الحرائق على ضفتي نهر الأردن تهدد البيئة الطبيعية والكائنات الحية فيها

ألحقت خسائر بالمزروعات والحكومة تدرس تقديم شكوى ضد إسرائيل للأمم المتحدة

الإحصاءات الرسمية كشفت أن الحرائق الإسرائيلية في المناطق الحدودية طالت 1250 دونما بعد معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية عام 1994 («الشرق الأوسط»)
TT

بعد تكرار حوادث الحرائق على ضفتي نهر الأردن من قبل السلطات الإسرائيلية، تدرس الحكومة الأردنية تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، في ظل عدم استجابة الطرف الإسرائيلي وتكرار مثل هذه الحوادث التي ألحقت أضرارا بالمزروعات وأشجار الحمضيات، إضافة إلى الخسائر الفادحة في البيئة الطبيعية لمنطقة النهر.

ويقول وزير الزراعة الأردني، سعيد المصري، إن الحكومة الأردنية تدرس تقديم شكوى ضد إسرائيل للأمم المتحدة بسبب الحرائق الحدودية التي تقوم بها في وادي الأردن، وتلحق الضرر في المزروعات الأردنية سنويا، لكنه استدرك قائلا: «إنه على ضوء الاحتجاج الرسمي، ستراقب الحكومة الإجراءات المتخذة من قبل إسرائيل ومن ضمنها تقديم تعويضات مالية مناسبة، وإلا سنبحث في اللجوء إلى الجهات الدولية والأمم المتحدة المعنية للمطالبة بالتعويض للمزارعين الذين أتلفت الأشجار والمعدات أراضيهم ومزارعهم».

وكان الأردن قد أرسل شكوى واحتجاجا إلى إسرائيل على تكرار الحرائق في أشهر الصيف الماضي وما ينتج عنها من أضرار فادحة للمزارعين وإتلاف مئات الأشجار المعمرة والمثمرة.

وتزعم إسرائيل أن الرياح هي التي تقوم بنقل الحرائق التي تشعلها إلى المناطق الأردنية.

إلا أن الكثير من المؤسسات الأردنية تؤكد أن إسرائيل تقوم سنويا في فصل الصيف بإشعال الحرائق في منطقة (الأغوار) الحدودية في المزارع المحاذية لنهر الأردن بذريعة مراقبة الحدود.

ويأتي التحرك الأردني للعام الثاني على التوالي بعد أن طلب السفير الأردني لدى إسرائيل، علي العايد، توضيحا رسميا من وزارة الخارجية الإسرائيلية حول ما حدث.

وحول تقرير لجنة حصر الأضرار في الحريق الإسرائيلي في منطقة «تل الأربعين» بالأغوار الشمالية، كشف تقرير وزارة الزراعة الأردنية عن «إتلاف أكثر من ست مزارع من الحمضيات تعود إلى 15 مزارعا في منطقة الأغوار الشمالية، وتضررت 1930 شجرة مثمرة جراء الحريق غالبيتها من أشجار الحمضيات وبنسب متفاوتة تصل من 20 إلى 100 في المائة، وتعود إلى 12 مزرعة محاذية لنهر الأردن، إلى جانب تضرر تمديدات وشبكات ري».

وأشار التقرير إلى أن مجموع عدد الأشجار الحرجية التي أصابها الضرر بلغ 1248 شجرة ما بين شفط جزئي وحرق كامل، إضافة إلى احتراق نحو 60 ألف رمح قصيب في المنطقة التي طالتها النيران، وأن إجمالي المساحة المتضررة وصل إلى نحو 60 دونما، في حين وصلت مسافة الحريق الطولية على امتداد النهر إلى 20 كيلومترا.

وتقول مديرة الدراسات في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة إيناس سكجها إن منطقة المحاذية لنهر الأردن تشكل محمية طبيعية، حيث يوجد بها أشجار السمط النادرة، إضافة إلى أنها منطقة ترتادها الطيور المهاجرة في فصلي الربيع والخريف من كل عام.

وتضيف سكجها إلى أن المنطقة المحمية هي منطقة عسكرية، ومن أهم الأشجار الحرجية فيها الملول والصفصاف الأبيض وبعض النباتات مثل: العاقول والطرفا والأوكيد الأناضولي وأوكيد الفراشة وغيرها من النبتات النادرة والمهددة بالانقراض، مشيرة إلى أن أهم الأنواع الحيوانية التي تعيش في المنطقة هي ثعلب الماء والذئب والقط البري والضبع والحرباء والسلحفاة وسمك مشط الجليل وسمك الحفاف.

وقالت إن المنطقة تعتبر محمية طبيعية من زمن بعيد وهناك حيوانات أصبحت مهددة، مثل: النمس المصري، وكلب الماء، والوشق، وقط الأدغال، موضحة أن هناك بعض الطيور المهاجرة التي تأتي في فصلي الربيع والخريف مثل البجع واللقلق الأسود، إضافة إلى الطيور المعششة مثل: البلشون الأبيض الصغير، والحمام المرقّط، والسماك الأبقع وأبيض الصدر، والسنونو، والعصفور الإسباني، والنمير الفلسطيني، وهازجة القصب الصياحة.

وأشارت إلى أن بعض الطيور المهاجرة بدأت الانحسار ومهددة بالتناقص مثل: غراب الليل، وأبو قردان، والواق، وصقر العسل، والرخمة، والعقاب الأبقع، والبيدقِ، والنمار السوري.

من جانب آخر، توقعت مصادر بوزارة الزراعة إنشاء طريق ترابي على ضفة النهر الشرقية بالتعاون مع الأشغال العامة والجهات الحكومية الأخرى تهدف إلى الحد من انتقال الحرائق الإسرائيلية إلى الجانب الأردني، وستكون الطريق بعرض عشرة أمتار وخالية من الزراعات وستشمل الأراضي الزراعية المحاذية للنهر والمعتدى عليها من بعض المزارعين.

ويقول مزارعون إن امتداد الحريق من الجهة الأخرى للنهر أصبح يتكرر في المناطق الزورية في وادي الأردن، كل فصل صيف، مشددين على ضرورة سرعة إنجاز تقديرات اللجان الحكومية المكلفة حصر الخسائر، والتحرك لطلب تعويضات، والاحتجاج على استمرار حرق إسرائيل لمزارع الأغوار، مشيرين إلى أنهم يعتمدون على تلك المزارع ومحاصيلها لتأمين متطلبات عيشهم وتغطية ديونهم المتراكمة.

وقال مزارعون إن الحرائق الإسرائيلية، تندلع عادة في شهر يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، وبينوا أن حريق العام الماضي مثلا أحرق مساحة كبيرة من مزرعة خاصة، وأتت على أكثر من 130 شجرة حمضيات معمرة، تزيد أعمارها على 25 عاما تحولت إلى رماد، إضافة إلى خسائر المزرعة الأخرى التي شملت تلف أنابيب الري ومعدات وأجهزة زراعية أخرى تقدر قيمتها بـ20 ألف دينار.

كما أتت الحرائق على عدد كبير من أشجار الحمضيات التي يزيد عمرها على 20 عاما، وكميات كبيرة من أشجار الزيتون وأنابيب الري وتراكتورات ومعدات الحراثة والبيوت الزراعية البلاستيكية وأشجار حرجية ولوازم زراعية وآبار ري، بالإضافة إلى أضرار بيئية ناتجة عن تلويث الجو.

وبين مزارعون في المنطقة، أنهم تكبدوا خسائر كبيرة، مؤكدين أن إجراءات منع امتداد الحريق من الجانب الإسرائيلي لم تحد من تلك المشكلة الموسمية. وبينوا أن تلك الإجراءات اقتصرت على تنظيف مجرى النهر وجانبيه من الأعشاب الجافة وعمل خطوط ترابية.

ودعوا إلى دراسة رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل، لكنهم أعربوا في الوقت ذاته عن خشيتهم من أن تسجل القضية ضد مجهول، وبينوا أن عددا من المحامين، أكدوا لهم أن قضيتهم يجب أن ترفع في المحاكم الدولية، خصوصا أن لديهم شواهد وإثباتات بأن الحريق امتد إلى أراضيهم من الجانب الغربي من نهر الأردن.

وتتنوع أسباب الحرائق القادمة من الجانب الإسرائيلي، بين القنابل التنويرية التي يطلقها الجيش الإسرائيلي، وانفجار ألغام، وقيام الإسرائيليين بحرق أعشاب على الأسلاك الشائكة لمراقبة الحدود، لكن إسرائيل تزعم دائما أنها ناتجة عن ارتفاع درجات حرارة.

يشار إلى أن إحصاءات رسمية كشفت أن الحرائق الإسرائيلية في المناطق الحدودية طالت 1250 دونما بعد معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية عام 1994. وقدر عدد الأشجار التي احترقت منذ عام 1996 إلى عام 2009 نحو 3212 شجرة.