الأميرة «بيضاء الثلج» ترقص وتنتصر للحياة في «قصر بيت الدين»

باليه فرنسي بنكهة عصرية يعيد المتفرجين إلى زمن الرومانسية

بيضاء الثلج محمولة من الأقزام السبعة (تصوير: فارس شبابي)
TT

كان رواد «مهرجانات بيت الدين» على موعد مع الرومانسية أول من أمس. رقصت بيضاء الثلج مع حبيبها في قصر الأمير بشير التاريخي، وتعانقا حبا وعشقا، وطاردتهما الساحرة الشريرة، التي تريد أن تتخلص من الأميرة الجميلة غيرة وحقدا. وسعى الأقزام السبعة لحماية الأميرة النائمة بعد أن تمكنت الساحرة من أن تدس لها السم. كل هذا في أجواء حالمة، على أنغام موسيقى غوستاف مالير، وخطوات البالية الأثيرية التي وضعها المصمم الفرنسي أنجلين بريلجوكاج، بينما بدت روعة الملابس الخارجة من مخيلة جان بول غوتيه طاغية وخلابة.

رغم أن المفاجآت ليست كثيرة عادة مع الأعمال الكلاسيكية، فإن النكهة العصرية لهذا الباليه والمشهديات الجمالية، خصوصا في النصف الثاني منه، أخرجته من تقليديته. 26 راقصا أدوا اللوحات التي اكتسبت شفافية عالية بسبب خفة المؤدين. لوحة الأقزام السبعة العاملين في المنجم استغلت بمهارة، فكان بمقدور المتفرج أن يكون أمام حائط ضخم وكأنه وجه مغارة كثيرة الثقوب منحوتة في الصخر، بينما يرقص الأقزام صعودا وهبوطا وسيرا على الحائط في كل الاتجاهات بعد أن ربطوا بحبال تسهل مهمتهم. مفاصل كثيرة في قصة «بيضاء الثلج» الشهيرة، الألمانية الأصل، التي لا تزال تفتق خيال المبدعين، تم استغلالها مسرحيا وجماليا. هناك مثلا حوار الساحرة الشريرة مع المرآة، حين تسألها في كل مرة إن كانت هي أجمل نساء العالم. المرآة تحضر إلى المسرح في إطار ضخم، ونرى الساحرة مزدوجة وهي تتحرك داخلها وعلى أرض المسرح. لكن حين تقول المرآة للساحرة إن ثمة من هي أجمل منها، بعد أن تستفيق الأميرة النائمة من سباتها، عندها تستغل هذه المرآة الضخمة لنرى وكأنما داخل إطارها الذهبي لوحة زيتية بديعة من القرن الثامن عشر، لكنها متحركة. وفي داخل هذا الإطار على خلفية سوداء داكنة تتحرك الأميرة بلباسها الناصع وحولها الأقزام، في رقص تعبيري، تحار إن كنت أمام لوحة لرسام أم فيلم آتٍ من قلب التاريخ.

من مفاصل القصة التي تم توظيفها بعناية أيضا، لحظة تمكن الساحرة الشريرة من تسميم الأميرة، إذ يتم تمديدها على سرير وحولها الأقزام، ثم يأتي الأمير ويقف حائرا في ما يمكن أن يصنع لحبيبته، وسرعان ما يستنهضها، ويأخذ يراقصها وهي نائمة. وصلة تستحق المشاهدة لما لهذين الراقصين من طواعية جسدية، وليونة حركية ومهارة.

«بيضاء الثلج» التي شغلت السينمائيين والتلفزيونيين والمسرحيين، كما شغلت المحللين النفسيين، والراقصين، بدت هذه المرة في حلة جديدة، بسبب حرص المصمم بريلجوكاج على أن يصبغها بلمساته الخاصة. وفي كل مرة كان يظن المتفرج أن الحكاية ستنتهي هنا، كان مشهدا جديدا يعود وينبجس فجأة. فلم يتوقف الأمر عند استيقاظ الأميرة ورقصها الممتع مع الأمير فرحا باستعادتها الحياة، وعودتهما المظفرة إلى القصر. كان لا بد في نهاية الأمر من استحضار الساحرة الشريرة والتخلص منها بالبخور والنار، لكن الساحرة لا تموت وإنما تقفز كالعفريتة على وقع موسيقى صاخبة، ومع حركات مجنونة، بعد أن نكشت شعرها الأشقر الطويل وتخلصت من عباءتها السوداء.

الفانتازيا لعبت دورها، والحركات العصرية التي أدخلت على هذا الباليه كالديكورات المبتكرة على بساطتها، والاشتغال المتقن على الإضاءة، كل هذا جعل حكاية «بيضاء الثلج» نضرة، رغم أن المتفرجين شاهدوها تكرارا قبل ذلك، مصورة في كتب، أو في أفلام للرسوم المتحركة، إلا أن المسرح له سحره، وهو ما راهن عليه المصمم الفرنسي أنجلين بريلجوكاج ونجح، ونال عمله هذا جائزة «غلوب دو كريستال» عام 2009.