«قناة التلفزيون العربي».. تنعش حنين المصريين إلى الماضي

رئيس التلفزيون المصري أسامة الشيخ: ندرس إمكانية استمرارها بناء على رغبة الجماهير وللتواصل بين الأجيال

مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

فجأة استيقظ المصريون على زمن الحلم العربي، والثورة، وعبد الناصر، والقومية العربية، والأغاني الوطنية الخالدة التي لا تزال تعيش في حناجرهم ووجدانهم تبثها قناة تلفزيونية وليدة أطلقها التلفزيون المصري بمناسبة احتفاله بيوبيله الذهبي. ولم تمض سوى ساعات حتى أصبحت القناة حديث الناس في الشوارع وعلى المقاهي وفي البيوت.. حوارات جريئة وعميقة في الفن والسينما والمسرح والثقافة، مسرحيات ومسلسلات، شهدت ميلاد كثير من النجوم، خطب سياسية وحماسية، دخلت في نسيج التاريخ المصري، كوثائق حية على لحظات المجد والانكسار.

عمر القناة الوليدة لن يتعدى الأسابيع الثلاثة بحسب تصريحات المسؤولين في التلفزيون المصري، لكن ثمة مطالبات كثيرة من المشاهدين باستمرارها فترة أطول حتى تتمكن الأجيال الجديدة من متابعة هذا التراث الكبير الذي شكل منعطفا حضاريا في تاريخ الوجدان المصري والعربي، كما طالب كثير من الكتاب بضرورة وجود هيكل إداري للقناة وتسويقها بشكل جيد يضمن لها البقاء والاستمرار.

انطلقت القناة في الساعة السابعة من مساء يوم 21 يوليو (تموز) باسم «قناة التلفزيون العربي» وفي نطاق 8 ساعات إرسال يوميا، وهو اليوم والتوقيت نفسه الذي بدأ فيه بث التلفزيون المصري عام 1961، وعقب البث تمت إذاعة مواد نادرة من التراث التلفزيوني وكلها مواد «أبيض وأسود» تضمنت مجموعة من الحوارات لكبار المذيعين: ليلى رستم، وطارق حبيب، وسلوى حجازي، وأماني ناشد، وأحمد فراج وغيرهم، ومجموعة أخرى من المسلسلات العربية القديمة بمشاركة عمالقة التمثيل والتأليف والإخراج، ومن المواد النادرة التي بدأت القناة في بثها فيلم تسجيلي عن نشأة التلفزيون المصري، وخطاب للرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1963 في الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة، وكلمة أخرى للرئيس جمال عبد الناصر في ذكري ثورة يوليو (تموز) 1952، وحفل عيد الثورة الذي حضره الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات وأحيته أم كلثوم، وبرامج: «سينما القاهرة» من تقديم ميرفت أمين، و«نجم وسهرة» من تقديم المخرج يوسف شاهين، و«كاميرا 9» من تقديم نجوى إبراهيم، و«لقاء مفتوح» من تقديم همت مصطفى، وإسكتشات من تقديم ثلاثي أضواء المسرح، وبرنامج «من الألف إلى الياء» من تقديم طارق حبيب، و«نجمك المفضل» من تقديم الإعلامية ليلى رستم، و«النادي الدولي» من تقديم سمير صبري، و«لقاء المشاهير» من تقديم وجدي قنديل، و«مع النجوم» من تقديم فريدة الزمر، و«ذكرى» من تقديم أماني ناشد.

ومن الفقرات النادرة التي بثتها القناة جلسة صلح جمعت بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، ولقاء الإعلامية همت مصطفى مع الرئيس المصري محمد أنور السادات، ولقاء جمع بين نزار قباني وعبد الحليم حافظ، وآخر جمع بين عمر الشريف وداليدا، ولقاء مع أم كلثوم أجرته الإعلامية سلوى حجازي، ومن بين هذه المواد أيضا مباراة كرة القدم التاريخية بين منتخب الأهلي والزمالك أمام فريق توتنهام الإنجليزي، وفوازير «صورة وفزورة» من تقديم نيللي، ومسلسلات «عادات وتقاليد» بطولة عقيلة راتب وليلى طاهر، و«الحائرة» بطولة سهير رمزي وعمر خورشيد، و«الساقية» للكاتب عبد المنعم الصاوي، وفيلم تسجيلي بطولة عبد الله غيث، وأوبريت «صوت الجماهير»، وحفل لنادي الرماية من تقديم فريد شوقي وتحية كاريوكا ومحمد رشدي، وحوارات لميرفت أمين مع تحية كاريوكا وسعاد حسني، وأماني ناشد مع فاتن حمامة، ومفيد فوزي مع نجيب محفوظ، ووجدي قنديل مع نادية لطفي. عدد كبير من المشاهدين أكدوا في اتصالات هاتفية لـ«الشرق الأوسط» حرصهم على مشاهدة القناة لأنها تذكرهم بالزمن الجميل وتعيدهم إلى روح الماضي، مطالبين بضرورة استمرارها على مدار العام، وبقائها في رمضان للتعرف على شهر رمضان زمان، وعرض تراث التلفزيون المصري كاملا حتى ترى الأجيال الجديدة روعه الماضي.

رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أسامة الشيخ أكد لـ«الشرق الأوسط» على أن قناة «التلفزيون العربي» سوف تتوقف عن البث مع بداية شهر رمضان، وخلال شهر رمضان سيتم عمل الدراسات اللازمة لإمكانية استمرار القناة بعد ذلك بناء على رغبات كثير من المشاهدين المصريين والعرب، منوها بأن مكتبة التلفزيون مليئة بالأعمال التي تكفي لاستمرار القناة. وقال الشيخ إن «هدف اتحاد الإذاعة والتلفزيون من وراء القناة الجديدة هو بث التراث المصري النادر؛ سواء الإنتاج الدرامي أو الغنائي أو الاستعراضي، حتى تتمكن من مشاهدته الأجيال التي لم تعاصره، بالإضافة إلى عرض اللقاءات التلفزيونية التي أجراها قسم الإعلام المرئي بالتلفزيون، إلى جانب الأغنيات المصورة لنجوم زمن الفن الجميل الذين أثروا الفن المصري والعربي وتمتلك مكتبات التلفزيون المصري أكبر رصيد من أعمالهم الثمينة».

وأشار الدكتور محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إلى أن القناة تعد خطوة جيدة في إطار الاحتفال بمرور 50 عاما على انطلاق التلفزيون المصري، وأنها أنعشت ذاكرة المصريين بكثير من الأحداث والشخصيات التي لعبت دورا مهما في تاريخنا السياسي والفني والثقافي خلال الستينات من تاريخ مصر، ووضعت المشاهد في الأجواء التي سيطرت على هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ مصر والأمة العربية، وكشفت القناة من ناحية أخرى، الدور «التعبوي» الذي كان يلعبه التلفزيون في ذلك الوقت بهدف إقناع الرأي العام المصري بالخطوط العريضة والتفاصيل المختلفة عن نظام حكم عبد الناصر آنذاك. فالقناة من خلال ما عرضته من برامج وأغان ودراما وأفلام تسجيلية وأخبار كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن التلفزيون المصري منذ نشأته كان ابنا شرعيا لنظام الحكم وتم توظيفه لتعبئة الجماهير، كما كشف كثير من البرامج التي بثها التلفزيون عن تلك المرحلة عن فكر تنويري، من خلال الحوارات التي كانت تجري مع نجوم الفكر والأدب في مصر حينذاك.

وقال خليل إن «أي قناة تبدأ لكي تستمر ولا تبدأ لكي تتوقف بعد 3 أسابيع، وإلا كان من الأولى عدم بثها من الأساس أو بثها على إحدى القنوات المتخصصة أو الفضائية المصرية».

وطالب خليل بإصلاح الكم الكبير من الشرائط الموجود في التلفزيون المصري التي تعد شاهدا على فترة مهمة من تاريخنا، وإفساح المجال لاستمرار هذه القناة من خلال شكل وهيكل إداري واضح المعالم خاصة في ظل ظهور كثير من القنوات العربية التي ترتكز على عرض هذا التراث التلفزيوني والسينمائي الضخم الذي بيع جزء منه في ظروف مريبة، فلا أقل من أن يبادر التلفزيون الآن إلى حماية المتبقي من هذه الثروة مع إتاحة الفرصة للمشاهد لكي يطالع هذه الصفحة من تاريخ الإعلام المصري خاصة الأجيال الجديدة، وتوفير جميع الإمكانيات لاستمرارها.

وحذر خليل من وقوف التكلفة الضخمة لإصلاح وترميم الشرائط عائقا أمام استمرار القناة، وذلك حسب تصريحات المسؤولين بالتلفزيون المصري.

وقال عميد كلية الإعلام في جامعة 6 أكتوبر المصرية الدكتور شعبان شمس إن «المواد التراثية والأغاني القديمة الموجودة في التلفزيون المصري تكفي لاستمرار القناة 20 عاما، بشرط الاهتمام بتسويق القناة بشكل جيد لتغطية تكاليف إدارتها وإمكانية شراء مواد تراثية جديدة قد لا تكون موجودة في مكتبة التلفزيون، وأن يتم إعادة بث هذه المواد والفقرات بشكل يومي، ولكن مع تعديل بسيط في أسلوب العرض وليس في مضمون العمل».

وأضاف شمس أن «القناة الجديدة أعادت التلفزيون إلى مسماه الأصلي وهو (التلفزيون العربي) الذي ظهر عام 1961، وظل هذا المصطلح قائما حتى أوائل الثمانينات»، وأشار إلى «أننا أصبحنا الآن في أمس حاجة لأن يعود الوطن العربي نسيجا واحدا، كما أن شباب الأمة العربية محتاج إلى أن يتعرف على علاقة مصر بالشعوب العربية».

وطالب شمس «بإذاعة الحفلات واللقاءات التي كان يبثها التلفزيون من تونس والكويت والسعودية، وتعريف الأجيال الجديدة بالمذيعين الذين حملوا على عاتقهم نشأة التلفزيون، إلى جانب اللقاءات والحوارات النادرة لكبار مفكرينا».