فلسطينيون يريدون مقاطعة كل ما هو إسرائيلي.. وآخرون يذهبون إلى المستوطنات للتسوق

مول «رامي ليفي» الإسرائيلي يستقطب مزيدا من الفلسطينيين في حمى الحرب على بضائع المستوطنات

رئيس الوزراء الفلسطيني يقوم بجولة بين المحال لدعم حملة مقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية (ا.ف.ب)
TT

في مول «رامي ليفي» التجاري الكبير على مشارف مستوطنة «غوش عتصيون» على الطريق بين مدينتي بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية، يتسوق عشرات الفلسطينيين الذين جاءوا من المدينتين لزيارة المول الإسرائيلي، ولم يستجيبوا لحملات مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية التي أطلقتها السلطة بداية العام الحالي.

كان هؤلاء المتسوقون العرب يشترون كل شيء تقريبا يحتاج إليه المنزل، بما في ذلك الخضراوات والفواكه التي تزرع في مستوطنات قريبة. يدخلون إلى المول بعد خضوعهم لتفتيش سريع بصفتهم «مشبوهين» ويخرجون محملين ببضائع إسرائيلية بمئات الشواكل (العملة الإسرائيلية).

وفي مول «رامي ليفي» يمكن مشاهدة حالة من التعايش قل نظيرها في الخارج، فلسطينيون مسلمون ومسيحيون ومستوطنون ومتطرفون ويهود وجنود، يشترون حاجاتهم من المكان نفسه.

وفي الأثناء، ليس بعيدا عن المول الإسرائيلي أكثر من 10 كيلومترات، كان رجال الضابطة الجمركية الفلسطينية يشنون الغارات في بيت لحم والخليل على مستودعات ومحلات تجارية يشتبه في أنها تخزن بضائع مستوطنات، بعدما أعطت السلطة التجار الفلسطينيين مهلة أخيرة حتى نهاية هذا الشهر للتخلص من بضائع المستوطنات.

تناقض يثير الدهشة، لكن خالد الذي عادة ما يذهب إلى التسوق من «رامي ليفي» عقب قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أبحث عن البضاعة الأفضل، قرار مقاطعة بضائع المستوطنات لا يهمني، إنه سياسي بالدرجة الأولى، أعطني بضائع عربية بهذه الجودة وأنا مستعد أن أدفع أكثر مما أدفع في البضائع الإسرائيلية».

وقررت السلطة مقاطعة بضائع المستوطنات، وليست البضائع الإسرائيلية، وقال جورج صاحب «محلات علاء» الشهيرة وسط بيت لحم، لـ«الشرق الأوسط»: «عمليا لم يتغير شيء كثير بعد القرار، فقدنا فقط التمور وحلاوة (احفا) دايت الإسرائيلية وبعض الكيك، وهذه تم تعويضها ببضائع أخرى إسرائيلية وعربية.. الناس لا يشتكون».

لكن خالد شكك حتى في جودة البضائع الإسرائيلية التي تباع في الضفة الغربية مقارنة بالبضائع الإسرائيلية نفسها التي تباع في إسرائيل.

وقال عدي وهو يتسوق من «رامي ليفي»: «أعتقد أن هناك خطي إنتاج في المصانع الإسرائيلية، خط لهم وخط لنا، انظر، هنا كل شيء مختلف وجودته أفضل». وأضاف: «حتى الخضراوات والفواكه أكثر جودة من تلك الإسرائيلية التي تباع في أسواقنا».

لكن ليس هذا سبب مجيء خالد وعدي وآخرين إلى مول «رامي ليفي» وحسب، حيث قال أبو ناصر: «العروض هنا مميزة، أعطني محلا عربيا يعطيني مثل هذه العروض».

ويجذب «رامي ليفي» المتسوقين عبر تقديمه عروضا على بضائع معينة بنصف السعر أو أقل، وقال كريم: «إنهم يضطروننا في الحقيقة إلى التعامل معهم».

وهؤلاء ذهبوا إلى «رامي ليفي» رغم أن وزير الاقتصاد حسن أبو لبدة طالما طالب الفلسطينيين صراحة بعدم التوجه إلى هذه السوق الإسرائيلية، لكن السلطة لم تصدر أي قرار يغرم المواطنين أنفسهم واكتفت بإطلاق حملة توعية قبل شهور، جاب معها متطوعون الضفة الغربية من بيت إلى بيت من أجل حث المواطنين على مقاطعة بضائع المستوطنات. وعارضت ربى بشدة ذهاب فلسطينيين إلى التسوق من «رامي ليفي»، وقالت: «إن ذلك فيه دعم مباشر للمستوطنات الإسرائيلية، أعتقد أن الذهاب إلى هناك فيه تحد للمشاعر الوطنية أيضا».

لكن كثيرا من المتسوقين الفلسطينيين في «رامي ليفي» يردون بإلقاء كثير من الشكوك على أسباب وخلفيات القرار.

أما إياد، فقال إنه يقاطع أيضا كل المنتجات الإسرائيلية وليس فقط بضائع المستوطنات. وأضاف: «السلطة لا تستطيع إعلان مقاطعة البضائع الإسرائيلية، لكن أنا كمواطن سأقاطعها، وأدعو الناس أيضا لمقاطعتها».

وتستورد السلطة بضائع من إسرائيل بما يزيد على 3 مليارات دولار سنويا، وتكبل اتفاقيات اقتصادية يد السلطة في هذا الموضوع، وخلال أسابيع مضت، أحرق رجال الضابطة الجمركية عشرات الأطنان من بضائع المستوطنات، بينما قالت السلطة إنها ماضية في حربها على المستوطنات على كل الصعد السياسية والشعبية.

وخلال الشهرين الماضيين تسلمت كل أسرة فلسطينية تقريبا في الضفة الغربية، من متطوعين، رزمة تتضمن دليلا حول أكثر من 500 سلعة تنتج في المستوطنات مرفقة بدعوة لمقاطعتها. وضم الكتيب المؤلف من 78 صفحة من القطع المتوسط قائمة بالصور لمنتجات غذائية مختلفة، معجنات وبسكويت وألبان وفواكه وخضراوات وبهارات وسلطات مبردة ومكسرات وتمور وزيوت ومياه معدنية وشاي ومشروبات غازية وأبواب خشبية وأثاث منزلي ومستلزمات مدرسية ومواد كيماوية ومنتجات تنطيف وأقفال وفلاتر ماء وأدوات صحية وإلكترونيات دقيقة ومستحضرات تجميل، وكل ذلك كان مرفقا بأسماء المصانع وأسماء المستوطنات التي تنتجها.

وقال محمد حبشي، أحد مسؤولي الحملة لـ«الشرق الأوسط»: «التوجه الشعبي هو نحو مقاطعة كل البضائع الإسرائيلية وليس فقط مقاطعة بضائع المستوطنات، رغم أن البعض أكدوا لنا أنهم لا ينوون مقاطعة بضائع المستوطنات ونعرف أنهم يذهبون إلى (رامي ليفي) لكنهم قلة قليلة».

وأضاف حبشي: «في الحقيقة فوجئنا بأغلبية كبيرة تطلب منا إعلان مقاطعة كل البضائع الإسرائيلية، وفوجئنا بالبعض يقول لنا إنه لن يقاطع أيضا».

وفي وقت يذهب فيه فلسطينيون بأنفسهم إلى مول «رامي ليفي»، تضع آلاف المنازل والمحلات التجارية في الضفة على أبوابها الملصق الخاص الذي يعلن خلوها من بضائع المستوطنات.

وكان أحد الذين علقوا هذا الملصق ووقعوا وثيقة الكرامة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) نفسه، الذي وقع قانونا يجرم تداول أو تسويق منتجات المستوطنات في الأسواق الفلسطينية.

وقال أبو مازن إنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نستهلك بضائع منتجة من أراضينا التي بنيت عليها المستوطنات.

ووقع عشرات آلاف الفلسطينيين على وثيقة الكرامة التي تؤكد على الرغبة في التخلص من المستوطنات وبضائعها وتبعاتها، وجاء في نصها: «نحن أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وأديانه وفئاته العمرية قد اجتمعنا على الرغبة والإصرار في النهوض والتخلص من تبعات المستوطنات وآثارها في مدننا وقرانا ومخيماتنا.. وسنواصل حتى يخلو كل بيت فلسطيني من إنتاج المستوطنات».

وتستهلك السوق الفلسطينية ما قيمته 500 مليون دولار سنويا من بضائع المستوطنات، وستحاول السلطة زيادة حصة المنتج المحلي في السوق التي لا تزيد على 30 في المائة.

وحرصت السلطة على القول إن ذلك ليس جزءا من عملية تحريض ضد إسرائيل، وقال أبو مازن نفسه: «نحن لا نحرض ضد إسرائيل، ولا نريد أن نقاطع بضائع تأتي من إسرائيل.. نحن نريد أن نعيش مع دولة إسرائيل في أمن واستقرار وكرامة. نحن لنا كرامتنا وهم لهم كرامتهم، ونحن لنا بلدنا المستقل وهم لهم أمنهم».

أما رئيس الوزراء سلام فياض، فقال إن «هذا الجهد الوطني ليس تعبيرا عن شعور بالكراهية أو الحقد، وليس أداة تحريض ثقافي أو عرقي أو ديني كما وصفه، تصريحا أو تلميحا، بعض قادة إسرائيل، والدليل على ذلك أن ما نحن بصدده ليس مقاطعة البضائع المنتجة في إسرائيل، بل تنظيف السوق الفلسطينية من منتجات المستوطنات الإسرائيلية».

وأضاف فياض: «هذه الحملة ليست تعبيرا عن الغضب، رغم أن هناك الكثير مما يدعو للغضب في الواقع الفلسطيني، بل إن هذا الجهد الوطني هو تعبير عن إصرار شعبنا على ممارسة حقه في الحياة على هذه الأرض».