مع موزار «مهرجانات بيبلوس الدولية» تسدل الستار لهذا الصيف

ختامها أوبرا «عرس فيغارو» على صوت هدير الأمواج في جبيل

الكونت والكونتيسة مع فيغارو وسوزانا في المشهد الأول من الأوبرا («الشرق الأوسط»)
TT

اختتمت «مهرجانات بيبلوس الدولية» برنامجها لهذا الصيف مساء الجمعة الماضي بأوبرا «عرس فيغارو» الشهيرة للعبقري النمساوي موزار. وما كان يميز هذا الحفل الكلاسيكي الطابع هو المشاركة اللبنانية إلى جانب الإيطاليين في الأداء الغنائي. فقد لعبت دور الكونتيسة الإيطالية كارولين سولاج، بينما أدى دور الكونت على المسرح اللبناني ريمون غطاس. وأدى دوري فيغارو (خادم غرفة الكونت)، وسوزانا (وصيفة الكونتيسة) اللبنانيان توفيق معتوق وسمر سلامة. ويأتي هذا الحفل ثمرة تعاون بين «المعهد الثقافي الإيطالي» و«الجامعة الأنطونية» في لبنان، مع رغبة في مزيد من الأعمال الأوبرالية المشتركة بين البلدين. وهو ما يعني أن حفل اختتام «مهرجانات جبيل» هو مجرد تجربة أولى، يفترض أن ينظر إلى مواطن ضعفها وقوتها بعناية، لتفادي معايبها في حفلات مقبلة.

على وقع معزوفات حية لأوركسترا تشكلت خصيصا لإحياء هذا الحفل، نشاهد في البداية، كما هو معروف ومتوقع في هذه الأوبرا التي تنفذ تماما كما وضعت عام 1778، فيغارو وسوزانا في غرفتهما التي يعدانها لزواجهما، ولا تزال تقتصر على كنبة واحدة، فيما تشعر سوزانا بانزعاج لقرب هذه الغرفة من غرفة الكونتيسة والكونت، صاحب المغامرات النسائية الذي لا يكف عن التحرش بها.

ومعلوم أن هذه الأوبرا الكوميدية تدور حول زواج سوزانا وفيغارو اللذين يعيشان في كنف الكونت، ويحاولان الخروج من فخاخ الدسائس التي تحاك لهما، فيما تعاني الكونتيسة من زوجها الذي لا يكف عن مطاردة النساء. وتم استيحاء النصوص والحوارات من كتاب بومارشيه الذي يحمل الاسم نفسه. لكن هذه الأوبرا التي قدمت باللغة الإيطالية ارتبطت حكايتها بتاريخ الأرستقراطية الأوروبية، وكان لها ما رافقها من أحداث على الأرض، ليست جزءا من الوجدان اللبناني أو العربي. وعلى الرغم من الأداء الجيد والممتاز أحيانا للمؤدين، وجمالية الموسيقى، مع ضعف في الجانب الجمالي للمشاهد، فإن الترجمة الإنجليزية التي ظهرت على شاشتين صغيرتين على جانبي المسرح كانت غير مقروءة بالنسبة لأكثرية الحضور.

ومع أن القصة لا بد معروفة للنخبة، فإنها لم تكن كذلك لكل الموجودين. وحتى بالنسبة لمن يعرف الحكاية فإن عرض كلمات الأوبرا يمنح المتفرج زخم الاندماج الحقيقي، بدل البقاء رهن الجمالية الموسيقية والأداء الصوتي الطالع من حناجر مدربة ومطواعة.

ومع أن غالبية اللبنانيين يدعون أنهم يجيدون الإنجليزية والفرنسية فإن هذا ليس صحيحا، ولو تنازل الجميع وأقر بأن العربية هي اللغة المشتركة للغالبية الساحقة من رواد المهرجانات وأنها اللغة الوحيدة التي يمكن أن تصل إلى المتفرج وتوصله بالعرض الأوبرالي، لتجرأ ربما أصحاب العرض والقيمون عليه وقدموا ترجمة للنصوص المغناة بالعربية على شاشة أعلى المسرح واضحة كلماتها وجلية لكل الموجودين، ووفروا على من كانوا يشعرون بالملل تأففهم، وجعلوهم أقرب إلى هذا الفن الجميل.

وكانت ملاحظة أحد الإعلاميين في مكانها، إذ رأى أن عرضا بالإيطالية لا يوفر لمشاهده الترجمة بلغة يفهمها، مهما عظمت موسيقاه، وبلغ مستوى أداء المغنين فيه، لا يمكن احتماله لأكثر من ساعة ونصف فيما تواصل عرض «عرس فيغارو» لمدة 3 ساعات، كانت مجهدة للمتفرجين. وهو أمر مؤسف. فالجهود التي بذلت من قبل القيمين على هذا العمل كبيرة، والمشاركون في الأوبرا بين عازفين ومؤدين وتقنيين معنيين بالصوت والإضاءة بلغوا العشرات. وهو جهد مشكور ليجعل المتفرج على تماس مع فن غربي كلاسيكي عريق وبديع، إلا أن الحاجز اللغوي ليس أمرا هامشيا كما يحلو لبعض المتفرنجين تصويره، على اعتبار أن الموسيقى والأداء وحدهما يكفيان للسيطرة على الحواس وأسرها. وهذه ليست علة لبنانية، وإنما مشكلة عربية عامة.

على أي حال فإن عشاق الأوبرا ومدمنيها كانوا على موعد مع واحد من أبرز هذه الأعمال وأشهرها في أجواء مرفأ جبيل الحالمة، فيما كان هدير الأمواج يرافق صوت العزف الأوركسترالي. وتجربة مهرجانات بيبلوس التي جلبت عددا لا بأس به من المتفرجين، لا بد ستجر تجارب أخرى بالتعاون بين لبنان وإيطاليا، على أمل أن تتوفر لها عناصر التواصل مع الجمهور بشكل أكبر. فبينما كانت أوبرا «عرس فيغارو» تعرض في جبيل عروضا كثيرة لهذا العمل الكلاسيكي الكبير، كانت تقدم في فرنسا وأنحاء مختلفة من العالم. وبالعودة إلى هذه العروض تجد أن كلا طوعها بالطريقة التي يعتقد أنها تجذب جمهوره، إلى حد التغيير في النص وطريقة الأداء. وهذا كله معروف ومتداول، وبالتالي فإن عمل كل ما يمكن لجعل الأوبرا في متناول اللبنانيين هو أمر مستحب ومرغوب فيه أيضا.

وبانتهاء هذا الحفل الوحيد لـ«عرس فيغارو» تسدل «مهرجانات بيبلوس» الستار لهذا الصيف بعد أن قدمت برنامجا متنوعا، من الطرب اللبناني إلى الغناء الغربي الكلاسيكي مرورا بالشبابي اللبناني والغربي، ووصولا إلى الرقص الفولكلوري والأوبرا التي كانت مسك الختام.