كاميرات صوتية لرصد مصادر الضجيج

توسع استخدامها في ألمانيا لمكافحة الضجيج وتشخيص مصادر الخلل في المحركات

TT

لا ينبغي أن ينظر الإنسان فقط إلى مخاطر التعرض المستمر للضجيج، الذي يصيب الإنسان بثقل السمع وأمراض القلب والدورة الدموية، هذا لأن للضجيج فوائده أيضا في الصناعة وفي وقاية الإنسان من الحوادث. فالضجيج يكشف عن مصادر الخلل في محركات السيارات، ويشخص وجود العطب في الأجهزة الكهربائية وينذر الإنسان مبكرا بوقوع الحوادث.

وهكذا، بعد أن شاعت أجهزة قياس الضجيج وبلوغها دقة لم يسبق للإنسان أن وصلها، جاء اليوم دور الكاميرات الصوتية التي تصور الضجيج وتكشف عن مصادره. وتخطط المدن الألمانية، وخصوصا العاصمة برلين، لإشاعة استخدام هذه الكاميرات لأغراض صحية تتعلق بشدة الضجيج في الشوارع، وتأثيرها على صحة البشر، ولأغراض علمية ترمي إلى كشف ومقارنة مختلف مصادر الضجيج ومناطق تركزها.

فالأذن البشرية قادرة على التقاط معظم موجات الضجيج وتحذر الإنسان منه، لكن هناك موجات صوتية لا يكشفها الإنسان في غمرة نشاطه اليومي رغم أنها خطرة على صحته. ويمكن للكاميرات الصوتية أن تعوض أذن الإنسان من خلال الصور الثلاثية الأبعاد، الملونة والفائقة الدقة في تصوير الضجيج. هذا يعني أن المدن الألمانية ستدشن عصر الكاميرات الصوتية بعد أن كانت البشرية قد شهدت إنتاج كاميرات التصوير في الظلام، وكاميرات الرصد الحراري وغيرها.

فيزيائيا يصدر الضجيج عن الحركة، وتنتقل موجاته عبر جزيئات الهواء القريبة من مصدر الصوت (الضجيج) مثل محرك السيارات أو إطاراتها. والكاميرات الصوتية تصور هذه الجزيئات وتظهرها بألوان مختلفة تشي بارتفاع الضجيج الذي تسببه. فالكاميرا تصور الأشياء بصور ثلاثية الأبعاد ويظهر فيها مصدر الضجيج الأساسي باللون الأحمر، تليه مناطق الضجيج الأقل بالبرتقالي، ثم بالتدريج، وحسب شدة الضجيج، وصولا إلى الأصفر والأخضر، وأخيرا إلى الأزرق الذي يؤشر إلى أقل ضجيج ينطلق عن الشيء الذي تم تصويره.

ويقول الباحثان الألمانيان درك دوبلر وجونار هايلمان، من جامعة برلين التقنية، إن الكاميرات الصوتية الأخيرة التي طوراها تلتقط للضجيج 192 ألف صورة في الثانية ثم تظهر الصور على شاشة الكومبيوتر. وكل كاميرا من هذه الكاميرات مزودة بميكرفونات منمنمة عددها 48 ميكرفونا تتولى التقاط الضجيج، وحتى «الهامس» منه، الذي لا تلتقطه الأذن البشرية.

واستخدم الباحثان الكاميرات (سمياها «مفتش الضجيج») في شوارع برلين للتأكد من كفاءتها ومدى الاستفادة منها. وظهر من الجولة في مختلف شوارع العاصمة الألمانية المزدحمة أن الكاميرات كانت تلتقط صورا لمصادر الضجيج المنفردة، وصورا جماعية تظهر كافة مصادر الضجيج، وتتيح بالتالي المقارنة بين ضجيج السيارة وضجيج الترام وضجيج الدراجة النارية وضجيج أعمال البناء قرب الرصيف. وبالتفاصيل فإنها أظهرت الفرق بين الضجيج الصادر عن محركات السيارات والضجيج الصادر عن احتكاك عجلاتها بالأسفلت. هذا يعني أنها تتيح الفرصة أمام موظفي دائرة البيئة للكشف عن مصادر الضجيج الحقيقية على الشوارع التي تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنها مسؤولة عن 2% من الجلطات القلبية في ألمانيا. وبالتالي فإن رسم الضجيج بالكاميرا يتيح وضع الخطط لتقليله في الشوارع. بل إن الباحثين استخدما الكاميرا الصوتية لرصد مصادر الضجيج الصادر عن احتكاك السيارة بالهواء أثناء سيرها.

المهم أيضا أنها خفيفة الوزن، قابلة للنقل بسهولة، ثم إنها قادرة على التقاط الصور الملونة للضجيج من بعد مئات الأمتار. وهكذا استخدمت أيضا لفحص كفاءة إجراءات خفض الضجيج على الطرقات السريعة، وقرب الجدران العازلة للصوت وفي رصد الضجيج الصادر عن الطيارات أثناء الهبوط والإقلاع.

ونجح «مفتش الضجيج» أيضا في تشخيص مصادر «الخرخشة» في محركات السيارة واختصر بالتالي وقتا كبيرا على مصلحي السيارات في الورش. الطريف في الأمر أن دائرة البيئة الاتحادية، وفي مسعاها للبحث عن سبل جديدة لتقليل شدة الضجيج على الطرقات السريعة، نشرت في اليوم العالمي ضد الضجيج (28 أبريل «نيسان») تقول إن الطيور المغردة في المدن الكبيرة صارت تعاني من فرط استخدام حناجرها بسبب محاولتها التفوق على ضوضاء المدن والشوارع. فالطيور المغردة صارت ترفع من تردد نغماتها باطراد خلال السنوات المــــــــــــــــاضية لرغبتها في إيصال موسيقاها الجميلة إلى آذان السامعين بالضد من الضجيج. وطبيعي فإن تأثير الضجيج الصحي الأساسي يطال البشـــــــــــــــر قبل الطيور.