«مونيه والتجريد» في متحف مارموتان الباريسي

مونيه الانطباعي يخرج حدائقه الملونة إلى الضوء بجانب التجريديين

مونيه
TT

بين كلود مونيه الرسام الانطباعي الفرنسي الشهير والتجريد أكثر من قصة. هي قصة الألوان التي أخرجها مونيه من حديقته إلى الضوء، أزهار الزنبق الهشة التي أبرزها بواقعية تجاوزت حدود الحقيقة نفسها. مونيه الذي لم يترك الريشة في حياته، وعاش الشهرة، في ذلك الوقت أكثر من غيره من الفنانين مثل فان غوخ وإدغار ديغا وبول غوغان وإدوارد مانيه. لوحات هذا الرسام الفريد من نوعه، هي اليوم معروضة إلى جانب عدد من رواد الرسم التجريدي في متحف مارموتان في باريس بالتعاون مع متحفي تايسن وكاجا المدريديين.

قد يكون من الصعب حقا المزاوجة على جدار واحد بين لوحات مونيه الواقعية ولوحات التجريديين. لكن المسألة ليست هنا، أي ليست في خلق مزاوجة بين نمطين مختلفين كليا في توجههما إلى العالم إلى المتلقي. بل هي مزاوجة بين تقنيتين لا تبخل واحدة منهما على الأخرى. هنا، نلمس فضل مونيه على تقنيات الفن التشكيلي الحديث، على الأنماط والمدارس المختلفة، حتى تلك التي برزت بعد رحيله بسنوات. مونيه أغدق كل وقته للفن، عاش له ومنه، وعلى الأرجح هذا ما جعله يبرز كواحد من أعظم الفنانين في عصور الفن التشكيلي كافة. ليس وحده بالتأكيد الأب الحقيقي للانطباعية، لكنه أحد آبائها المتأصلين من دون شك.

متحف مارموتان الباريسي الذي يملك مجموعة لا بأس بها من لوحات مونيه (1840 - 1926)، أي يملك كنزا فريدا من أعمال هذا الفنان ينظم هذا المعرض، لا ليبرز هذه الأعمال فقط، أعمال تقدر قيمتها بمئات الملايين. بل وفقط لإبراز الحجم الهائل من تقنيات التعبير اللونية التي كان له الفضل في التأسيس لها. المعرض هو تمثيل لأعمال مونيه التي أثرت في جيل كامل من الفنانين على مستوى العالم. نجد لوحات كاندينسكي كليفورد ستيل غيرهارد ريشتر جان بول ريوبل جاكسون بولوك مارك توباي.. ونجد أيضا لوحات مونيه وهي تجاور لوحات أندريه ماسون والصيني زاو ووكي وآخرين. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن وجود لوحات هؤلاء لا تستحق مجاورة لوحات مونيه. كل فنان من هؤلاء له تاريخه وقدراته ومكانته في هذا العالم السحري. هي فقط محاكاة بين تقنيات التعبير اللوني بين كل هؤلاء، الأحياء منهم والأموات، وأعمال مونيه التي تختزن التقنيات الفريدة في عصرها.

والحق، أن لهذا المعرض ميزة أخرى، غير هذه الميزة التقنية التي ربما لا تهم سوى أصحاب الاختصاص والمشتغلين على دراسة الفن ومدارسه ومذاهبه. ميزة لا تتوفر في أي معرض ربما حول العالم. هي موجهة لعشاق زيارة المعارض التشكيلية ومحبي الفن التشكيلي، إن المقيمين منهم في العاصمة الفرنسية أو زوارها من أنحاء الكوكب كافة. وهي وجود هذه الكوكبة من الفنانين المعروفين على مستوى العالم في قاعة واحدة. إذ يندر، حقا، أن نجدهم معا في مكان. هذا وحده أمر يستحق التأمل والزيارة. أما ما عدا ذلك من تقنيات، وإن كانت مهمة، فهي تبقى أسيرة نظرة المؤرخين والنقاد وغيرهم.