«حكايات الأغاني».. كتاب جديد يرصد كواليس كبار الفنانين

عبد الوهاب تحول إلى طبال.. والسنباطي ألقى عوده في وجه أم كلثوم

TT

عمر من الفن عاشه العرب مع أنغام وكلمات الكبار، نحتت «ثومة» وشادية والعندليب والأطرش وفايزة جداريات الطرب، وأقام عبد الوهاب والسنباطي والموجي صروح النغم، في حين دشن مأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز ومحمد حمزة وحسين السيد مهابة الكلمة.. خرجت أغاني الكبار لتحفر في الوجدان وتتحدى الزمن فلا تموت مع الموتى.. لكن هناك من رصد كواليس المخاض وكشف أسراره.

في كتابه «حكايات الأغاني»، يحكي الشاعر مصطفى الضمراني كشاهد عيان أسرار وكواليس الأغاني التي وصل معها العرب لثمالة الطرب.. يتكلم الضمراني عن تفاصيل كثيرة ظلت لسنوات مطمورة تحت غبار الزمن.

من بين حكايات الضمراني، ما كتبه عن «انت عمري» الأغنية التي عرفت بلقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب، كتبها أحمد شفيق كامل وحققت نجاحا ساحقا عقب غناء «ثومة» لها على مسرح الأزبكية. يروي المؤلف قصة اختيار عبد الوهاب شكل الأغنية التي جمعته لأول مرة مع كوكب الشرق، وأسباب تخوفه من خوض التجربة، وتفضيله أم كلثوم على نفسه ومنحها كلمات الأغنية واكتفائه بتلحينها، على الرغم من أنها كانت في الأصل مكتوبة ليغنيها هو، لم يخبر عبد الوهاب أحدا قط بهذا السر الذي ظل بينه وبين أحمد شفيق كامل، كاتب الأغنية، حرصا منه على مشاعر أم كلثوم، ولأنه كان على علم أنها لو عرفت بأن الأغنية مكتوبة في الأصل لغيرها سترفضها حيث يستحيل عليها أن تأخذ أغنية كانت مكتوبة لغيرها.

وأثناء البروفات اكتشف عبد الوهاب أم كلثوم الشاعرة، وذلك عندما طالبت بإجراء تعديلين على كلمات الأغنية، وبالفعل كان اختيارها موفقا جدا ومثار إعجاب من الجميع. وأذيعت الأغنية وحققت نجاحا كبيرا. وكانت آخر أغنية يتم تقديمها على مسرح الأزبكية في عام 1964.

يروي الضمراني قصة استماع أم كلثوم لبليغ حمدي في بيتها وهو يغني بصوته الجميل أغنية «حب إيه.. اللي انت جاي تقول عليه» لعبد الوهاب محمد، ليحفظها ابن شقيقتها، الصوت الجديد إبراهيم خالد، فتختارها أم كلثوم لنفسها وتفتح لبليغ، ولعبد الوهاب محمد كاتب الأغنية، باب الشهرة على مصراعيه ليكون أول ظهور لهما أمام الجمهور، وبليغ لم يتعد السادسة والعشرين بعد.

وبعد اقتناع أم كلثوم بموهبة عبد الوهاب محمد كشاعر ذهب إليها زائرا، ثم تصادف أن نسي أجندته الخاصة في البيت، فقلبت فيها «ثومة»، واكتشفت عشرات الأغنيات المدونة فيها فاختارت من بينها ثلاث أغنيات غنتها في ما بعد.

وأثناء تلحين عبد الوهاب لأغنية «فكروني» لأم كلثوم كشف عن أسلوب منفرد كان مثار إعجاب خبراء الموسيقى في الوطن العربي، خاصة استخدامه المتفرد للطبلة مع تغيير نمط استخدامها، ليبدع لها في الكوبليه الأخير لأغنية «فكروني» «صولو» مقننا ومدونا بالنوتة أمام عازف الطبلة «كتكوت الأمير».

ويروى لنا المؤلف إحدى الطرائف، التي كان شاهد عيان عليها، عندما طلب عبد الوهاب من كتكوت التوقف عن العزف، وجلس هو على الكرسي مع الفرقة الموسيقية وقال له: «شوف أنا باعمل إيه؟»، وأمسك بالطبلة وقام بعزف الصولو المنفرد عليها، وأعضاء الفرقة مبهورون بأداء عبد الوهاب على الطبلة، ويستمعون بشغف شديد إليه، وهو يعطي الدرس للعازف الشاب، مما أثار انتباه عازف الكمان الأول أحمد الحفناوي ليقول للأستاذ وهو في قمة سعادته وبابتسامته الحلوة: «صحيح يا أستاذ إنك موسيقار الأجيال، وها هو واحد من الجيل يتعلم منك»، وكيف أصبحت هذه الصورة لعبد الوهاب وهو يقوم بالعزف على الطبلة وأمامه كتكوت الأمير هي صورة الصفحة الأخيرة في صحيفة «الأهرام» في اليوم التالي، عندما تسلل المصور إميل كرم إلى استوديو التسجيل سرا والتقط الصورة على الرغم من تعليمات الست المتشددة بالسرية.

ويحكي المؤلف عن قطيعة استمرت لسنوات بين السنباطي وأم كلثوم على إثر اعتراضها على «قفلة» أغنية الأطلال، وهو الكوبليه الذي تقول فيه «لا تقل شئنا فإن الحظ شاء». عندما قالت للسنباطى: «الطبقة عالية يا رياض عايزاك تعدلها»، فاشتاط السنباطي غضبا وألقى بعوده على الأرض وخرج مسرعا من بيتها عائدا إلى بيته متعجبا من موقفها، وهى التي تربت على ألحانه ولم تعترض مرة على نغمة واحدة طوال نصف قرن. وخلال سنوات فشلت كل محاولات الصلح فاضطرت أم كلثوم للرضوخ لشروط السنباطي وغنت بلا تعديل للحن وحققت نجاحا منقطع النظير خاصة في الكوبليه الأخير.

ومن خصام السنباطي وثومة، إلى قطيعة الموجي وعبد الحليم حافظ لخمس سنوات.. فيحكي المؤلف قصة الخلاف، حتى جاءت قصيدة «رسالة من تحت الماء» للشاعر نزار قباني لتكون فاتحة الخير وحمامة السلام، ويتم الصلح في المغرب، وعند عودتهما إلى القاهرة يبدأ العمل، ولكن القدر لم يشأ أن تظهر القصيدة في موعدها المقرر، بسبب الوعكة التي ألمت بالعندليب، وسفره للعلاج في الخارج، لكن الموجي سجلها كاملة بصوته وتدرب على غنائها العندليب وهو على سرير المرض في مستشفى «لندن كلينيك»، وطلب حليم تعديل الجملة اللحنية في «إني أتنفس تحت الماء.. إني أغرق أغرق»، إضافة إلى تعديل كلمة «عاشقة» لتتناسب مع كون المغنى رجلا، وبالفعل عدل نزار الكلمة وبالمثل فعل الموجي، وبعد شهر عاد إلى أرض الوطن، لتبدأ بروفات الأغنية مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن ويغنيها عبد الحليم في حفل أضواء المدينة وتحقق نجاحا غير مسبوق.

ومن بين أسرار الكتاب، غضب عبد الوهاب الشديد من عدم إذاعة أغنيته «المركبة عدت» التي لحنها لعبد الحليم حافظ بمناسبة إعادة افتتاح قناة السويس لكن الأغنية انضمت لما عرف بأغاني اليوم الواحد، فاتصل بسامية صادق رئيسة التلفزيون، وقال لها ساخرا: «إذا كانت المراكب اللي قدامك بتعدي في النيل كل يوم ليل ونهار، طيب ليه مركبتي أنا ما بتعديش قدامك إلا يوم 5 يونيو (حزيران) فقط وتتعطل طول أيام السنة؟!».

من بين طرائف الكتاب اتصال بليغ حمدي بملحن أغنية شادية «اتعودت عليك» خالد الأمير لتهنئته على اللحن وهو جالس بجواره في منزلها، ولا يعلم أنه هو. كما رصد بشيء من التفصيل قصة تعاون ميادة الحناوي مع بليغ حمدي وغنائها من تأليفه وتلحينه، وأسرار عودة فايزة أحمد إلى محمد عبد الوهاب في «وقدرت تهجر»، وتفاصيل لقاء حلمي بكر بعلية التونسية، وكيف تمنى أن يتعاون سيد مكاوي مع «ثومة»، وجلس مكتئبا لأنه لم ينل شرف التلحين لها ثم فوجئ بهاتفه يرن حاملا رغبتها في إتمام التعاون.