تاركا العنان لمخيلته، وإن كانت مثقلة بيوميات العراق الحزين وحروبه، لترسو على لوحات مفرحة بألوان مضيئة.

في معرضه العاشر «رسم بلا حدود» الذي اختار له أن يحط رحاله في العاصمة اللبنانية بيروت، يبدو أن الإنسان ومعنى وجوده وعلاقته بهذا الكون، هي الأسئلة الوجودية العامة التي تؤرق لوحات حسين فتتحول إلى منطقة بل مناطق حرة يصب فيها جامّ أفكاره، وذلك من خلال وجود شخصيات عدة في عدد كبير من الأعمال التي يجمع فيما بينها الكرة الأرضية، العين الشاهدة أو حتى المراقبة لكل ما يدور في فضاء لوحاته، وهو يقول «أركز في أعمالي على الإنسان الذي أعتبره مقدسا في هذا العالم، لكنه لم يكتشف حتى اليوم هذه القدسية ولا يزال يرتكب أخطاء في حق نفسه».

يفسر حسين فنه بالقول «أنطلق في أعمالي من العالمي إلى المحلي وليس العكس، وذلك كي تكون لوحاتي عالما خاصا لكل من ينظر إليها ويسقط عليها أفكاره انطلاقا من مكنوناته أو ربما من هواجسه، لذا ما يهمني هو أن يفكر في اللوحة بل ويفتح معها حوارا لأن هدفي ليس اللوحة الثابتة بل المتحركة. باختصار هي لغة بصرية يتذوقها المشاهد بعينه بدلا عن أذنه».

في هذا المعرض البيروتي، تتنوع لوحات حسين الـ30 التي يعرضها في قاعة نقابة الفنانين اللبنانيين بتقنياتها التي ترتكز على العجائن اللدنة والاكريليك والزيت، وبألوانها التي تراوحت بين البني والأزرق والأصفر والبرتقالي والأحمر الزهري عاكسة روحا تفاؤلية ونظرة مفرحة أو ربما أحلاما وردية. فهذه تجمع آدم وحواء في مكان ما على حافة الكرة الأرضية تجسيدا لما يعتبره حسين الشاعر والرسام تجسيدا لمبدأ الثبات الذي يقلقه بل ويرفضه ويجعله في سعي مستمر للانفلات من أي قيود. وتلك تجسد كائنات متنوعة في كوكب ما على هذه الكرة الأرضية، هذا الكوكب الذي لا يغيب عن معظم اللوحات ويأتي على شكل كتلة دائرية تعكس في الوقت عينه «الوجود والعدم» وما بينهما من القلق الذي لا يغيب عن أفكار الفنان ولوحاته بألوانها الهادئة.

كذلك فإن واقع العراق و«تاريخه المهشم» حاضران بقوة بل مترسخان في لاوعي حسين رغما عن وجهة نظره التي تقول إن «الماضي هو الموت مهما كان جميلا، ونظرتي هي دائما شاخصة باتجاه الحاضر والمستقبل»، كما هو حال إحدى اللوحات التي تأتي لتستحضر ذكرياته حين كان جنديا مدافعا عن بلده، وتلك التي تفصل أدوات الحرب من الدبابة والطائرة إلى الشهداء والسيارات المفجرة والشظايا المتناثرة. وعلى جدار مقابل، تأتي أخرى لتنقب في تاريخ حضارتي سومر وبابل، وفي الحروف والأرقام، أو تستذكر «غلغامش» في بحثه عن الخلود، فيما تعكس لوحة مدينته «البصرة»، التي بقيت تنبض فرحا وبهجة وجمالا، هذا التحدي الذي تواجهه مع الحرب المتربصة بها. أما تحدي حسين الفني فيأتي من خلال تعامله مع ألوان لوحاته، التي وإن كانت تجسد حربا إلا أنها تخرج عن نطاق وجهها الداكن أو القاتم، فيقول عن نفسه «في داخلي طفل بريء يشاكس بالألوان لأنني أرفض أن تظهر معالم الحرب واضحة في لوحاتي، بل هدفي أن تشكل كل منها محطة تريح عين المشاهد وتجذبه إليها بدل أن تتعبه».