حمى الضنك.. تهدد السياحة في ولاية فلوريدا

انتقلت من زائر مصاب بالفيروس أو من «بعوضة سياحية مصابة»

أفضل وسيلة لمكافحة مرض حمى الضنك هي مكافحة البعوض الناقل له («نيويورك تايمز»)
TT

تعاني ولاية فلوريدا الأميركية التي تشتهر بمعالمها السياحية، وخصوصا في الصيف، من انتشار عدوى حمى الضنك، التي تنتقل عبر البعوض، وذلك في أول حالة انتشار كبيرة منذ الثلاثينات من القرن الماضي.

وأعلنت السلطات الصحية في الولاية إصابة سائح زائر لمنطقة كي وست يوم الاثنين الماضي. وبهذا يصل عدد المصابين بالفيروس منذ شهر يوليو (تموز) الماضي في هذه المنطقة إلى 24 شخصا. وتتحسن أحوال أكثرهم بعد أسبوع أو أسبوعين من الإصابة.

إن حمى الضنك هي مرض فيروسي ينتقل عن طريق البعوض ويتسبب في حدوث حمى وصداع وآلام جسدية وطفح جلدي. وقد تكون أعراض المرض خفيفة أو حادة، وقد لا تظهر أي أعراض عند البعض. وقد رصدت حمى الضنك في جزيرة كي وست، إلا أن عدد المصابين بها لا يمثل حالة وبائية.

وتعتبر هذه الحالات أول ظهور لحمى الضنك في فلوريدا منذ عام 1934. ويخشى بعض خبراء الصحة أن يعود المرض، الذي كان منتشرا في فترة من الفترات على السواحل الشرقية، إلى الظهور من جديد.

وتنتشر الأوبئة في بعض أجزاء البحر الكاريبي وأميركا الوسطى حاليا، ولم يسافر أحد من المصابين بالحمى في كي وست إلى خارج الولايات المتحدة، وهذا يعني أنهم أصيبوا بالفيروس داخل البلاد.

وقد أثارت أخبار المرض قلقا واضحا بين عدد قليل من الزوار المحتملين للمدينة. لكن مسؤولي شركات السياحة وأصحاب الأعمال انزعجوا كثيرا من الطريقة التي أعلنت بها الإدارة الفيدرالية لمراكز مراقبة الأمراض والوقاية عن الأمراض، حيث أعلنت أن الأدلة تشير إلى أن 5 في المائة من سكان كي وست تعرضوا لفيروس الضنك مؤخرا. واعتمد التقرير حينذاك على اختبارات لعينة من 240 شخصا من سكان كي وست، التي أظهرت إصابة 13 من المشاركين في العينة بالمرض.

وكانت تلك الأخبار آخر شيء تحتاج إليه المدينة، فقد جعلت السياحة التي تمر بحالة ركود معتاد في الصيف تسوء أكثر، حيث تسبب التسرب النفطي في خليج المكسيك أيضا إلى عزوف البعض عن زيارة كي وست على الرغم من أن النفط لم يقترب منها.

وأشار روبرت إيادي، مدير إدارة الصحة، إلى أن تقرير مراكز الوقاية كان «مقلقا للغاية». وأعرب عدد من المسؤولين المحليين عن انزعاجهم من استخدام مراكز الوقاية لـ240 شخصا فقط لتقدير معدل التعرض للمدينة بأكملها، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 25000 شخص.

ولكن العلماء المشاركين في البحث أصروا على روايتهم. فقد أكد الدكتور هارولد مارغوليس، رئيس فرع مرض حمى الضنك بمراكز الوقاية في بورتوريكو، أنه من الناحية الإحصائية، من الصحيح علميا استقراء نتائج من الـ240 شخصا الذين تم اختبارهم. وأضاف: «بشكل ما الفيروس يقترب من هذه المنطقة».

وربما يكون الفيروس قد انتقل إلى المدينة بعد انتقاله من زائر مصاب بالفيروس إلى البعوض المحلي، أو وصول بعوضة تحمل الفيروس على متن طائرة أو سفينة سياحية. وينتشر بعوض الآييدس، الذي يمكن أن يحمل فيروس حمى الضنك، في مدينة كي وست.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن سكان كي وست يشعرون بالقلق من أن تشوه صورتهم، ولا سيما أصحاب الشركات. فقد وافق أحد أصحاب المطاعم هناك، الذي كان مصابا بحمى الضنك قبل عام، على إجراء مقابلة معه شريطة عدم الإفصاح عن هويته، لأنه يعتقد أن الخوف من المرض قد يمنع الزبائن من زيارة مطعمه، على الرغم من أن الفيروس لا ينتقل عن طريق الطعام أو الاتصال الشخصي. وقال إنه عانى من أعراض تشبه البرد الخفيف لنحو خمسة أيام. ولم يكن يعلم أنها حمى الضنك حتى طلب العاملون في مجال الصحة منه إجراء فحص. وأوضح أنهم طلبوا منه ألا يكون عرضة للإصابة مرة أخرى، لأنه توجد أربع سلالات مختلفة من الفيروس، والذين تصيبهم إحدى هذه السلالات، ثم يصابون بعد ذلك، يمكن أن تتطور حالتهم إلى درجة أكبر من الخطورة التي يمكن أن تتسبب في حدوث نزيف أو حتى الموت.

ويشير الدكتور بيتر جي هوتز، خبير الطب الاستوائي في جامعة جورج واشنطن، إلى أنه توجد احتمالية «كبيرة جدا» لوصول حمى الضنك إلى ساحل الخليج (خليج المكسيك)، حيث تكون أنواع أخرى من البعوض الآييدس التي يمكن أن تحمل الفيروس. وتوقع هوتز أنه إذا وصل المرض إلى هناك فسيضرب الفقراء بقوة، وذلك لأن الكثير منهم ليس لديهم ستائر أو مكيفات هواء، ولا يوجد لقاح. ويقول هوتز: «أعتقد أن التهديد حقيقي للغاية. ونعلم أن مراكز الوقاية بصدد غلق قسم حمى الضنك». وقد أكدت مراكز المرض أن ميزانية 2011 لا تتضمن تمويلا لقسم الأمراض «المنقولة عن طريق الحشرات»، الذي يتابع حمى الضنك وفيروس غرب النيل والطاعون والتهاب الدماغ وغيرها من الأمراض التي تنقلها الحشرات.

وقال الدكتور علي خان، نائب مدير المركز الوطني للأمراض المعدية الناشئة والمتوطنة، إن على مراكز الأمراض تخفيض ميزانيتها، وإن فرع الأمراض «المنقولة عن طريق الحشرات» أحد هذه المراكز. لكنه قال إنه يمكن استخدام أموال أخرى لتمويل بعض الأعمال التي يقوم بها هذا الفرع. وقد وقعت أكثر من اثنتي عشرة منظمة طبية على رسالة إلى الكونغرس تطالب فيها بإعادة هذه الأموال.

وفي الوقت نفسه، يحاول المسؤولون تهدئة مخاوف العامة في كي وست ويسعون جاهدين لوقف انتشار المرض. وأفضل طريقة لمكافحة هذا المرض هو مكافحة البعوض الناقل له من خلال رش مبيدات وإجراءات أخرى.

وقد تم إرسال مفتشي مكافحة البعوض إلى الأحياء التي بها حالات مشتبه فيها. ويتعامل هؤلاء المفتشون في بعض الأحيان مع منازل شاغرة، لأن كي وست، مثل الكثير من المدن، تعرضت فيها الكثير من المنازل للمصادرة بسبب أزمة الرهن العقاري. وقد نصح المفتشون منسقي الحدائق بأن يتركوا سمك المونو في البرك، حيث يتغذى على يرقات البعوض. وبدأت المدينة في بث برنامج تلفزيوني أسبوعي عن البعوض لدفع السكان إلى محاربة هذا البعوض.

وفي مقبرة كي وست الرئيسية، حيث ضريح روبرتس من شركة «بريتش بتروليوم» (الذي توفي عام 1979) ما يلي: «قلت لكم إنني مريض»، وضعت عشرات من «صائدات البعوض» - وهي عبارة عن أكواب بلاستيكية سوداء بها سم لقتل إناث البعوض وبيضها - مختلطة بين أوعية وزهريات. وتضم خطط العام القادم إنتاج ذكور بعوض عقيمة لمنع أقرانها من التكاثر.

وقد نفذ عدد من سكان كي وست هذه النصائح كاملة. وسيرت مجموعة تطلق على نفسها اسم « Dengue Night Fever» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي موكبا ضم شبيها لجون ترافولتا، وتابعين يحملون أجنحة بعوض عملاقة.

ومن خلال عدد من المقابلات أجريت مؤخرا في احتفال غروب الشمس ليلا في ساحة مالوري، تبين أن السياح ليس لديهم دراية بالأمر. وكان لينوود دين (31 عاما) وعائلته من ولاية بنسلفانيا في زيارة لمدة ثلاثة أيام. وقد لدغت لينوود بعوضة من ذراعه. وأضاف: «إننا لم نسمع أي شيء حيال ذلك. إننا نستمتع بوقت رائع».