إلهام المدفعي لــ«الشرق الأوسط»: عبرنا بثقافتنا الشرقية جسر الموسيقى إلى الغرب

برنامج «البرومز» الموسيقي العالمي يقدم مطربا عراقيا على صالة «رويال ألبرت هول» في لندن لأول مرة

إلهام مدفعي
TT

في إنجاز هو الأول من نوعه، يستضيف مهرجان «البرومز» Proms الموسيقي العالمي الذي تنظمه سنويا هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية الـ(بي بي سي) الفنان العراقي إلهام المدفعي ليقدم حفلا غنائيا على قاعة «رويال ألبرت هول» الملكية بوسط لندن يوم الاثنين المقبل.

المدفعي سيكون أول موسيقي ومطرب عربي يشارك في هذا البرنامج أو المهرجان الموسيقي الذي يستضيف كبار الموسيقيين في العالم كما تقدم فيه الفرق السيمفونية، وخاصة فرقة الـ«بي بي سي» السيمفونية، إذ تعزف هذه الفرق مقطوعات وسيمفونيات لمؤلفين كلاسيكيين أمثال بيتهوفن وموتسارت وباخ وفيفالدي وتشايكوفسكي وريمسكي - كورساكوف وغيرهم.

وكان المدفعي قد شارك في مهرجانات موسيقية عالمية في مدن مختلفة من خريطة المعمورة، وأشهرها مهرجان «وومد» البريطاني ومهرجان «روتس» في هولندا الذي تتدافع الفرق إليه لتنال شهرة عالمية واسعة. لكن المدفعي دعي إلى هذا المهرجان «لتعريف الجمهور الأوروبي بالموسيقى الشرقية الممزوجة بالآلة الغربية»، كما غنى على مسارح بغداد وباريس ولندن والقاهرة وبيروت ودمشق وتونس وعمان وأربيل.

وحده المدفعي استطاع أن يمزج روح الشرق بموسيقى الجاز بتلك العذوبة والانسيابية والتناغم الهارموني. بل ذهب بعيدا إلى أعماق تاريخ الغناء والأصالة عندما اختار ومنذ نهاية الستينات توزيع أصول المقام العراقي على آلات موسيقية غربية مثل القيثارة والطبل (الدرامز)، وفي مرحلة لاحقة مزج بين الآلات الموسيقية نفسها فأضاف القانون وآلة «الجوزة» التي يعود تاريخها إلى خمسة آلاف عام في حضارة الموسيقى البابلية والناي، وغنى على أنغام هذه الآلات أغاني «فوق النخل» و«التفاح» و«أسمر أبو شامة» و«ون يا قلب» و«يا زارع البزرنكوش».. وغيرها من الأغاني والمقامات والمواويل، فيما اعتبر ذلك ثورة في الموسيقى العراقية.

المدفعي وصف لـ«الشرق الأوسط» مشاركته في مهرجان «البرومز» وتقديمه لحفله الغنائي على واحدة من أشهر الصالات العالمية الـ«رويال ألبرت هول» بـ«الإنجاز الكبير للموسيقى العراقية خاصة والعربية عامة، هذه فرصة مضافة لأن يستمع الجمهوران الغربي والعربي في العاصمة البريطانية لأغان عراقية مع موسيقى يتداخل فيها الشرقي والغربي».

في أواسط الستينات من القرن الماضي جاء المدفعي إلى لندن لدراسة الهندسة، لكنه اتجه إلى الموسيقى، وواصل المشوار الذي كان قد بدأه في فتوته ببغداد، وأبهر عشاق الموسيقى في لندن عندما غنى لهم المقام العراقي بروح الجاز الغربي، سرعان ما انتشرت أغانيه بين الشباب.

وهو يقول: «عندما بدأت مشواري الفني في الستينات كانت هناك ثورة ثقافية كبيرة تعم العراق والعالم كله، ففي العراق تطورت العمارة وتغيرت أشكالها على يد المعماريين من جيل الستينات، أمثال قحطان المدفعي وغيره، بينما كانت قصائد السياب والشعر الحر الذي فجر ثورته بوجه الشعر العمودي تحفظ عن ظهر قلب من قبل عشاق التغيير، وهذه الثورة الثقافية امتدت إلى الرسم والنحت، خاصة بعد أن ارتفع نصب الحرية للفنان جواد سليم وسط بغداد معلنا عن عصر جديد للفن العراقي، عند ذاك تساءلت لماذا لا يمكن إحداث ثورة في الموسيقى، نعم نحن نحترم تراثنا الموسيقي فقد تتلمذنا عليه، ولكن هل يجب أن تبقي القوالب والمقامات التي هي أساس الموسيقى الشرقية ذاتها؟ ألا يمكن أداؤها بروح العصر؟ وهذا ما حدث بالضبط، إذ أمسكت بالقيثارة الهوائية وبدأت أعزف وأغني أغاني عراقية قديمة بروح حديثة». لكن هذه المحاولات لم تمر بهدوء بل ثارت بوجهها عواطف وجوبهت بقوة من قبل التقليديين، مثلما يحدث عادة في أي محاولة للتغيير. يقول المدفعي: «هناك من اعتبرني أني أدمر التراث، وأني دخيل على الموسيقى، مع أني أنحدر من عائلة بغدادية مشبعة بروح الثقافة العراقية، غالبية أشقائي مهندسون، وكنا نستضيف في بيتنا فرق الجالغي البغدادي وقراء المقام العراقي».

مغامرة المدفعي المدروسة بدقة هي التي أحيت الأغاني العراقية القديمة وزرعتها في نفوس الشباب الذين تناقلوها ورددوها ورقصوا على إيقاعاتها، وبذلك يكون المدفعي قد أسس أسلوبية جديدة ومدرسة متطورة في أسلوب الغناء.

يوضح المدفعي قائلا: «التراث يعتبر جزءا من حياتنا من حيث معاني الكلمات والموسيقى، وحتى الظروف التي تحيط بكل أغنية، وعمر هذه الأغاني أكثر من 70 سنة، ولأنها وصلت إلينا فهذا يعني أن هذه الأغاني تمتلك عناصر البقاء، وهي بالتالي ملك الجميع، أما أن نحصر هذا التراث الغني بمجموعة محددة وبقالب واحد فهذا خطأ كبير».

ويتحدث المدفعي عن تجربته في المزاوجة بين الآلة الغربية والشرقية فيقول: «الآلة الشرقية متميزة بنكهة الصوت، اليوم عندنا آلة الجوزة، والسنطور والقانون والناي، كلها آلات شرقية وتراثية، إن هذه الآلات الموسيقية بقيت مثلما هي تقنيا، لكن المهم هو من يعزف عليها، فالوتر إذا ضربته بقسوة يعطيك صوتا قاسيا، وإذا ضربته بحنان وإبداع فسوف يعطيك صوتا حنونا، الوتر هو أساس التقنية. في بداية انطلاقتي لم يكن للآلة الشرقية دور في الفرقة التي أسستها وقتذاك، كنا 4 عازفين فقط (غيتاران وباز وإيقاع) بعد ذلك فكرنا بأن نتسع ونعمق موسيقانا فأضفت في السبعينات آلة القانون ثم أضفت الناي والجوزة والإيقاعات، ونحن بهذه الطريقة عبرنا بثقافتنا الشرقية عبر جسر الموسيقى إلى الغرب».

يصف بول برغر، مدير شركة «سوهو آرتيست» موسيقى وأغاني المدفعي بمثابة «الجسر الذي يربط بين ثقافتي الشرق والغرب»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» التي التقته بمكتبه في لندن: «أنا أدير حفلات المدفعي منذ سنوات طويلة، وأجد موضوع اختياره لبرنامج (البرومز) هو نصر لموسيقاه وإنجازاته وللموسيقى العربية ككل، فهو يقدم أغاني قادمة من بلاد الشرق بروح شرقية متطورة مع الفلامنكو غيتار (الغيتار الهوائي) لينشرها بين عشرات الآلاف من المستمعين، فنحن نحب أغانيه وموسيقاه حتى وإن لم نفهمها، وعالمنا اليوم بحاجة إلى جسور تربط بين موسيقى الشرق والغرب عبر صوت واحد».

من ناحية أخرى، يرى نجل إلهام، محمد المدفعي، وهو إعلامي وله برامج إذاعية ناجحة في عمان، ومدير أعمال والده، بأن «الجيل الجديد بحاجة إلى أغان حقيقية وليست مجرد فقاعات تنفجر وتنتهي حالما تخرج، لهذا أجد أغاني المدفعي التي استمتعت بها أجيال من عشاق الموسيقى تجمع بين روح العصر وأصالة الغناء والطرب الذي يحتوي على الكلمات ذات المعنى الجميل، والموسيقى والألحان المبنية وفق أساليب تجعلها باقية ولن تنسى».

يقدم المدفعي في حفلته على الـ«رويال ألبرت هول» عازف العود الشاب خيام اللامي الذي تدعمه الـ«بي بي سي» ليعزف بعض المقطوعات، كما سيشارك بالعزف مع المدفعي.

ومن الأغاني التي سيقدمها المدفعي: «خطار» و«شباك» و«أشقر أبو شامة» و«مالي شغل بالسوق» و«شل شل علي الرمان» وأغان أخرى حديثة قال إنها ستكون مفاجأتي للجمهور.