الموسيقار نصير شمة يقود فرقة من عازفي العود في مهرجان بعلبك

قال لـ «الشرق الأوسط» : هذه أول تجربة لتحويل الموسيقى الشرقية إلى «أوركسترالية»

نصير شمة مع الأوركسترا («الشرق الأوسط»)
TT

في أول حدث من نوعه، يقود الموسيقار العراقي نصير شمة فرقة «بيت العود العربي» التي تتألف من 31 عازفا على مسرح مهرجان بعلبك العريق وذلك في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي ليقدم حفلا موسيقيا غير مسبوق لآلات العود بأنواعها وعلى مدى أكثر من 90 دقيقة.

شمة قال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من القاهرة التي يستقر فيها منذ سنوات، حيث أسس هناك «بيت العود العربي»، وقبيل مغادرته العاصمة المصرية إلى بيروت، إن «مجموعة (بيت العود العربي)، تعتبر من أولى الفرق المختصة في آلة العود وعائلتها المكونة من عود (سبرانو) إلى عود (باص) و(العود ذي الرقبة الطويلة) أو (البزق)»، وهذه الفرقة، كان قد أسسها شمه جامعا عددا من خريجي «بيت العود العربي»، وهو المشروع الرائد الذي عمل عليه منذ أكثر من عشر سنوات عبر خطوات مدروسة ومتميزة.

تميز شمة منذ حداثة سنه، وبدايات دراسته لآلة العود في معهد الدراسات النغمية (الموسيقية) ببغداد، وهو واحد من أكثر المدارس الموسيقية عراقة في الوطن العربي والشرق الأوسط، واتضحت موهبته في السنة الأولى لدراسته على يد أستاذ العود العربي الموسيقار منير بشير الذي انتبه إلى تميز موهبة تلميذه فأوكل إليه وهو في السنة الثانية من دراسته قيادة فرقة «البيارق» الموسيقية التي قدمت باكورة أعمالها في واحد من أضخم المهرجانات الفنية العراقية (مهرجان بابل) في منتصف الثمانينات، وكان أن حمل شمة لقب «زرياب الصغير» لأهمية موهبته الموسيقية وصغر سنه.

يقول شمة: «هذه الفرقة تتكون من عازفين من خريجي (بيت العود) في القاهرة و(بيت العود) في أبوظبي، وهم ينحدرون من أقطار عربية مختلفة، لذلك هي فرقة عربية بحق تجمعهم آلة العود بأنواعها»، وعندما يقول هذا الموسيقار المتميز «آلة العود بأنواعها» فعلينا أن نتوقف قليلا لنستوضح ماهية أنواع العود ما دمنا لا نعرف سوى آلة عود عربية واحدة شائعة، لكنه يوضح بإسهاب قائلا: «نعم، كانت هناك آلة عود واحدة، لكن اليوم وبفضل دراساتي وبحوثي الطويلة التي تمتد لأكثر من 12 عاما، صار هناك العود المثمن، أي العود ذا الثمانية أوتار، وقبل بلوغ هذه المرحلة كنت قد حققت في العراق مخطوطة قديمة للفارابي عن عود ذي ستة أوتار بعد أن كان شائعا عود الأربعة أوتار»، مستطردا بقوله: «وهناك صانع عود عراقي أبدع عود (السبرانو) وهو حاصل على براءة اختراع في هذا العود، ثم خططت وأبدعت عود (الكونترباص) وهو بحجم آلة الكونترباص الغربية، وعود (باص) أضخم من العود الحالي وبحجم آلة (الجلو) الغربية ويتمكن العازف من احتضانه، وقد تمكنا من تصنيع عود (الكونترباص) في ورشة (بيت العود العربي) في القاهرة، وهناك تجارب للعزف على العود بالقوس بحيث يأتي صوته ممتدا».

ومن يزرْ شمة في «بيت العود العربي» في القاهرة، حيث خصصت وزارة الثقافة أحد البيوت التاريخية التي تعود إلى القاهرة الفاطمية في حي الحسين وقرب مسجد الأزهر الكبير، سيجد انشغال طالبات وطلاب شمة وهم يتلقون محاضراتهم وتدريباتهم في ردهات التاريخ المشبع برائحة الورق والكلمات، بينما تردد جدرانه أصوات الأوتار الشجية، تتلاعب عليها ومعها أنامل رقيقة ومبدعة، فلقد منح هذا «البيت» للفن العربي طاقات إبداعية درست آلة العود بصيغة أكاديمية حديثة من دون أن تبعده عن مناخاته الشرقية الأصيلة.

ويكشف شمة عن أن «هناك مشروعا جادا لأن تأخذ الجامعة العربية على عاتقها مشروع (بيت العود العربي) ليتم تعميمه على باقي الدول العربية، ولتكون هناك بيوتات للعود منتشرة في مدن عالمنا العربي»، منبها إلى أن «نجاح تجربة (بيت العود العربي) في القاهرة أدى إلى نجاح مشروع (بيت العود العربي) في أبوظبي».

شمة لا يقفز على التاريخ، بل يحفظ لأساتذته فضلهم وإنجازاتهم، يقول: «اعتمدت في تجربة إنشاء فرقة للعود العربي على تجارب أستاذي الراحل، والموسيقار الكبير منير بشير الذي كنا نحن مجموعة، 15 من عازفي العود من تلامذته، نعزف مؤلفاته إضافة إلى موسيقى تراثية عراقية وعربية، وأكمل هذا المشروع الأستاذ الفنان سالم عبد الكريم»، لكن ثمة فرق بين التجارب الأولى، والتجارب التي يشتغل عليها باستمرار الموسيقار شمة في «بيت العود العربي»، تماما مثلما يشتغل الباحث في مختبر علمي، يوضح قائلا: «كنا نعزف مؤلفات مكتوبة لآلة عود واحدة، فتأتي الأصوات وكأنها صادرة عن عود واحد، لكنني في فرقة (أوركسترا الشرق) قمت بوضع مؤلفات موسيقية لخمسة أو سبعة أعواد مختلفة، وبذلك نقترب من فكرة الأوركسترا المتكاملة لعائلة العود التي تنوعت وتعددت أصواتها».

في بعلبك ستقدم «أوركسترا الشرق»، ومثلما كشف شمة، مؤلفات للموسيقار منير بشير، مثل «العصفور الطائر»، بينما ستقدم من مؤلفاته، «أرض الإسراء»، «جولة في التراث العربي»، «على جناح فراشة»، «مصير واحد»، و«سماعي بياتي»، و«حوار مع الكبار»، ويضيف شمة: «سيكون (حوارنا) هذه المرة مع فيلمون وهبي، وسنعيد وبتوزيع جديد ما وضعه للفنانة الكبيرة فيروز».

يذكر أن جميع العازفات والعازفين في «بيت العود العربي» تأسسوا على مدارس العود المختلفة من شرقية وتركية ومصرية وعراقية، وقد امتلك أغلبهم تكنيكا عاليا في العزف على هذه الآلة وأصبح بعضهم معروفا ومتميزا وأسس بعضهم فرقا موسيقية خاصة صار لها حضور عربي وعالمي كما أن منهم من اتجه لتدريس آلة العود أو التأليف للآلة والاستمرار في البحوث التي سبقهم إليها أساتذة كبار.

بعد أن ينتهي شمة وفرقته من حفل بعلبك، سيتهيأ مع فرقة «أوركسترا الشرق» لتقديم حفل هو الآخر مميز والأول من نوعه في مسقط، ثم يغادر إلى ألمانيا ليقدم حفلا في مدينة شتوتغارت التي اختارته منذ 4 سنوات لتمنحه عبر وزارة ثقافتها لقب «رسول الثقافة العربية والإسلامية من الشرق إلى الغرب» وسيقدم من خلالهما «أوركسترا الشرق»، وهي الأوركسترا التي أسسها نصير شمه منذ ثلاث سنوات، وكانت قد قدمت أول عروضها في مهرجان قرطاج ومهرجان أبوظبي للموسيقى والفنون، وتجمع عازفات وعازفين يعزفون على آلات تنتمي للشرقين الأقصى والأدنى، وهي تجربة رائدة تحتفي بالشرق عبر مد جسور الموسيقى والفن من أجل حفظ خصوصية هذه الآلات وإعادة ما كاد يندثر منها إلى الواجهة. وكان شمة قد انتهى من وضع الموسيقى التصويرية لمسلسل «أنا القدس» من إخراج باسل الخطيب، وانتهى من تسجيل إشارة البدء بصوت الفنانة السورية الأوبرالية سوزان حداد، كما أصدر مؤخرا الأسطوانة المدمجة الأولى التي ضمت الأوركسترا المؤلفة من 70 عازفة وعازفا تحت عنوان «حرير».