المتحف الإسلامي في الدوحة.. نافورة الوضوء تحتضن كنوز الآثار الإسلامية

د. عبد الله النجار مدير عام هيئة متاحف قطر يروي لـ «الشرق الأوسط» قصة تصميمه

نافورة الوضوء أنشئت في القرن الثالث عشر، كان قد شاهدها المصمم المعماري الصيني أيوه مينغ بي في مسجد أحمد بن طولون في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو المتحف الإسلامي في العاصمة القطرية كأيقونة اتخذت مكانها وسط البحر لتربط العالم، كما يمثل المبنى صورة رمزية للحوار الحضاري، والقدرة على جمع صورة الماضي بما يكتنزه من نفائس بالحاضر والمستقبل، وأصبح المبنى رمزا للعمارة الإسلامية التي تمثل مهارة التصميم وقدرته على خلق فضاء من التواصل والإلهام، وسط غابة من المباني المتطاولة نحو الأفق تشكل لوحة عصرية للعاصمة القطرية أسوة بالعواصم الخليجية.

جرى تشييد مبنى المتحف الإسلامي في الدوحة بمهارة في جزيرة اصطناعية في أهم مناطق الواجهة البحرية، ويظهر المبنى الذي يبدو كتحفة معمارية في مدينة سريعة النمو تحاول أن تتشبث بالتاريخ في الوقت الذي تسير فيه نحو المستقبل، رامزا إلى الحضارة التي تركب البحر للوصول إلى الضفة الأخرى، ويستسقي من معين الحضارة الإسلامية روحا تجعله يتواصل مع العالم بكثير من الثراء وغزارة المحتوى.

وقد ابتكر المبنى على هيئة نافورة الوضوء، التي أنشئت خلال القرن الثالث عشر، وكان قد شاهدها المصمم المعماري الصيني أيوه مينغ بي في مسجد أحمد بن طولون في القاهرة، الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي.

ويحتوي المتحف على الكثير من المقتنيات الأثرية التي جمعت من أوروبا وآسيا، وأصبح أحد أبرز المراكز الثقافية في الخليج. ويقول مديره الدكتور أوليفر واتسون لـ«الشرق الأوسط» إن زواره تجاوزوا 293 ألف زائر حتى نهاية العام الماضي.

مقتنياته تضم تنوعا فنيا تجمع فيه ما بين المعروضات من التحف والنفائس إلى الكتب والمخطوطات وقطع السيراميك والمعادن والزجاج والعاج والأنسجة والخشب والأحجار الكريمة والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز، التي يرجع تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام، وبالتحديد إلى العهد الساساني، ويرجع أحدثها إلى العهد الصفوي، مرورا بالعصرين الأموي والعباسي والأندلسي.

ويعتبر المتحف الذي جرى تدشينه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 أكبر متحف للفن الإسلامي، ويجمع من الكنوز الأثرية مقتنيات على حقب زمنية تمتد حتى 1400 سنة، ولديه أكثر من 800 قطعة فنية ثمينة على امتداد التاريخ الإسلامي.

ويروي الدكتور عبد الله النجار، مدير عام هيئة متاحف قطر، لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في مكتبه في مقر المسرح الوطني المطل على الواجهة البحرية في الدوحة، بحضور روجر ماندل، المدير التنفيذي لهيئة متاحف قطر، والدكتور أوليفر واتسون، مدير المتحف الإسلامي، قصة اختيار التصميم الحالي للمتحف، فقد وقع اختيار المسؤولين في قطر على المصمم العالمي أيوه مينغ بي، وهو أميركي من أصل صيني، والذي يعتبر أحد عظماء التصميم الهندسي للمتاحف في العالم والحائز على جائزة «بريتزكر»، وكان سبق لهذا المهندس المعماري أن صمم الهرم الزجاجي خارج متحف اللوفر الباريسي.

واستوحى فكرة تصميم المتحف الإسلامي من نافورة الوضوء الصغيرة في مسجد أحمد بن طولون في مصر، والتي تعود إلى القرن الثالث عشر.

يقول النجار: «كان هذا المصمم قد بلغ للتو عامه الـ85 ويتجه إلى التقاعد، ولكن حين تلقى العرض أراد أن يحدث تأثيرا كبيرا يتوج به أعوامه في التصميم، اختار المصمم العالمي أن يقوم بجولة لدراسة التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية والفن الإسلامي، حيث قضى عاما ونصفا في زيارة إسبانيا والمغرب وتركيا والهند ومصر، وفي مصر لاحظ روح القائد الإسلامي أحمد بن طولون، تتجسد في البناء الهندسي في مسجد ابن طولون، واستقرت فكرة بناء المتحف بتصميمه على شكل مكعبات السبيل أو مكان الوضوء في مسجد ابن طولون، مستخدما طراز الأحجار التي كان المماليك والمهندسون العثمانيون يستخدمونها».

يضيف النجار أن اختيار الواجهة كان أيضا جزءا من التصميم الذي أراده المصمم العالمي أيوه مينغ بي، فقد وقع اختياره على الواجهة البحرية مشترطا أن يأتي المكان في قلب البحر لا يجاوره أي بناء آخر.

وكانت الهيئة قد تأسست باسم «هيئة متاحف قطر» في ديسمبر (كانون الأول) 2005، وهي تعنى بتطوير المتاحف الوطنية في قطر، وحفظ وصيانة المواقع الأثرية. وقال النجار إن المسؤولين القطريين رسموا رؤية تجعل من الدوحة إحدى العواصم الثقافية المهمة في العالم العربي، وتتولى الشيخة مياسة بنت حمد آل ثاني الإشراف على تنفيذ هذه الرؤية.

وقال النجار إنه بالإضافة إلى المتحف الإسلامي ذائع الصيت في الدوحة فإن جهود الهيئة منصبة على تطوير متحف قطر الوطني. ويقع متحف قطر الوطني بمحاذاة كورنيش الدوحة، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1912 حيث كان قصرا للحكم، وأعيد ترميمه وتطويره ليصبح متحفا وطنيا للبلاد، وافتتح في 1975. ويتألف من خمسة أقسام هي: قصر الحاكم القديم، ومتحف الدولة، والبحيرة، والمتحف البحري، والحديقة النباتية.

ويقول روجر ماندل، المدير التنفيذي لهيئة متاحف قطر، إن المصمم العالي أيوه مينغ بي أراد أن يكون الموقع المتقدم للمتحف في الخليج رمزا لربط الدوحة القديمة بالجزء الأكثر حداثة فيها، كما أراد أن يعطي المكان رمزية للعلاقة بين الدول والتجارة التي كان البحر وسيلتها.

ويعتبر المتحف تحفة معمارية تأسر القلوب، ويقع داخل جزيرة اصطناعية مساحتها 64 فدانا وتبعد 60 مترا عن كورنيش الدوحة. أما المتحف فتبلغ مساحته 35 ألفا و500 متر مربع، وفي العام الماضي فاز مبنى متحف الفن الإسلامي بجائزة أفضل مشروع معماري متكامل لعام 2009 في الحفل السنوي الثاني للجوائز المعمارية في منطقة الشرق الأوسط الذي أقيم في دبي، واختير المتحف لحفاظه على مبادئ التصميم الإسلامية التقليدية واستخدامه مواد البناء المتعارف عليها في المنطقة مع توظيفه للتكنولوجيا الحديثة لإنشاء مبنى متكامل وعملي.

ويتكون هذا المتحف من سبعة طوابق، اثنان منها على شكل قبو تحت الماء. وتضم الطوابق السبعة قاعات المعارض الدائمة وقاعات خاصة للعرض ومطعما رفيع المستوى وطابق الإدارة الخاصة بالمتحف.

ويحتوي المعرض على نفائس نادرة جرى استقدامها من مختلف بقاع العالم، كما يمتلك المتحف أكثر من 4500 من الأعمال الفنية الكبيرة. تتوزع التحف الأثرية التي يضمها المتحف الإسلامي في الدوحة في صالات العرض التي صممها المصمم الفرنسي جان ميشال فيلموت عبر طابقين، وتظهر المعروضات الموجودة حاليا في المتحف بعض المقتنيات التي جمعت بتدرج جغرافي على امتداد أكثر من 7000 ميل من إسبانيا إلى الهند، وتمثل حقبة تاريخية تمتد إلى أكثر من 1400 عام.

وتشتمل مجموعة مقتنيات المتحف التي تمثل المجالات الكاملة للفن الإسلامي على المخطوطات والسيراميك والأعمال المعدنية والزجاج والعاج والنسيج والخشب والأحجار الكريمة، وتمثل الحقبة الكاملة للفن الإسلامي.

أوليفر واتسون مدير المتحف سبق أن عمل مسؤولا في متحفي فيكتوريا وألبرت في العاصمة البريطانية لندن، ويقول إن مقتنيات المتحف جرى استقدامها من المراكز الحضرية في العالم الإسلامي. وقال واتسون إنه تم إحضار هذه الأعمال من كل المراكز الحضرية في العالم الإسلامي، من قرطبة إلى سمرقند والجزيرة العربية، وهي حسب قوله من أفضل المجموعات الأثيرة في أي مكان.

ويتألف متحف الفن الإسلامي من خمسة طوابق بالإضافة إلى جناح تعليمي مكون من طابقين، ويكرس نفسه ليعكس الحيوية والتنوع اللذين يميزان فنون العالم الإسلامي. وتتمحور رؤية الهيئة في تقديم مظلة شاملة يتم بموجبها رسم الخطط المستقبلية من أجل تطوير المتاحف الوطنية وتأسيس نظام لدمج وحماية وحفظ وتفسير المواقع والنصب الأثرية والصناعات اليدوية التاريخية.