الطريقة الطاوية في معرض شامل وفريد تستضيفه العاصمة الفرنسية

رحلة نادرة مع الفن والفلسفة

TT

ربما هي واحدة من المرات القليلة والنادرة التي يخصص فيها معرض منفرد ووحيد للطريقة الطاوية في انعكاساتها الفنية والفلسفية والروحية. وهذا المعرض بشمولية استثنائية في عرضه جوانب هذه الثقافة الصينية القديمة تحتضنه حاليا واحدة من أكبر صالات المتحف الوطني في العاصمة الفرنسية، باريس.

يمكن التعرف بحق على هذه الطريقة الروحية الفنية التي تمتد في زمنها إلى بدايات ما يعرف بالجنوح نحو الفنون للتعبير عن مكنونات الأفكار والحضارات الإنسانية، مثلما كان حاصلا في الحضارات التي سكنت بلاد الرافدين (العراق) وانعكست أيضا في الحضارة المصرية القديمة.

هنا، ربما ثمة ما يختلف قليلا عن الآثار الموجودة فنيا لدى المصريين القدماء وحتى في بلاد الرافدين. فالأعمال الموجودة في المعرض الصيني تعود إلى الفترة الممتدة بين القرنين الميلاديين الحادي عشر والسادس عشر. وهذا ما يعني فعليا أن ثمة كمّا من الأعمال التي سبقت هذه المرحلة لم يعرض أو غير قابل للعرض ولا يتحمل مجازفات السفر، أو أنها غير موجودة كمجموعات قادرة على التعبير عن ثراء الفن الطاوي في مراحله المتعددة. وهذا، رغم أن هذا الفن الروحي المرسوم على لفافات حريرية لا يزال يحافظ على نضارته رغم مرور عدة قرون عليه.

الواقع، أن المعرض الصيني هذا يشهد، إلى جانب الأعمال الفنية المعروضة، عدة نشاطات تأخذ طابعا تعريفيا بالفنون الطاوية بشكل خاص، وأخرى تنحو باتجاه التعريف بالفلسفة الطاوية التي تتشابه مع مثيلاتها الكونفوشية والبوذية، في تكريس رؤية روحية وقدسية عن العالم بكل مكوناته وحيثيات وجوده استنادا إلى نظرية «الثنائية» بين الامتلاء والفراغ، والسلب والإيجاب، والأبيض والأسود. وهي إذن رؤية وتصور فكري فلسفي للعالم يتبعه كثيرون، خصوصا في شرق آسيا.. القارة الأكبر في العالم.

وهو، بحسب المتابعين، مناسبة مهمة لناحية التعرف على هذه الحضارة الفلسفية الروحية بمكوناتها الإنسانية الحقة. فالفنان هنا لا ينعزل عن العالم الخارجي لكي يكوّن لوحته ويبنيها لبنة لبنة ومرحلة تلو أخرى. بل هو، ينعزل انعزالا تاما عن ذاته أيضا ليصل إلى المرحلة التي تسبح فيها الذات في مكونات وحيوات عليا، وعلى من يقوم بهذه الرحلة، أن يوحد ذاته مع الطبيعة المحيطة به بكامل صمتها ليولد منها الانعكاسات التي تتولد تباعا في رؤيته لها.

هذه القدرة على نقل الطبيعة وفق صورة شفيفة عنها، يمثل من ضمن ما يمثل ذروة الشفافية مع الذات ومع الطبيعة على حد سواء، وهو ما يجعل الأقمشة الحريرية التي هي نتاج طبيعة محيطة أيضا قائمة على التوالد والموت، قادرة على الامتصاص النهم للألوان.. كما لو أنها أيضا بشكل مماثل تتحد مع نفسها أو تهيئ نفسها للتواصل مع المادة التي انتزعت منها. وفي هذا دورة متكاملة روحية ونفسية وجسدية لا تني تذكّر بحقيقة المعتقدات التوحيدية التي تقول بأن الإنسان مخلوق طيني. وما دورته في العالم من الولادة وحتى الموت إلا تأكيد على أنه يخرج من التراب ويعود إليه. لكنها هنا في لوحة تختزن علاقة الإنسان نفسه بما يحيط به من العالم بكل مكوناته.