«حورس» أسطورة الخير.. يطل على أحفاده من معبده في مدينة إدفو جنوب مصر

بالصوت والضوء يروي قصة والديه إيزيس وأوزوريس بـ8 لغات

فرق الفنون الشعبية في رقصة تعبيرية أمام ساحة المعبد («الشرق الأوسط»)
TT

بعد صمت دام نحو 2247 سنة، روى حورس لأحفاده، ولأول مرة أسطورته، وصراعه الخالد من أجل انتصار الخير على الشر، أطل حورس من زوايا من معبده الذي حمل اسمه في مدينة إدفو شمال أسوان على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد 778 كيلومترا من القاهرة، والذي شيد في عهد بطليموس الثالث عشر، عام 237 قبل الميلاد واستغرق بناؤه 25 عاما، وفي مشهد تخيلي وقف حورس يتحدث على لسان الراوي من معبده مفتتحا العرض الأول للصوت والضوء الذي تم تزويد المعبد به، ليعد خامس مشروع في هذا السياق تنفذه الحكومة المصرية في المناطق الأثرية بعد (أهرامات الجيزة، ومعبد الكرنك في الأقصر، ومعبدي فيلة وأبو سمبل في أسوان) وذلك وسط ألف سائح انتظروا في فناء المعبد المفتوح ليسمعوا صوته في احتفالية أقيمت مؤخرا بمعبد إدفو بحضور الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار ومحافظ أسوان اللواء مصطفى السيد وصبري عبد العزيز، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والمهندس عصام عبد الهادي رئيس شركة مصر للصوت والضوء والسينما.

خرج حورس أمام الجميع بصوته بعد أن تم تسليط الضوء على تمثاله في الفناء الكبير ليحكي الفصل الأخير من قصة انتصار الخير على الشر ومعركته مع عمه ست التي غيرت الحياة في ربوع مصر، وكيف كان أبوه أوزوريس ملكا عادلا محبا للخير، علم شعبه الزراعة، وهو ما أثار حفيظة أخيه ست الذي قتله وقطعه 16 جزءا، ورماه في نهر النيل لينفرد بعرش مصر، وكيف استعانت الزوجة إيزيس بسحرها لإعادة الروح إلى زوجها لتلد ولدا أسمته حورس، الذي ربته في (أحراش الدلتا) سرا وتعاونت معها الآلهة، حتى شب وصار رجلا، بعدها عادت إيزيس بحورس إلى الوادي لتطالب ست بعرش أوزوريس الذي صار من حق ولده، ودار الكثير من المعارك بين حورس وست حتى انتصر حورس في النهاية.

ويسكت حورس عن الكلام، تاركا العرض على لسان عدد من الكهنة والرواة حسب تأكيدات المهندس عصام عبد الهادي رئيس شركة مصر للصوت والضوء والسينما (منفذ المشروع) الذي استعرض مراحل عرض برنامج الصوت والضوء بالمعبد، مشيرا إلى أنه يتكون من ثلاث مراحل يتم خلالها سرد قصة المعبد وتاريخ بنائه، وطقوس الكهنة.

قال عبد الهادي: إن المرحلة الأولى تبدأ في موقع التل الفرعوني بعد دخول المشاهدين المعبد من المدخل الشمالي، حيث يرى المشاهد منظورا للمعبد ويتابع مقدمة عن قصته وتاريخ بنائه، لتبدأ المرحلة الثانية من العرض بمصاحبة الموسيقى والأضواء، ثم الوصول إلى الأعمدة ذات التيجان النباتية المصطفة على ثلاثة من جوانبه، لعرض عناصر المعبد المعمارية الأخرى مثل الفناء والصالة التي يعلو سقفها فوق 12 عمودا ويزين مدخلها تمثالان من الغرانيت للإله حورس على شكل صقر، وتلي هذه الصالة صالة أخرى يقوم سقفها على 12 عمودا أيضا، ويضم المدخل حجرتين، كانت إحداهما مكتبة والأخرى لحفظ أدوات الطقوس الدينية، ويلي ذلك ردهتان، كانت الأولى تسمى قاعة المائدة على اعتبار أنها مخصصة لتقديم القرابين والأخرى تسمى استراحة الإله، وينتهي المعبد بقدس الأقداس الذي تحيط به 12 حجرة سجلت على جدرانها مناظر ونصوص دينية ويتابع المشاهدون في هذه المرحلة طقوس الكهنة التي تتم يوميا.

ويكمل عبد الهادي: «بعد انتهاء هذه المرحلة يغادر المشاهدون الفناء المكشوف في اتجاه فناء الصرح الكبير لمشاهدة المرحلة الثالثة، وفيها يتابع المشاهدون قصة المعبد والطقوس والآلهة بالصور الضخمة التي تغطي سطح البليون الكبير بجناحيه الأيمن والأيسر، مشيرا إلى استخدام مجموعة كبيرة من المعدات الفنية تستخدم لأول مرة في مصر لتعطي إبهارا مميزا».

ومن جانبه قال الباحث الأثري أسامة عبد الوارث لـ«الشرق الأوسط»: «إن المعبد يبلغ ارتفاعه 35 مترا، وتحيط به الأعمدة من ثلاثة جوانب، ويعتبر من أكمل المعابد المصرية ويحوي عددا هائلا من النصوص على جدرانه تحكي أسطورة الصراع بين حورس وست وكيف أن (حور بحددتي) الذي كان يمثل قرص الشمس المجنحة قد تغلب على ست وأعوانه، وقد تغنى بانتصاره كهنة إدفو ونساء أبو صير في الدلتا، وكانت تعبد معه حتحور سيدة دندرة التي اتخذها حورس زوجة له، كما اتخذ سماتاوي، الذي أطلق عليه حورس موحد القطرين، ولدا له فكون منهم ثالوث إدفو».

أضاف عبد الوارث أن أسطورة قرص الشمس المجنح سيطرت على جدران معبد إدفو، حيث جاء عنه «أن ملك الإله رع حوراختي رب المشرق كلفه بقهر الثوار الذين ثاروا ضده وعلى رأسهم المعبود ست وذلك أثناء إبحاره في بلاد النوبة عام 363 من حكمه، فقام بمطاردتهم من الجنوب إلى الشمال متخذا هيئة رجل برأس صقر أو شكل أسد برأس إنسان وقد هزمهم في عدة مواقع في النيل، خاصة دندرة والفيوم إلى أن تعقبهم في بلاد النوبة، وهناك تحول إلى شمس لها جناحان وقام بهزيمتهم، ففرح بذلك رع حوراختي وأمر بأن تكون هذه الشمس المجنحة في كل مكان بمصر العليا والسفلى».

وعن بداية فكرة إنشاء الصوت والضوء في معبد إدفو قال محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد لـ«الشرق الأوسط»: إن معظم الزائرين يأتون لزيارة معبد حورس وهم في طريق رحلتهم النيلية من الأقصر إلى أسوان، وتضطر الفنادق السياحية للمبيت على مرسى إدفو، تجنبا للإبحار ليلا لزيارة المعبد في الصباح، لذا جاءت الفكرة في إقامة مشروع للصوت والضوء يعمل ليلا ليضفي بريقا وروحا جديدة على الحضارة المصرية القديمة، وأضاف المحافظ أن المشروع يهدف إلى زيادة أعداد السائحين والمصريين والعرب والوصول إليهم أينما كانوا وتحقيق المزيد من الليالي السياحية لمنطقة صعيد مصر، ومن المقرر أن تكون عروض الصوت والضوء بـ8 لغات هي (الألمانية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية والروسية واليابانية والعربية) ومدة العرض 40 دقيقة، وتم عمل برنامج لاستقبال زوار المعبد، بدءا من نزولهم من الفنادق النيلية وحتى منطقة العرض في فسحة على نيل إدفو لمسافة 300 متر يبدأون بعدها معايشة مرحلة مهمة من تاريخ مصر والمنطقة.

وأكد محافظ أسوان أنه تم تطوير وتحديث معبد إدفو سواء في أسلوب العرض الأثري أو المتحفي وتطوير المدخل الجديد للمعبد، وتم تجهيز ساحة انتظار حضارية للسيارات وعربات الحنطور، وإنشاء بازارات جديدة وكافتيريا تتناسب مع أهمية الموقع الأثري. ومن جانبه أعلن وزير الاستثمار د، محمود محيي الدين عن رصد مبلغ 12 مليون جنيه لضم أراضي شمال معبد إدفو للبحث عن امتداد للمعبد، وافتتاح مشروع جديد للصوت والضوء بمعبد أبيدوس بمحافظة سوهاج الشهر المقبل، وإطلاق طابع بريد تذكاري بمناسبة افتتاح مشروع الصوت والضوء في معبد إدفو بالتعاون بين شركة مصر للصوت والضوء والهيئة القومية للبريد التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.