معرض أبراج مكعبات الليغو يقدم أشهر ناطحات السحاب في العالم

منها إمباير ستيت وبرج خليفة في دبي

معرض «ليغو» في متحف البناء الوطني في واشنطن يقدم 15 صورة طبق الأصل من ناطحات السحاب الشهيرة وغيرها من الرموز المعمارية («واشنطن بوست»)
TT

اكتسبت شركة «ليغو» سمعتها بوصفها واحدة من أعظم شركات ألعاب الأطفال في القرن العشرين بصورة تدريجية. تتوافر الإحصائيات لدى فرق العلاقات العامة بالشركة: يوجد ما يقرب من 62 مكعب ليغو لكل فرد على وجه الأرض؛ يقضي الأطفال في جميع أنحاء العالم 5 مليارات ساعة في العام في اللعب بمكعبات ليغو، وبوصل المكعبات بعضها ببعض، سيتجاوز طول مكعبات ليغو التي يتم بيعها في العام السير خمس مرات حول العالم.

ولا عجب إذن في أن المعرض الجديد الذي تعقده «ليغو» في متحف البناء الوطني في واشنطن يجتذب بالفعل أعدادا كبيرة. ويحتوي هذا المعرض، الذي يتركز على أعمال رئيس شركة «ليغو» آدم ريد توكر، وهو معماري محترف، على 15 صورة طبق الأصل من ناطحات السحاب الشهيرة وغيرها من الرموز المعمارية.

وفي مكان للعرض معرّض لضوء الشمس في الطابق الثاني من المتحف، تجد النسخ اللافتة وكبيرة الحجم من «مبنى إمباير ستيت» و«برج سيرز» (وهو المعلم الرئيسي في شيكاغو ويُعرف الآن باسم «برج ويليس») و«برج خليفة» في دبي، وهو أعلى مبنى في العالم حاليا، تقف جنبا إلى جنب، كما لو تم نقلها لتشكل مدينة مثالية من الهندسة المعمارية المذهلة. ويبلغ ارتفاع مجسم «برج خليفة»، الذي استغرق بناؤه 340 ساعة، 17 قدما ونصف، ويحتوي على 450300 مكعب.

وقال توكر: «إنك في الواقع تحصل على وزن للقوة الساحقة في المكعبات السفلى»، مشيرا إلى المستويات الدنيا من نموذج برج دبي الضخم.

وتعد مكعبات الليغو جذابة إلى حد كبير بالنسبة إلى أي فرد يهتم بالفنون المعمارية. وسهولة وبساطة نظام تركيب هذه المكعبات البلاستيكية يعطي قوة مهنية لجهود الهواة لتشكيل نماذج للعالم. وتم تصميم هذه المكعبات، التي تم تقديمها في شكلها الحالي عام 1958، بصورة مبدعة وغير قابلة للإتلاف تقريبا.

وعلى الرغم من أن الشركة قدمت منتجات جديدة وتحاول إنشاء طرق إلكترونية جذابة لتعزيز المكعبات البلاستيكية القديمة، فإن الشيء الأكثر إقناعا بشأن «ليغو» هو بساطتها التي لا تتغير. فإذا كان لديك صندوق من القطع من ستينات القرن الماضي، يمكن تركيبها بصورة محكمة مع المكعبات التي تم تصنيعها بالأمس.

وكانت مكعبات الليغو هي اللعبة المثلى في العصر الذي ظهرت فيه، وهو ما يساعد في تفسير السبب وراء أن النماذج التي قدمها توكر لها قوة ثقافية قد لا تكون لدى النماذج المعمارية العادية. وقد وصلت مكعبات الليغو إلى لحظتين حرجتين في تاريخ الهندسة المعمارية. نشر الأسلوب الدولي الحديث الخطوط المستقيمة والفعالة لأسلوبها الجمالي البسيط في جميع أنحاء العالم. تم الانتهاء من «برج سيغرام» للمعماري ميس فان دير روه، الذي يقع في مدينة نيويورك، عام 1958، وهو نفس العام الذي بدأت فيه مكعبات ليغو غزوها لحجرات الألعاب في العالم.

وكانت الضواحي في أزهى عصورها. تم الانتهاء من ليفيتاون، وهي النموذج الأصلي من «لونغ آيلاند» للإسكان الضخم، عام 1951. وبموجب قانون وقعه الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1956، تم إنشاء نظام الطرق السريعة بين الولايات، الذي بدوره أنشأ قطاعات من الخرسانة تصل بين هذه الصناديق الرديئة، التي غنى بيتي سيغر أغنية شهيرة حولها عام 1963.

وكانت مكعبات الليغو مثالية بالنسبة إلى هذه الأشكال المعمارية. يستطيع أي طفل بناء نسخ عالية وقوية من هذه الأبراج التي غيرت شكل المناطق التي تقع وسط المدن وكانت تموت ببطء في أميركا، وإنتاج عشرات المنازل المطابقة من الليغو وتشبه المزارع.

كما كانت مكعبات الليغو هي اللعبة الرأسمالية الجوهرية، فكانت تناسب بصورة مثالية حقبة من التوسع الاقتصادي السريع وغير المحدود. وقد لا يكون لديك الأعداد الكافية من مكعبات الليغو، أو كما تقول الشركة على موقعها الإلكتروني: «كلما كان لديك مزيد من مكعبات الليغو، أصبح إبداعك أكثر خصوبة..» فقد تحب الدمى أو الحيوانات المحنطة، لكن عند نقطة معينة، يبدأ نوع من أنواع التضخم، ولن تحب أي واحد منها كثيرا. بيد أن مكعبات الليغو كانت التروس الصغيرة المجردة في عالم دائم التوسع للألعاب. وعندما تكمل بناء منزل، بإمكانك بناء مدينة.

وتماثيل الليغو العملاقة التي قدمها توكر تعد جذابة لأنها في بعض جوانبها تعكس نهم عقلية الليغو. وتعد النماذج الضخمة التي قدمها هي ما سنقوم ببنائه إذا كان لدينا العدد الكافي من مكعبات الليغو والوقت الكافي للرجوع إلى مرحلة الطفولة.

قال توكر إنه بدأ وضع نماذج تماثيل الليغو على نطاق واسع عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي جعلته يعيد التفكير في حياته وطموحه. وكان ينفذ تصميما إسكانيا لمطور عقاري يعمل في ضواحي شيكاغو. ونظرا للصعوبات المالية وإنهاء علاقته الزوجية في الآونة الأخيرة، يعيش توكر في منزل والديه. لذا، بطبيعة الحال استثمر 150 ألف دولار في بعض مكعبات الليغو وشرع في مهنة جديدة.

وقال توكر: «إنني إلى حد ما رجل أعمال. لقد تركت مكعبات الليغو الخاصة بي عندما كان سني 14 عاما تقريبا». بيد أن اللجوء إليها مجددا منحه اتجاها جديدا.

وهناك مزيج رائع من الشفقة والتجديد في هذه القصة. وعثر توكر على طريقة لبناء مبان ضخمة وإطلاق طاقة الطفولة التي قد تكون ألهمته أن يكون معماريا في المقام الأول. تطلق مكعبات الليغو العنان لنوع من جنون العظمة لدينا جميعا، وهي مجمع للبناء يسمح للأطفال (والبالغين) التواصل مع الأفكار الإبداعية للمهندس المعماري.

وأفضل شيء حول أعمال توكر هو مواجهتها المباشرة مع نقطة ضعف طريقة التفكير الحالية لليغو. إنه يعمل بصورة حصرية تقريبا مع القطع الأساسية. يقول إنه ليست لديه مقولة «لا فائدة» بالنسبة إلى مجموعات الليغو المتخصصة وسفينة الفضاء وأجزاء السيارات التي تعتبر أساسية لجهد الليغو المضلل لخلق نماذج جاهزة للتركيب. وفي أحد متاجر الليغو اليوم، يستطيع الفرد أن يعثر على نماذج «حرب النجوم» و«قصة الألعاب» المكلفة للغاية، التي لا تتطلب أي نوع من الخيال لبنائها مقارنة بتركيب أثاث إيكيا.

وشأنها شأن بعض الديانات والمعتقدات السياسية والحركات الفنية، ابتعدت الليغو شيئا فشيئا عن البراءة القوية لرؤيتها الأصلية، مما أدى إلى الاستعاضة عن التجريد بالزخرفة، وتقديم القصص وتسويق الأفلام لكي تروق للأطفال، الذين حسبما تقول الشركة يفتقرون إلى التخيل، وأدى أيضا إلى خفض سعر منتجها في محاولة لتوسيع نطاق جاذبيتها في عالم ألعاب الفيديو.

وعلى الجانب الآخر، تكشف ناطحات السحاب التي قدمها توكر القوة التي لا تزال فعالة لعناصر ليغو الأكثر بساطة. وتم إنجاز معظم أعماله بالمكعبات الكلاسيكية البسيطة، مع إضافة عرضية، حيث استخدم في نموذج برج التجارة العالمي قضبان قطار لإنشاء الخطوط العمودية الطويلة للبرج. وساعدته مفصلة بسيطة على إنشاء عناصر منحنية متعددة الاستعمالات. وتعد هذه المفصلات ضرورية لما قد يكون أبرز ما في المعرض، وهو المنحنيات اللولبية في برج شيكاغو المدبب، الذي صممه سانتياغو كالاترافا، وهو ناطحة سحاب أنيقة في شيكاغو يبلغ ارتفاعها 2000 قدم.

وهناك حدود لما يستطيع توكر بناؤه، حيث إن النموذج الذي قدمه لـ «قوس البوابة»، الذي صممه إيرو سارينن ويقع في سان لويس، الذي تم فيه استخدام عنصر المفصلات لإنشاء المنحنيات، لم يقدم القوس في هذا المعلم بالصورة الصحيحة. ويستخدم نموذج «بيت الشلال» الذي صممه فرانك لويد رايت مكعبات مربعة لإنشاء النسخة المجردة للمنظر العام الذي يقع فيه هذا المنزل الشهير، الذي يفتقد التفاعل الجميل للخطوط الأفقية للمنزل مع التضاريس الرائعة لريف بنسلفانيا.

كما أن هناك حدودا أمام الادعاءات بشأن هذه النماذج. أثناء القيام بجولة داخل المعرض، أكد توكر على أهميتها باعتبارها أدوات تعليمية، مؤكدا على العناية التي أولاها لتكرار البنية الداخلية في هذه النماذج. لكن بغض النظر عن مدى مهارة استخدام مكعبات الليغو لمحاكاة أي مبنى، فإن نماذج ناطحات السحاب المكونة من مكعبات الليغو تبدو مختلفة عن ناطحات السحاب الحقيقية، فالحوائط المكونة من مكعبات الليغو جامدة للغاية، في حين أن ناطحات السحاب التي تحتوي على إطارات من الصلب تكون خفيفة نسبيا ومرنة. والدعامات العرضية التي استخدمها توكر في نموذج مركز جون هانكوك (في شيكاغو) لا يبدو أنها تقدم أي إضافة هيكلية حقيقية إلى المبنى. كما أن نماذج ناطحات السحاب التي صممها توكر تم بناؤها في داخل المبنى، حيث لا توجد الرياح وتعد الأساسات العميقة وآليات إخماد النيران غير ضرورية.

وستكون هذه المخاوف ذات أهمية ضئيلة بالنسبة للغالبية العظمة من الزوار. بيد أنها توضح اختلافا مهما، حيث إن توكر لا يشيد نسخا مصغرة من العالم الحقيقي، لكن نماذج ثابتة أو محاكاة للعالم الحقيقي. ويتطلب الأمر دوما نوعا معينا من مرونة العقل، كما هو الحال لدى الأطفال، لتجاهل هذه الحقيقة، وهي أن مباني الليغو جوفاء وخالية من الناس والحياة، ويمكن تحريكها على الأرض مثل لعب الأطفال. ومن المحزن أن شركة «ليغو» تبدو قلقة بشأن ذلك. والآن تقدم «ليغو» برنامجا على الكومبيوتر لمساعدتك على بناء هياكل من مكعبات الليغو بصورة افتراضية، وتنظر بداخلها، وتستطيع بنقرة على الفأرة شراء جميع القطع الضرورية لبناء هذه الهياكل. إنه نوع جيد من التسويق، لكنه يفسد البراءة الشديدة للعبة الأصلية.

وتأتي قوة أعمال توكر في ولائها الأساسي للهدف القديم للعبة الليغو، مدن فارغة وهادئة من المباني التي لها حواف صلبة صنعها الأطفال. وما يفعله يروق للطفل بداخلنا لأنه بصورة أساسية من عمل الأطفال، إنه نداء مباشر إلى روبرت موزيز يكمن في كل طفل عمره ثمانية أعوام. إنه ليس فنيا أو تعليميا بصورة شديدة، لكنه سيجعلك تتمنى بالضبط ما تتمناه ليغو: وهو أنه كان لديك مزيد من المكعبات للعب بها.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»