الشاعر عباس بيضون في العناية الفائقة بعد حادث سيارة

صدمة في الوسط الثقافي.. والأصدقاء يتبرعون بالدم

الشاعر عباس بيضون
TT

يرقد الشاعر والزميل عباس بيضون في مستشفى «الجامعة الأميركية» في قسم العناية المركزة، منذ مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد أن صدمته سيارة وهو يقطع الشارع في منطقة «الرينغ» في بيروت نحو الساعة العاشرة والنصف مساء، وأصيب بكسور بالغة. وإثر نقله إلى المستشفى في وضع حرج، أجريت للزميل عباس أكثر من عملية جراحية، وبقي في وضع صعب يوم أمس، ووصلت رسالة إلكترونية للأصدقاء تطلب من يشاركونه فئة دمه التوجه إلى المستشفى للتبرع. وتقاطر الأصدقاء والزملاء والمحبين لزيارته والاطمئنان عليه، بينما أصيب الجو الصحافي والثقافي في لبنان بالذهول لهذا الحادث الذي ألم برجل له حضوره القوي، ومكانته الفكرية والمعنوية، سواء من خلال إدارته للصفحات الثقافية في جريدة «السفير»، أو من خلال كتاباته ومتابعاته الحاذقة، هذا عدا دوره الكبير كشاعر عربي معروف ونشط، وحاضر في الأمسيات والمؤتمرات والمحاضرات، ليس بشعره الجميل وفكره النير فقط، وإنما أيضا بروحه المرحة وحبه للفكاهة.

وبتعرض الزميل والصديق عباس بيضون لهذا الحادث الأليم على الطريق، الذي بات يتكرر في لبنان، بشكل لافت، ارتسم تساؤل كبير بالأمس حول مدى قدرة الدولة اللبنانية على تأمين حياة المشاة وحتى راكبي السيارات مع كثافة عدد حوادث السير على اختلاف أشكالها.

عباس بيضون من مواليد عام 1945، من قرية شحور في صور، التي تلقى فيها دراسته الأولى والتكميلية، قبل أن يتوجه إلى مصر لينال التوجيهية، ومن بعدها إلى باريس ليحصل على دبلوم في الأدب العربي. انخرط في عدد من الأحزاب اليسارية في مطلع شبابه، لا بل بدأ البحث عن هويته السياسية منذ كان في الثالثة عشرة، وتنقل بن الأحزاب اليسارية. سجن مرتين: مرة في السجون اللبنانية في الستينات، ومرة أخرى سجنته إسرائيل. عمل مدرسا في عدد من المدارس اللبنانية، لكنه وجد نفسه في الصحافة وتنقل بين «الشروق» و«الخليج» و«الاتحاد» و«الحياة» و«النهار»، ثم عين مسؤولا عن القسم الثقافي في جريدة «السفير» منذ عام 1997. وللشاعر عباس بيضون نحو 13 مجموعة شعرية، صدر أولها عام 1982 تحت عنوان «الوقت بجرعات كبيرة» وكرت السبحة، لكن عباس بيضون بحسه التجريبي لم يكن ليقنع ربما بالشعر وحده فكتب رواية حملت عنوان «تحليل دم»، وله كتابات مهمة في النقد الشعري وإن كان لم يطرح نفسه ناقدا محترفا. صحيح أن عباس بيضون هو شاعر بالدرجة الأولى ترجمت دواوينه إلى عدة لغات أجنبية، وهو معروف عربيا، وفي الأوساط الشعرية الأوروبية بهذه الصفة، لكنه في لبنان يمثل جيلا من المثقفين أصحاب البنى الفكرية المتينة والمتزنة. وهو بالنسبة إلى قرائه اللبنانيين، لا تقل مقالاته التي تتدفق على صفحات جريدة «السفير» - وجمع بعضها في كتاب حمل عنوان «ربما، قليلا، على الأرجح» - أهمية عن شعره، لما تتركه من صدى لدى متابعيها.

حزن عباس بيضون على محمد عفيفي مطر، وعلى رحيل نصر حامد أبو زيد، فهو محب، دمث، رقيق، يتحاشى أن يجرح أو يزعج. ولا بد أن السيارة المتوحشة التي صدمت هذا الشاعر الرقيق أصابته بقسوة ليس فقط في جسده الغض، وإنما أيضا في روحه الشفافة والعذبة.