عجلة «الفرعون الذهبي».. تبهر الأميركيين

تشارك في معرض للآثار المصرية يضم 155 قطعة فرعونية

TT

على مدى شهرين تقريبا، سيكون بمقدور سكان مدينة نيويورك، كبرى المدن الأميركية، وزائريها مشاهدة واحدة من أبرز القطع الأثرية المصرية القديمة، هي تلك التي تعود إلى الملك المصري «توت عنخ آمون»، الملقب بـ«الفرعون الذهبي».

القطعة عبارة عن واحدة من خمس عجلات للفرعون الشاب، الذي توفي في التاسعة عشرة من عمره. ولقد خرجت من مصر لأول مرة الأسبوع الماضي، لتشارك في معرض الآثار المصرية المقام حاليا في ميدان «تايمز سكوير» في قلب حي مانهاتن بنيويورك، تحت عنوان «توت عنخ آمون والعصر الذهبي للفراعنة»، ويضم المعرض مجموعة أخرى من مقتنيات «الفرعون الذهبي». وتضم المجموعة 55 قطعة أثرية، ترجع إلى عهد الفرعون الشاب نفسه، بالإضافة إلى 100 قطعة أخرى تمثل الحياة المصرية القديمة، وتعكس الشأن المصري القديم (الفرعوني) في مختلف مجالاته، واستعين بها من مقتنيات المتحف المصري في وسط القاهرة.

ووفق التقرير الذي تلقاه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، الدكتور زاهي حواس، من الوفد الأثري المرافق للعجلة، فإنها وصلت إلى نيويورك بسلام، وحظيت باستقبال حافل من جانب الجمهور والجهات الأميركية المسؤولة، «كما هو الحال في الإقبال الكبير الذي يشهده معرض توت عنخ آمون، المقام في مدينة نيويورك». وفي هذا السياق، استبق حواس خروج العجلة لأول مرة من مصر، فدعا الأميركيين لزيارة المعرض ومشاهدة هذه القطعة، وذلك بعدما «حانت لهم فرصة العمر ليروا شيئا غاية في الأهمية، ضمن ممتلكات الملك الذهبي».

ولم يبد الدكتور حواس في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» مخاوفه من الحالة التي يمكن أن تؤول إليها العجلة جراء مشاركتها في المعرض. ويؤكد أنه سيرافقها أثري ومرمم لمتابعة حالتها، وأنها خرجت وفق إجراءات احترازية لحمايتها من أي سوء.

هذا، وتعتبر العجلة المشاركة في المعرض واحدة من خمس عجلات أخريات، عثر عليها البريطاني السير هوارد كارتر في الركن الجنوبي الشرقي من الحجرة الجانبية لمقبرة «توت عنخ آمون» ضمن الأثاث الجنائزي للملك الشاب، الذي كان كارتر قد اكتشفه يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1922، في وادي الملوك، على البر الغربي في مدينة الأقصر، بجنوب مصر.

وعلى الرغم من أن القوانين المصرية لا تسمح بخروج القطع الأثرية الفريدة خارج البلاد للمشاركة في معارض أثرية أو غيرها، فإن مسؤولي الآثار المصريين يؤكدون أن هناك نظيرا لهذه العجلة، وأنها ليست من القطع الفريدة، كما أن خروجها من البلاد جاء بموافقة مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار.

ومن ناحية أخرى، يرجح الأثريون أن يكون الملك «توت» قد وقع من فوق هذه العجلة، ولقي حتفه، مما يجعل ضمها إلى معرض الآثار المصرية في نيويورك أمرا غاية في التشويق.

وكان كارتر قد وصف العجلة بعد اكتشافه إياها بأنها «ذات تكوين خفيف مفتوح. وربما كان (توت) يستخدمها في التدريبات». وحقا تتميز العجلة بخفة وزنها وانعدام الزخارف عليها، كما أنها مفتوحة من الجانبين، بينما تبدو إطارات العجلة تالفة تماما. ويرجح الأثريون أن «توت» كان يستخدمها في رحلات الصيد. ولقد أجريت مؤخرا فحوص بالأشعة المقطعية والحمض النووي الريبي على مومياء الفرعون الشاب، واكتشف أنه أصيب بحادث قبل وفاته بساعات قليلة، وهو ما أدى إلى حدوث كسر في ساقه اليسرى.

الجدير بالذكر، أن تنظيم معرض الآثار المصرية في نيويورك، يأتي بعد إقامته في متحف الفن بأونتاريو الكندية، خلال شهر نوفمبر الماضي، وأقيم تحت العنوان نفسه، الذي يقام تحته حاليا في نيويورك. وكذلك، سبق لهذا المعرض أن تجول في عدد من المدن الأوروبية، منها العاصمة الألمانية برلين، والعاصمة النمساوية فيينا، ثم بازل في سويسرا، فالعاصمة البريطانية لندن، وسط حملات دعاية مكثفة، بجانب ما حققه من زيارات مليونية.

وكذلك تجدر الإشارة إلى أنه تم إجراء التأمين على موجودات المعرض، أي القطع الـ155 بمبلغ 550 مليون دولار، على أن تزيد قيمة التأمين بنسبة 5 في المائة، بعد عرض العجلة، كما تم الاتفاق على أن تسدد الجهة العارضة لمصر قرابة 4.5 مليون دولار، وتقديمها لخطاب ضمان بنكي صادر عن أحد البنوك المصرية، يشهد بأن البنك المختص سيقوم بسداد المبلغ لمصر في حال تعذر على الجهة العارضة سداده.

أيضا ستقدم الجهة العارضة مبلغ مليون دولار إضافيا في حال وصول عدد زوار المعرض إلي 700 ألف زائر، ومليون دولار أخرى عن كل 100 ألف زائر إضافي، في المدن التي سيزورها المعرض في المدن الأميركية الأخرى، بعد مغادرته نيويورك.

ولقد وافق الجانب المصري على تحمل الجهة العارضة جميع التكاليف المتعلقة بالمعرض في كل مدينة أميركية، بما في ذلك تكاليف إقامته وطبع الكتالوجات و«فترينات» العرض والتعبئة والتغليف وإعادته والنقل بين البلدين، وداخلهما، والتأمين والحراسة، حتى عودة القطع الأثرية إلى القاهرة.

وللعلم، فإن حجم المعروضات الحالية لمعرض «توت عنخ آمون» يفوق ضعفي حجم المعرض السابق الذي جال في الولايات المتحدة، خلال عقد السبعينات من القرن الماضي. وتولت مؤسسات أميركية وكندية تحمل شحن القطع الأثرية المصرية من كندا إلى الولايات المتحدة، في الوقت الذي ستخصص فيه حصة المجلس الأعلى للآثار من الأرباح لبناء المتحف الكبير الجاري تشييده في صحراء القاهرة ـ الإسكندرية ـ الفيوم، وصيانة الآثار العتيقة الأخرى مثل الأهرام وأبوالهول. ويتوقع المنظمون أن يصل عدد زوار المعرض، الذي سيبيع التذاكر بأسعار لم يسبق لها مثيل من حيث ارتفاعها، إلى ثلاثة ملايين زائر، ومن المتوقع أن يتراوح سعر التذكرة بين 15 و30 دولارا للشخص البالغ.

«توت عنخ آمون»، كما تشير المعلومات التاريخية المتعلقة به، حكم مصر قبل ثلاثة آلاف سنة وتحديدا في عام 1348 ق.م. عندما كان في الثامنة من عمره، وحكم لمدة 11 سنة، حتى موته الغامض في سن التاسعة عشرة. وتوصل الأثريون، برئاسة زاهي حواس، عام 2005 إلى أن «توت» لم يمت مقتولا، وتوصلت الأشعة المتخصصة إلى صورة لوجهه بالحاسب الآلي، لكن بعض الخبراء اعتبروا أنه وصف غير دقيق، وأن ما أمكن التوصل إليه من نتائج تصل نسبة دقته إلى 60 في المائة فقط.

ومع هذا، فقد اتفقت النتائج على انعدام أي دليل على اعتداء حدث في مؤخرة رأس الفرعون الشاب، كما كان يتردد، وأن الفتحة التي سبق اكتشافها في جسده، كانت بواسطة المحنطين أنفسهم، وكان ذلك أسلوبا للتحنيط في عهد الأسرة الـ18 الفرعونية.

وترجع أهمية جبانة الملك «توت عنخ آمون» في البر الغربي، إلى كون كنوزها ترجع إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة، أزهى عصور مصر القديمة، وفي هذا العصر انفتحت البلاد على أقاليم الشرق الأدنى القديم، بفضل الحملات العسكرية والعلاقات التجارية، وراج تصدير واستيراد المواد والمنتجات المصنعة، ونشط أهل الحرف والفنانون، وقويت العلاقات الثقافية بين مصر وجيرانها، وخاصة مع أقاليم الشام وبحر إيجة.

ومع اكتشاف كنوز «الفرعون الذهبي» ظهرت للعلماء حقائق جديدة حول حياة الفراعنة اليومية والأدوات والمعدات الحربية، فضلا عن رموز أخرى وتماثيل للمعبودات تتعلق بدفن الفرعون، وما كان يؤدى له من شعائر، بالإضافة، إلى أن هذا الكنز كشف تفاصيل كانت غامضة عن حياة «توت»، وكيف كان شغوفا بالصيد، وعلاقته السعيدة بزوجته «عنخ إسن آمون» وحاشيته الذين زودوه بتماثيل الأوشابتي.