البطل «زورو» يمتشق سيفه ويتسلق الحبال ويعتلي الجدران.. في قصر «بيت الدين»

مسرحية غنائية فرنسية بنكهة «الأكشن» الأميركي

مشهد من عرض زورو في بيت الدين
TT

اللبنانيون على موعد يومي مع «زورو»، بدءا من مساء الثلاثاء الماضي، وحتى مساء اليوم الجمعة. يطل هذا البطل المخلّص، كل ليلة على مسرح قصر «بيت الدين» التاريخي، ممتشقا سيفه، لابسا قناعه، يتسلق الحبال، يعتلي الجدران ويتنقل من مبنى إلى آخر فوق رؤوس المتفرجين، لينقذ حبيبته لويزا وبقية أهالي كاليفورنيا من بطش أخيه غير الشقيق «رامون».

مسرحية غنائية تختلط فيها الرومانسية بالحكايات البطولية، والغناء بالرقص وبروائح الدسائس. هذا «الميوزيكال» الإنجليزي الأصل، مأخوذ عن نص رواية إيزابيل أليندي الصادرة عام 2005 وهي من إخراج كريستوفر رانشو، وحازت في نسختها الإنجليزية جائزة «لورنس أوليفيي» لـ«أفضل مسرحية موسيقية»، ونقلت إلى الفرنسية عام 2009 لتقدم على مسرح «ليه فولي برجير» الشهير في باريس وتلقى ترحيبا واسعا.

جلست الفرقة الموسيقية على جانبي المسرح في «بيت الدين»، وعزفت، بينما كان المؤدون يقدمون أغنياتهم بحيوية ويرقصون على أنغام اختلطت فيها إيقاعات الفلامنكو مع ألحان أميركا اللاتينية، بالوداعة الفرنسية. الأحداث تنقلنا من كاليفورنيا إلى إسبانيا، ومن ثم إلى كاليفورنيا مرة أخرى. ها هو الشاب دييغو دي لا فيغا البالغ من العمر 16 عاما، ابن حاكم كاليفورنيا في القرن التاسع عشر - عندما كانت الولاية لا تزال تحت الحكم الإسباني - يرسله والده إلى «الأكاديمية العسكرية» في برشلونة، ليتعلم أصول النبل وفنون القتال. هناك يلتقي دييغو بفرقة غجرية تجوب الساحات غناء ورقصا ويتعرف إلى الفاتنة إيناس، ثم تباغته حبيبته الكاليفورنية لويزا التي جاءت تبحث عنه وتخبره بنبأ وفاة والده في حادث، وتولي أخيه الأكبر رامون حكم الولاية والبطش بأهلها.

ولا بد كي يبقى الرقص الغجري حاضرا والموسيقى الإسبانية هادرة، أن تقرر الفرقة الغجرية الانتقال مع دييغو ولويزا إلى كاليفورنيا لمساندتهما في مهمتهما الصعبة. وهناك يصطدم الجميع بتعنت رامون ودكتاتوريته. ويحتاط دييغو للأمر، فيظهر في شخصيتين إحداهما مكشوفة جلية الملامح هي شخصية دييغو (الأخ) الذي بات ناعما بل أقرب إلى الأنثوية الصادمة، والأخرى شخصية المقنع زورو الذي يظهر ويختفي، في اللحظات الحرجة بسرعة البرق، من دون أن يعرف أحد له هوية باستثناء بعض أعضاء الفرقة الغجرية لا سيما فاتنتها إيناس. ها هو زورو يهبط من طابق علوي إلى الساحة التي تتهيأ لإعدام اثنين من الأبرياء بأمر من رامون. زورو أيضا يحط في الكنيسة ليغير مجرى الأحداث، ثم إنه ينبجس لأخيه رامون وهو في غرفته، ليشعره بقوته وسطوته، يحط أيضا أمام حبيبته وهي في الحمام، أو في مخبئها الذي لاذت إليه فرارا من عسف رامون. باختصار، زورو في كل مكان، يتعرض أهله للظلم على يد أخيه رامون، لينقذ المقهورين، ورامون لا يكل من مطاردة زورو لكشف هويته الخفية.

كل حدث يكاد يكون ذريعة لنسمع أغنية، أو يقود الممثلين إلى رقصة جديدة، من تلك الرقصات الجميلة التي صممها الإسباني رافاييل أمارغو، وهم يتخايلون بالأزياء البديعة ذات الألوان الصارخة المصممة على يد توم بيبر من شركة «شكسبير الملكية». ثمة حرص أيضا على أن يرافق الراقصين والمغنين في كثير من المشاهد عازفون على المسرح يصاحبون بآلاتهم الأوركسترا القابعة جانبا، لإضفاء مزيد من الحيوية على المشاهد.

هناك جانب درامي في هذا العمل الغنائي المسرحي الراقص، فاكتشاف دييغو أن والده لا يزال حيا وأن رامون حبسه في خندق ما، ثم القبض على دييغو وإلحاقه بوالده وتهديده بالموت، هي أمور، تصعب مزاوجتها مع الروح الترفيهية للعمل، لكن ذلك كله يتم مزجه بفضل النكهة الفكاهية للحوارات، والحرص على إبقاء المتفرج مندمجا في الأجواء الموسيقية الصاخبة. أغنيات شهيرة مثل «Bamboleo» و«DjobiDjoba» مع توزيع جديد، تجعل المتفرج يشعر بألفة ورغبة ليس بالتصفيق مع المغنين فقط وإنما الرقص أيضا.

مسرحية نابضة وحيوية. فالديكور الذي يتألف من مبان ذات ثلاث طبقات تتوسطها الساحة التي تجري فيها غالبية الأحداث، سمحت للممثلين باستخدام المسرح عموديا، والاستفادة من قناطر قصر «بيت الدين» كخلفية جمالية، أضفت رونقا على المشاهد. الممرات بين المقاعد استغلها المغنون ليؤدوا إحدى مقطوعاتهم الغنائية الغجرية بين الناس، ومن دون معونة أي ميكروفون.

زورو الساعي أبدا إلى الحرية، ومساندة المظلومين، يبقى يطارد أخاه من مكان إلى آخر، ليعرف سر اختفاء والده. وعندما يتم القبض على زورو، ويظن المتفرج أن الأسطورة قد انتهت، ويغني زورو معلنا انتهاء حكايته الشجاعة، يعود الأمل من جديد، ويفك أسر زورو ووالده لتنشب معركة بالسيوف على الطريقة الأميركية بين الأخوين غير الشقيقين.

صحيح أن حكاية زورو هي ابتكار أميركي، وأن المسرحية في حد ذاتها هي في الأصل إنتاج إنجليزي، لكن النسخة الفرنسية، جعلت من زورو مُفَرْنَسا إلى حد كبير، سواء في حركاته التي تفتقد إلى السرعة الضاربة أو في ليونته التي ينقصها المكر. لكن «الأكشن» الأميركي يبقى حاضرا، فزورو الذي ينتقل من مبنى إلى آخر، ومن شرفة إلى أخرى على المسرح، يضطر في المشهد الأخير، وبعد أن يتم الإفراج عنها، أن يتخذ خطوة استثنائية لإنقاذ حبيبته التي تزف عنوة إلى أخيه رامون. هنا نرى زورو وقد وقف على سطح أحد مباني قصر «بيت الدين»، أمسك حبله، وتزحلق عليه فوق رؤوس المتفرجين، ليحط على المسرح.. يوقف طقوس الزفاف ويشتبك مع أخيه في معركة بالسيوف تنتهي بانتصار البطل كما درجت العادة.

زورو في «بيت الدين» لأربع ليال يغني، يرقص، يعشق، ويتسلق الجدران، إمتاعا لمحبي المسرح الغنائي المرح.