ضجيج أعمال السعودية نوال الشريدة يتحدى عالم الصمت

ولدت صماء وحولت بيتها لـ«تحفة فنية».. ثم توجهت لتدريب الموهوبات على الفنون

نوال الشريدة تتوسط أعمال السيدات الصم في القسم الذي تقوم بالإشراف عليه («الشرق الأوسط»)
TT

يقال «الصمت أبلغ من الكلام أحيانا»، لكن السعودية نوال سعود الشريدة حولت الصمت إلى لغة ناطقة، حروفها الفن وكلماتها الإبداع، فـتلك الطفلة التي كان الصف الخامس الابتدائي هو آخر عهدها بعالم المدرسة و«المريول»، جاء قرار هجرها مقاعد الدراسة قاسيا، وهو قرار فرضته إعاقتها السمعية، حيث خرجت للحياة فوجدت نفسها صماء بكماء، لا تسمع ولا تتكلم، تتواصل مع الآخرين بحركات اليد عبر لغة الإشارة.

إلا أن نوال التي هي اليوم زوجة وأم في بداية الأربعين من عمرها، لم تقهرها الإعاقة، ولم يمنعها تواضع تعليمها من تفجير طاقتها الفنية، حيث علمت نفسها بنفسها، لتصبح فنانة ومصممة ديكور تتعامل مع المواقع بحسها وذائقتها، وهي اليوم تشغل وظيفة «مشرفة قسم الفنون» في المركز الثقافي النسائي للصم بمدينة الدمام، حيث تدرب وتشرف على إنتاج الموهوبات من الصم.

إذ لم تعزلها الإعاقة كما فعلت بالكثيرين من أمثالها، بل أصبحت كالوقود الذي يمدها بمساحة للإبداع الهادئ، بعيدا عن ضجيج الحياة، تماما كما تحدى الكثير من مشاهير العالم إعاقتهم وسجل التاريخ أسماءهم، مثل: عميد الأدب العربي طه حسين (كفيف)، والشاعر اليوناني الشهير هوميروس (كفيف)، والشاعر العباسي بشار بن برد (كفيف)، والموسيقار العالمي بيتهوفن (أصم).

والزائر لبيت نوال تلفت نظره غرابة المنزل الذي حولته إلى تحفة فنية يغلب عليها الطابع التراثي، ففي المطبخ كانت البداية، حيث شكلت منظرا فنيا بعد أن قامت بإزالة السيراميك بواسطة بعض المواد مثل الغراء الأبيض وأوراق الصحف والبودرة المستخدمة في الأعمال الجبسية. ثم عملت على تصميم أشكال تراثية على الأبواب، إلى جانب تزيين النوافذ الجانبية، فيما كان لديها عدد زائد من قطع السيراميك المختلفة قامت بتركيبها في زوايا غرفة المخزن، ومن ثم تلوينها بألوان متجانسة.

وتتذكر نوال ثريا كبيرة سقطت وتحطمت بعد 3 أسابيع من شرائها، مؤكدة أنها لم ترمها في سلة المهملات، بل صنعت منها أباجورات صغيرة كونتها من بقايا الثريا، فجاءت متجانسة كتشكيلة كاملة، في حين امتد ذلك لدورات المياه التي أخذت من نوال وقتا طويلا في إعادة تصميمها لتخرج بصورة مغايرة عن الطابع التقليدي.

إتمام نوال لتصاميم منزلها استغرق نحو سنة ونصف السنة، بعد ذلك بدأت في إعادة تصميم المركز الثقافي النسائي للصم الذي تعمل حاليا به، فعلى زاوية سلم المركز رسمت بابا من التراث، تضمنت خطوات صنعه إحضار قطعة من الخشب وعجينة خاصة للتشكيل وأعواد خشبية ودبابيس ومجموعة من الألوان لتلوين المجسم، ثم بدأت باستخدام الخشب والعجينة لتشكيل الباب، وبعدها قامت بتلوينه، وتم تثبيته على الجدار، وعمل عجينة من حوله وتلوينها.

على ضوء ذلك، قام المركز بالتعريف بالفنانة نوال الشريدة، وعرَض بعضا من أعمالها في حفل خاص للصم أقيم مطلع هذا الشهر، وأبهرت فيه الحاضرات اللائي صفقن بشدة إعجابا بالروح الفنية المميزة التي بعثتها هذه السيدة الصماء في أرجاء الأمكنة المختلفة، على اختلاف الخامات والألوان التي تستخدمها.

وعن كيفية تعلمها ذلك، توضح نوال لـ«الشرق الأوسط»، أنها اعتادت التدقيق في أي منظر جميل يستوقفها لتتخيل كيف تم تشكيله، ومن ثم تقوم بتخطيط وتنفيذ أعمال مقاربة له أو تستفيد من القطع التي شاهدتها في تصور تكوين آخر. وتابعت أنها تتوقف كثيرا عند منازل أقاربها وبعض المناظر في الأماكن العامة. وحول طموحاتها تؤكد - بابتسامة لا ترافق محياها - أنها راضية بما وصلت إليه الآن.

من جهتها، تقول سكرتيرة المركز الثقافي النسائي للصم شرق السعودية نورة القحطاني، عن نوال «هي مبدعة.. وبيتها متحف». في حين تؤكد مترجمة لغة الإشارة أروى الدوسري التي ساعدت «الشرق الأوسط» في التواصل مع نوال، أنها تمتلك حسا وذائقة فنية عالية تشد انتباه كل من يعرفها، إلى جانب صبرها على تعليم نفسها وتطوير إمكاناتها.