جان كوكتو.. العبقري الفرنسي الذي ما زال يشغل الناس بجنونه

متحف له قرب باريس.. ومزاد على رسومه في لندن قريبا

الكنيسة التي يرقد فيها الرسام والشاعر («الشرق الأوسط»)
TT

بعد أكثر من أربعة عقود على رحيله، ما زال الشاعر والفنان الفرنسي جان كوكتو يشغل الفضاء الثقافي بفضل ما عرف عنه من مواهب متعددة تراوحت بين الرسم والتصميم والكتابة المسرحية والإخراج السينمائي. ولا يحمل الصيف الباريسي، وحده، بصمة كوكتو بعد افتتاح متحف له، بل سرت «العدوى» إلى لندن التي تحتضن، قريبا، مزادا لبيع نحو من 1200 رسم ولوحة وتخطيط أصلي من مخلفات الرجل الضئيل القامة الذي تم انتخابه عضوا في الأكاديمية الفرنسية، عام 1955، وسعى عمالقة زمانه إلى صداقته.

هذه الأعمال هي جزء من مقتنيات سيفران ووندرمان، رجل الأعمال وتاجر الساعات السويسري الذي كان من كبار هواة وجامعي الآثار الفنية التي يحتفظ بمجموعاته منها في قصره الواقع في مدينة نيس، جنوب فرنسا. وبعد وفاته، قبل عامين، متأثرا بسكتة دماغية، كلف ورثته دار «بونهامز» في العاصمة البريطانية بتنظيم مزاد علني على جانب من مقتنياته، وتحدد موعد له في 23 سبتمبر (أيلول) المقبل.

قبل أسابيع، وفي بلدة «ميلي لافوريه» الواقعة على مسافة 50 كيلومترا إلى الجنوب من باريس، احتفل محبو كوكتو بفتح أبواب متحف يحمل اسمه في آخر بيت أقام فيه ودفن قرب الكنيسة الصغيرة للبلدة. وما إن انتشر الخبر، حتى راحت مجاميع الزوار تتوافد على المنزل الذي كان بناء مهدما، لكن الشاعر أحبه من النظرة الأولى واشتراه عام 1947 وقام بترميمه والإقامة فيه مع رفيقه الممثل جان ماريه، وكتب فيما بعد أن هذا البيت كان في انتظاره، وهو سيجعل منه ملجأه البعيد عن صخب المدينة. وبعد انطفاء كوكتو، عرفت يد الإهمال طريقها إلى المنزل، مجددا، إلى أن التفت إليه رجل الأعمال بيير بيرجيه، عام 2002، واشتراه بالتعاون مع بلدية المنطقة لكي يجعل منه «متحفا وموطنا للذاكرة».

يرى الزائر، في الطابق الأرضي من المتحف، الصالة التي كان فيها صاحب المنزل يستقبل أصدقاءه الكثيرين. أما الطابق العلوي ففيه مخدعه ومكتبه، وقد جرى ترميمهما وإعادتهما إلى ما كانا عليه قبل أكثر من نصف قرن من الزمان. وتمت إزالة بعض الجدران لفتح مساحة أوسع لعرض الصور واللوحات والتخطيطات التي كان كوكتو دءوبا على تحبيرها في كل لحظة من لحظات فراغه وتأملاته. وسيكون مدير متحف «جورج بومبيدو» الباريسي للفن الحديث مشرفا على تنظيم معارض دورية في هذا المكان الحميم والعابق بالذكريات. لكن الزيارة لا تكتمل دون المرور بكنيسة «سان بليز» القريبة التي رسم كوكتو كامل الكهف المقوس المحيط بمذبحها وحول كآبتها إلى حديقة غناء تطوف فيها الحوريات. وفي تلك الكنيسة، يرقد جثمان الفنان منذ عام 1963.

وعودة إلى تفاصيل المزاد الذي سيقام في حي نايتسبريدغ في لندن، فووندرمان، أبو ساعات اليد الشهيرة من نوع «غوتشي»، دأب عاما بعد عام على جمع لوحات كوكتو ورسومه المنفذة بألوان الباستيل وتخطيطاته وأعماله الخزفية وتوزيعها في أرجاء قصره التاريخي. وكان الساعاتي السويسري العاشق للفن مسحورا بشخصية كوكتو ذات التلاوين المتعددة بحيث أنه اقتنى، وهو دون العشرين من العمر، أول لوحة أصلية من أعماله. ولأن طبع كوكتو كان ينطوي على شيء من الجنون، مثل العديد من العباقرة، فكان، على سبيل المثال، يجد متعته في تناول عشائه جالسا على كرسي له هيئة هيكل عظمي، فقد قلده ووندرمان في صنع كرسي مشابه، متبنيا فلسفة الشاعر والرسام الفرنسي الذي كان يجد في تلك الجلسة نوعا من التآلف مع الموت الآتي، ذات يوم.

في قصره المؤلف من 12 حجرة، خصص ووندرمان واحدة جعل منها صومعة لإبداعات جان كوكتو الذي كان يمثل، في نظر الكثيرين، الريادة والابتكار، وفرش جدرانها وأرضيتها وسقفها بالمئات من تخطيطاته ورسومه. وهي ستأخذ طريقها إلى المزاد العلني، في لندن، وبينها لوحات رسمها الفنان لنفسه، وكذلك لوحة «المهرج ذو الطاقية الحمراء»، وصورة (بورتريه) لبيكاسو كما رآه كوكتو. وإذا كان من المتعذر التكهن بالمبلغ الذي سيجمعه المزاد، فإن من المفيد الإشارة إلى أن مزادا مماثلا لمقتنيات الممثل الراحل جان ماريه، رفيق حياة كوكتو، كان قد جرى تنظيمه في باريس، العام الماضي، حصد مليوني يورو. أما ريع مزاد لندن فمن المقرر أن يذهب لصالح الأبحاث الطبية.