متحف الفن الإسلامي في القاهرة.. يستقبل جمهوره بحلة جديدة عقب عيد الفطر

يضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية نادرة وشاركت في تطويره 14 دولة

المتحف يضم تحفا نادرة وسجادا وأعمال خزف وخشبا وقطعا حريرية وقطنية تنتمي إلى كل عصور الإسلام في مصر (إ.ب.أ)
TT

يشكل المتحف الإسلامي في القاهرة بانوراما حية للتاريخ الإسلامي، بل يكاد يكون الأول من نوعه عالميا لتفرده بعدد القطع الأثرية الإسلامية النادرة التي تبلغ 102 ألف قطعة أثرية نادرة تمثل الحضارة الإسلامية منذ فجر الإسلام وحتى نهاية العصر العثماني.

ومع إعادة افتتاح المتحف المقرر لها عقب عيد الفطر المبارك في سبتمبر (أيلول) المقبل بعد إعادة تطويره، سوف يتفرد بتنوع محتواه الأثري وغناه؛ إذ يضم قطعا من الخشب والجص والمعادن والخزف والزجاج والمنسوجات، يعود أصلها إلى جزيرة العرب وأخرى تركية وفارسية ومغربية وهندية وصينية.

ترجع فكرة إنشاء المتحف الإسلامي إلى عهد الخديوي إسماعيل الذي قرر جمع التحف الإسلامية النادرة، وفي عهد الخديوي توفيق تم تجميع هذه التحف في الإيوان الشرقي من جامع الحاكم بأمر الله، وفي عام 1881 صدر مرسوم خديوي بتشكيل لجنة لحفظ الآثار العربية، وتم إنشاء مبنى في صحن الجامع بعدما ضاق الإيوان بمقتنياته من التحف في مسجد الحاكم، وتم البحث عن مكان لتشييد مبنى آخر فوقع الاختيار على مساحة من الأرض مطلة على ميدان باب الخلق بالقرب من القاهرة الفاطمية، وتم وضع أساس صرح ضخم قسم إلى جزأين؛ الشرقي منهما خصص لـ«دار الآثار العربية»، وشغل الجزء الغربي «الكتبخانة»، وكما هو معروف تاريخيا، فإن المتحف ظل يعرف حتى منتصف القرن الماضي باسم «دار الآثار العربية»، إلى أن أطلق عليه «متحف الفن الإسلامي» نظرا لأنه يضم تحفا نادرة وسجادا وأعمال خزف وخشبا وقطعا حريرية وقطنية تنتمي إلى كل عصور الإسلام في مصر، وقد افتتح المتحف لأول مرة في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1903.

وقد زادت محتويات المتحف عن طريق «هبات» تبرع بها أبناء الأسرة العلوية أمثال الملك فؤاد الذي قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات والأختام، كما زود الأمراء؛ محمد علي ويوسف كمال وكمال الدين حسين ويعقوب آرتين باشا وعلي إبراهيم باشا، المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيراني والتركي والخزف والزجاج العثماني.

خضع المتحف لعملية تطوير شاملة بدأت منذ 8 سنوات، وتكلفت مراحل تطويره 90 مليون جنيه (نحو 16 مليون دولار) ساهمت فيها 14 دولة عربية وإسلامية، واستهدفت عملية تطوير المتحف الحفاظ عليه كقيمة تاريخية نظرا لما يضمه من كنوز أثرية ومخطوطات علمية وقطع أثرية ولوحات تحكي التاريخ الإسلامي عبر حقب تاريخية متفاوتة موزعة على 25 قاعة عرض داخل المتحف، ويلاحظ زائر المتحف أنه تمت تهيئة قاعاته وفقا لتسلسل الحقب الإسلامية التاريخي ليتمكن زائره من تتبّع تطور القطع الفنية عبر مرور الزمن، حيث تم تقسيم المتحف تبعا للعصور المختلفة من الأموي والعباسي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني، وتقسيم عناصره الفنية إلى 10 أقسام وهي: المعادن، والعملات، والأخشاب، والنسيج، والسجاد، والزجاج، والزخرف، والحلي، والسلاح، والأحجار، والرخام. كما يضم العرض داخل المتحف قسمين؛ يمثل الأول الفن الإسلامي في مصر ويأخذ الجناح الشمالي، بينما خصص الثاني للتحف التي تمثل تاريخ الفن الإسلامي في الأناضول وإسبانيا والأندلس.

وقد أعدت حديقة المتحف بالشكل الذي يتناسب مع تاريخه، فضلا عن تهيئة المنطقة المحيطة به من خلال تطوير شارع الأزهر وتغيير أسواره الخارجية، واستبدال جميع الأعمدة الكهربائية في منطقة المتحف لتحل محلها أخرى تتماشى مع الطراز الإسلامي، وتمت إقامة قاعات لبيع الهدايا، وقاعة لكبار الزوار، وتم تزويد المتحف بوسائل تأمين حديثة لحمايته من السرقة، وتأسيس مبني للإدارة مكون من أربعة أدوار.

يتمكن زائر المتحف من مشاهدة مجموعة نادرة من المنسوجات والأختام والسجاد الإيراني والتركي والخزف والزجاج العثماني ومجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي كانت تستخدم في العصور الإسلامية المزدهرة، إضافة إلى أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة، وأدوات قياس الزمن مثل الساعات الرملية، ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، ومجموعة الخزف المصري والفخار من حفائر الفسطاط، والخزف ذي البريق المعدني الفاطمي، ومجموعة من أعظم ما أنتج الفنان المسلم من أخشاب من العصر الأموي.

كما يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، وأفاريز خشبية من مسجد عمرو بن العاص تعود إلى عام 212 هجرية، وأخشاب من العصر العباسي والعصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه التي تسمى «طراز سامراء» وهو الذي انتشر في العراق.

وأندر ما يتضمنه المتحف الإسلامي من التحف المعدنية ما يعرف بـ«إبريق مروان بن محمد» نسبة إلى آخر الخلفاء الأمويين، وهو يمثل آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي؛ إذ صُنع من البرونز ويتخذ شكلا كرويا منتفخا ينتهي بقاعدة في أسفله، والجسم مزخرف بعدة حيوانات في أوضاع مختلفة، والبعض منها يجلس وحيدا وتحيط به زخارف نباتية، بينما البعض الآخر في وضع المواجهة أو الدوران بعضها حول بعض، وجميع هذه الزخارف صممت تحت قبو في شكل هلال محمول على أعمدة، وللإبريق مقبض فاخر وصنبور جميل بشكل ديك يصيح ويظهر أسلوب الزخرفة الذي صمم به البدن والديك والريش وبقية الأطراف. كما يضم المتحف «دينارا من الذهب» ترجع أهميته إلى كونه أقدم دينار إسلامي، عليه شعار «الببر» الذي يرمز للسلطان بيبرس البندقداري.

ومن ضمن المخطوطات النادرة في المتحف مصحف نادر من العصر المملوكي، وآخر من العصر الأموي مكتوب على رق الغزال. ويضم المتحف أيضا «زهرية صنع أبو العز» تميزت بزخارف على عنقها الطويل، ويربط مقبضان بين الرقبة وبقية الجسم، بينما ازدانت المساحة بين هذين الجزأين بزخارف من أشكال متعرجة، والجزء السفلي من الجسم مقسم إلى مقطعين بواسطة زوجين من الخطوط، و«زهرية طقز تمر» وهي زهرية من النحاس الأحمر المطعم بالذهب والفضة بجسم ذي شكل كمثري يتصل في أدناه بقاعدة وفي أعلاه بعنق مخروطي يتسع عند الفتحة، ويزين العنق شريط بنقش كتابي من الخط النسخ يحتوي على اسم وألقاب الأمير طقز تمر الساقي، بالإضافة إلى «آنية طبية» مصنوعة من الزجاج ذات بدن قريب الشبه من الشكل المخروطي ولها رقبة أسطوانية الشكل.

في المتحف أيضا «باب خشبي» بمصراعين في كل منهما سبع حشوات وتعلو الباب زخارف بأشكال نباتية ونقش مكتوب بالخط الكوفي، ويحمل اسم وألقاب الخليفة وتوجد تحت الحشوات المنقوشة بالكتابة أربع حشوات منحوتة بأشغال خشبية مشطوفة وتتميز هذه الحشوات باستخدام أوراق وبرية تأخذ شكلا كلويا، و«تنور السلطان حسن» وهو تنور من النحاس المزخرف بالتثقيب، أسطواني الشكل على هيئة خمسة طوابق أسفلها أرجله وأعلاها قمته المقببة، وجميع جوانب التنور مزخرفة بالتثقيب وتمثل أشكالا تشبه الأطباق النجمية، باستثناء الجزء الأوسط الذي على شكل شريط مصفح به نقش مكتوب نصه: «عز لمولانا السلطان الملك الناصر العالم العامل العادل الغازي المجاهد المرابط المؤيد المنصور سلطان الإسلام والمسلمين قاتل الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين ناصر الدنيا والدين حسن بن السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عز نصره»، بالإضافة إلى «درع من النحاس الأحمر» مطعمة بالذهب والفضة ومقسمة إلى جزء متسع من أعلى يضيق إلى أسفل والجزء العلوي عليه لفظ الجلالة «الله». و«شمعدان مخروطي الشكل» يتسع نحو القاعدة ويضيق إلى الأعلى وينتهي برفرف دائري مستدير من أعلى حيث تبرز من وسط هذا الرفرف رقبة الشمعدان.

حول التضارب في تاريخ بدء إنشاء المتحف الإسلامي، يؤكد الدكتور مجاهد توفيق أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر على أن فكرة بناء المتحف كانت في عهد الخديوي إسماعيل حيث أوكل إلى علي مبارك مهمة جمع الكتب والمخطوطات، بينما عهد إلى الفرنسي فرانس مفتش الأوقاف مهمة جمع الكنوز الأثرية التي تحكي التاريخ الإسلامي عبر حقبه المتفاوتة، إلا أنه لم ينفذ إلا في عهد الخديوي توفيق الذي أخذ المبادرة بجمع القطع الإسلامية في جامع الحاكم بأمر الله، في الوقت الذي تم فيه بناء المتحف في باب الخلق أثناء عهد الخديوي عباس حلمي الثاني. ويضيف: «إحياء التراث الإسلامي يعد مدخلا مبتكرا يتيح للغرب التعرف عن قرب على التاريخ الإسلامي، وتستطيع كل دولة إسلامية أو عربية التعريف بتاريخها وفنونها وثقافتها من خلال تراثها، كما أن الحفاظ علي التراث الإسلامي يثبت أن مقتنيات الأمة الإسلامية ليست مجرد قطع من الحجارة المتراصة التي تعبر عن مرحلة تاريخية معينة، وإنما أداة للتواصل والحوار بين الثقافات المتباينة».