معرض «آثار المملكة» في اللوفر يعرف العالم بالحضارات المتعاقبة على شبه الجزيرة العربية

سعود الفيصل وبرنار كوشنير يفتتحانه

إحدى القطع الرئيسية في معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية في متحف اللوفر (أ.ف.ب)
TT

دشن أمس في متحف اللوفر في باريس، وسط حضور رسمي وإعلامي سعودي وفرنسي وعربي وأجنبي واسع، معرض «روائع أثار المملكة العربية السعودية» الذي يشكل أول تظاهرة ثقافية - تاريخية من هذا العيار والمرشح لأن يجول في عواصم أجنبية وعربية عديدة بعد انتهاء مدته في العاصمة الفرنسية بنهاية شهر سبتمبر (أيلول) القادم.

ومثل الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فيما مثل وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فيما حضر الافتتاح وزير الثقافة الفرنسي فردريك ميتران. ومن الجانب السعودي، حضر الأمير تركي الفيصل، والأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار. وسفير المملكة في باريس الدكتور محمد آل الشيخ، ونائب رئيس البعثة السعودية الدكتور معن الحافظ، وممثلون عن الوزارات الفرنسية المعنية وشخصيات سعودية وممثلون عن الشركات التي ساهمت في رعاية المعرض الذي تولى معرض اللوفر كلفته. وقدم الشروح للوزراء، سعود الفيصل وبرنار كوشنير وفريدريك ميتران، الدكتور علي بن إبراهيم الغبان، نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار.

وبعد تجوال في مناحي المعرض دام أكثر من ساعة، ألقى الأمير سعود الفيصل كلمة شدد فيها على ما يمثله المعرض من «تجسيد للبعد الثقافي للتعاون المشترك» بين السعودية وفرنسا اللتين وصفهما بـ«البلدين الصديقين»، ما «يتجاوز المجالات السياسية واقتصادية والأمنية وغيرها من المجالات الحيوية وذلك في إطار سعينا الدؤوب نحو تعزيز العلاقات القائمة وتطويرها والبحث دائما عن آفاق جديدة للتعاون المشترك بما يخدم شعبينا وبلدينا».

ووصف الأمير سعود الفيصل المعرض بأنه «يشكل موسوعة لحضارة إنسانية» لفترة تاريخية للجزيرة العربية تمتد من العصر الحجري القديم (نحو مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر النهضة السعودي في رحلة زمنية تستعرض فترة الممالك العربية المبكرة والوسيطة والمتأخرة ثم فترة الممالك العربية المبكرة والوسيطة والمتأخرة وفترة العهد النبوي والدولتين الأموية والعباسية فالعصر العثماني وأخيرا توحيد المملكة السعودية وما تلاها من نهضة شملت كافة مجالات الحياة لبلد شرفه الله أن يكون مهدا لرسالة الإسلام وموطن الحرمين الشريفين.

وشكر وزير الخارجية السعودي فرنسا، مذكرا بأن المبادرة تعود لزمن الرئيس شيراك واحتضنها الرئيس ساركوزي منوها بحرص القيمين على المعرض على «إظهار الصورة المشرفة للحقبة الزمنية المهمة» التي يغطيها. كذلك نوه بالتعاون القائم بين الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة والعلماء المختصين في الجانب الفرنسي. وحرص الأمير سعود الفيصل على الإشادة بالهيئة العامة للسياحة والآثار التي «تمكنت خلال فترة زمنية قصيرة لإنشائها من تحويل هذا الحلم إلى واقع».

وردا على ذلك، قال الوزير كوشنير إنه «شرف كبير» له أن يدشن بمعية الأمير سعود الفيصل والوزير ميتران معرض الآثار السعودية في اللوفر الذي وصفه بأنه «ثمرة تعاون» بين فرنسا والسعودية معتبرا أنه يوفر فرصة إضافية «لنفهم بعضنا بعضا وللتعرف على دور المفترق الحضاري» الذي لعبته السعودية عبر الحقب التاريخية المختلفة وهو ما تعكسه القطع الأثرية الاستثنائية المعروضة.

وأعرب كوشنير عن سعادته البالغة بعدد من الآثار خصوصا تلك التي تمثل تعاقب الكتابات وتطورها عبر التاريخ داعيا الحضور إلى العودة إلى زيارة المعرض والتمعن بما يحتويه والاستمتاع بالآثار التي يعرض بعضها للمرة الأولى ليس فقط في الخارج وإنما أيضا في السعودية نفسها.

وقال هنري لواريت، مدير متحف اللوفر لـ«الشرق الأوسط» إن المعرض «يشكل الخطوة الثانية للتعاون الذي تم الاتفاق عليه مع المملكة السعودية، إذ إنه أقيم معرض في الرياض ضم القطع الإسلامية التي يملكها متحف اللوفر وذلك بناء على اتفاق أبرم بمناسبة زيارة الرئيس شيراك للمملكة في عام 2006». وكشف لواريت أن هناك «خطوات ومشاريع تعاون إضافية بين الطرفين تتناول تبادل البعثات العلمية والأكاديميين والباحثين والتعاون في ميدان المعارض والتهيئة والتأهيل العلمي»، وهو ما أكده الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» لاحقا. وفي السياق عينه قالت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو لـ«الشرق الوسط» إنها «تحيي الجهود التي تبذلها السعودية للكشف عن تراثها» مشيرة إلى مشاريع تعاون جديدة بين المنظمة الدولية وبين السعودية. وذهبت بوكوفا إلى حد وصف السعودية بأنها «ألدورادو الأركيوليوجيا والتراث العالمي» بالنظر لغناها التراثي وكمية المكتشفات الجديدة وتلك التي تنتظر من يكتشفها ونقلت مديرة عام اليونسكو عن الأمير سلطان بن سلمان أن هناك 130 موقعا أثريا سعوديا جديدا تعمل الهيئة على صيانتها وحمايتها ويمكن أن ترشح لتكون جزءا من تراث الإنسانية على غرار مدائن صالح التي سبق أن سجلت على اللائحة المذكورة.

وفي حديثه للصحافة عقب الافتتاح، قال الأمير سلطان إن هدف المعرض هو التعريف بالحضارات المتعاقبة على شبه الجزيرة العربية. وبرأيه أن الدور الذي تلعبه السعودية في الوقت الحاضر دينيا وسياسيا واقتصاديا دور أصيل وليس مستحدثا أو متطفلا قياسا إلى ما كان عليه دور هذه المنطقة في ماضي التاريخ بحقبه المختلفة. وأضاف الأمير سلطان أنه دور «مبني على طبقات متعاقبة وتقوم به السعودية بكل جدارة وأصالة ويؤديه خادم الحرمين الذي يعي هذه المسؤولية».

ووصف رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث المعرض بأنه استثنائي بكل المقاييس بدءا من كونه ينطلق من متحف اللوفر «أحد أهم المتاحف العالمية» مما يعكس علاقة استراتيجية بين الهيئة والمتحف المذكور. وأكد الأمير سلطان أن المعرض سينتقل في الخريف القادم إلى برشلونة وبعدها إلى عواصم ومدن أوروبية وأميركية ثم لاحقا إلى العواصم الخليجية كاشفا أن وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة تمنت أن تستضيف المنامة المعرض عام 2012 بمناسبة تسمية المنامة عاصمة للثقافة العربية وأشار الأمير سلطان إلى أن الدوحة مهتمة أيضا باستضافة المعرض.

وتناول الأمير سلطان نقطة أثارت جدلا وما تزال حول ماضي المملكة ما قبل الإسلام ليؤكد أن المملكة ليست لديها أي حساسيات ثقافية أو دينية وأنها تنظر إلى آثارها الوطنية على أنها مكون تاريخي من شخصيتها وهويتها الوطنية.

وأضاف أن هذا المعرض بالنسبة للسعودية «مفخرة واعتزاز» لأنها حافظت على القيم الإسلامية الأصيلة والعظيمة كما حافظت في الوقت عينه على هذه الحضارات. وبالتالي فإنها أظهرت الدين الإسلامي كدين عظيم يتعامل مع الحضارات والتاريخ من منطلق قوي وثابت.

يذكر أن المعرض يضم مجموعة من القطع تغطي الفترة التاريخية التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر النهضة السعودي، وتمر هذه الفترة الطويلة جدا بالعصور الحجرية ثم بفترة العبيد (الألف السابع قبل الميلاد) ففترة الممالك العربية المبكرة (الألف الخامس قبل الميلاد)، ثم الممالك العربية المتأخرة (الألف الثاني قبل الميلاد)، ثم الممالك العربية المتأخرة (الألف الأول قبل الميلاد) ففترة العهد النبوي ثم فترة الدولة الأموية والعباسية ومن ثم العصر العثماني، وأخيرا فترة توحيد المملكة العربية السعودية.

ويقام على هامش المعرض محاضرات علمية عن آثار المملكة يلقيها مختصون من الجانب السعودي والفرنسي، ومعرض لصور الرحالة الفرنسيين الذين زاروا الجزيرة العربية تنظمه دارة الملك عبد العزيز بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، كما سيتم عرض عدد من الأفلام والصور وتوزيع عدد كبير من المطبوعات والكتيبات التي تبرز أهم المواقع الأثرية في المملكة، إلى جانب تقديم عروض للفنون الشعبية تنفذها وزارة الثقافة والإعلام.