علم الأعصاب واستراتيجيات لتسويق المنتجات وجذب المشترين

في دراسات عن سلوك البيع والشراء

أظهرت دراسة أن 30 في المائة من قرارات الشراء تأتي بناء على تفكير متأنٍّ، بينما 70 في المائة من قرارات الشراء تأتي بصورة تلقائية (أ.ف.ب)
TT

تتنافس وتتفنن شركات المنتجات الغذائية والمحلات التجارية للنجاح في طرح وتسويق منتجاتها وجذب المشترين والتأثير في دوافعهم للشراء لكسب ولائهم وعقولهم وأموالهم، وذلك بالكثير من الأساليب والاستراتيجيات الفعالة المبنية على حقائق ونظريات علمية، أحدثها استخدام علم الأعصاب في التسويق والدعاية والإعلان، وفي تحديد عمل المخ البشري والتأثير على سلوك المشتري وحواسه أثناء عملية الشراء.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الأسباب التي تدفعنا للشراء وما الذي يؤثر في قراراتنا الشرائية؟ هل هي الإعلانات اللافتة للنظر؟ أم الشعارات والرموز والعلامات التجارية الجذابة للمنتجات؟ أم أن قراراتنا الشرائية بعيدة عن أي مؤثرات خارجية وتنبع من وعينا الشعوري؟ وبمعنى آخر، هل قرارات الشراء تتخذ في العقل الواعي أم أن أعماق العقل الباطن هي المسؤولة عنها؟ وهل الحواس الأخرى غير البصر كالسمع والشم والتذوق واللمس تثيرنا وتدفعنا لاتخاذ قرار الشراء؟ وهل هناك اختلافات بين الرجال والنساء في دوافع وقرارات الشراء؟

يقول خبير التسويق العالمي مارتن ليندستورم - مستشار لأكثر من 100 شركة ومؤسسة شهيرة، ومؤلف لخمسة كتب من أكثر الكتب مبيعا ومترجمة إلى 30 لغة، وصنفته مجلة «التايم» عام 2009 ضمن أكثر 100 شخصية عالمية مؤثرة - في كتابه «علم الشراء: حقائق وأكاذيب عن لماذا نشتري»، الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، والذي قدم فيه نتائج مذهلة لدراسة رائدة عن تأثير علم الأعصاب في مجال التسويق والتأثير الباطني للإعلان، استغرقت ثلاث سنوات وتكلفت سبعة ملايين دولار، وتعد هذه الدراسة الأكبر من نوعها في العالم في مجال التسويق باستخدام علم الأعصاب، فقد تم التعرف فيها على ما يحدث داخل أدمغة 2000 متطوع من أنحاء العالم، شاهدوا دعايات وإعلانات وشعارات وعلامات تجارية متنوعة. والنتائج المذهلة للدراسة تلغي الكثير مما اعتاد الأفراد التسليم به عما يجذب انتباههم ويدفعهم إلى الشراء.

ويقوم الكتاب بجولة داخل عقول المستهلكين من خلال الكثير من القصص للتعرف على استجابات الأفراد المختلفة للعلامات التجارية الشهيرة، الأمر الذي يفيد متخصصي التسويق في كيفية كسب ولاء وأموال وعقول العملاء. يقول ليندستورم إن التسويق باستخدام علم الأعصاب في الدعاية والإعلان هو للتعرف على الأساليب التي تعمل والتي لا تعمل، ويكمن دور علم الأعصاب في التسويق في ما يقدمه للعقل الباطن، الأمر الذي يمكن جهات التسويق من توقع نجاح المنتج أو عدمه بصورة أكثر دقة، وبالتالي تجنب خسائر المنتجات التي قد لا تحقق نجاحا، فعندما ندرك فهم العقل الباطن يمكن للتسويق القائم على علم الأعصاب تفحّص كيفية عمل علامات المنتجات التجارية للمسوقين والمعلنين مع عقل المستهلك، وبالتالي نحصل على الكيفية الفعالة التي يمكن استخدامها لتحقيق النجاح للمنتج. وثمة حقيقة يشير إليها ليندستورم، وهي أن ثمانية من كل عشرة قرارات يتخذها المستهلك تكون فيها الكلمة الأخيرة للعقل الباطن وليس العقل الواعي، ومن ثم على الشركات إدراك هذه الحقيقة إذا ما أرادت الاستمرار.

جدير بالذكر أن استخدم علم الأعصاب في مجال التسويق، وهو ما يعرف بعلم التسويق العصبي (Neuromarketing)، أي دراسة استجابة المخ للعلامات والإعلانات التجارية وتحليل ردود الأفعال عن طريق أجهزة وتقنيات طبية مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) functional magnetic resonance imaging، وهي الطريقة التي دشنها عالم المخ والأعصاب الشهير البروفسور ريد مونتاغيو بقسم علم الأعصاب بكلية بيلور للطب في هيوستن بولاية تكساس الأميركية، في دراسته التي قام بها مع زملائه، وأخضع فيها 67 متطوعا (38 من الذكور و29 من الإناث) لعينات مختلفة من الإعلانات وصور المنتجات، والتي نشرت نتائجها في دورية «نيرون» في 14 أكتوبر 2004، حيث تمكن من رصد نشاط زائد في القشرة الوسطية لمقدمة الفص الجبهي للمخ - المنطقة المرتبطة بما نفضل - عند رؤية المستهلكين الصور التي أعجبتهم، فمن خلال التجربة قام بتطبيق تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي على مستهلكي منتج مشروب البيبسي والكوكاكولا، ومن خلال مراقبته لنشاط المخ مع كل منتج، وجد أن نشاط المخ يزداد في الجزء الذي يقوم بعمليات الإحساس بالطعم في حالة رؤية مشروب البيبسي، ولكن مع منتج الكوكاكولا يزداد نشاط المخ في القشرة الوسطية لمقدمة الفص الجبهي للمخ، الأمر الذي يدل على أن ولاءنا للسلع قد يكون بسبب تذوق طعم السلعة أو شكلها.

ويدافع مؤيدو أبحاث التسويق العصبي بالقول إنها تساعد على تلبية الحاجات الحقيقية للمستهلكين وفهم رغباتهم، فهي أفضل من أساليب أبحاث التسويق التقليدية التي تقوم على أبحاث السوق وسؤال عينات ممثلة للمستهلكين عما يريدون.

ويشير مارتن ليندستورم من خلال نتائج أبحاثة ودراساته إلى عدد من النصائح من أجل تسويق أفضل للمنتجات في الأسواق العالمية، من بينها: لا تقُم بتخفيض الأسعار، فقد أشارت الأبحاث إلى أن تخفيض أسعار العلامة التجارية أثناء فترة الركود يستغرق سبع سنوات لاسترداد مستوى السعر الأصلي، وأن تفكر في تقديم العروض مع منتجاتك بدلا من تخفيض الأسعار، بمعنى تقديم أشياء أو هدايا مجانية كإضافات مع منتجاتك الأساسية التي لا تخضع للخصم، ومن المهم أن تقوم بالتركيز على قوة علامتك التجارية، ولا تنفق المال على شعار جديد، فقط أنفق المال بحيث تكون أساليبك وإعلاناتك للتسويق أفضل. ومن بين النصائح أيضا التي يقدمها ليندستورم أن تقوم بإعداد تحالف استراتيجي مع منتجات أو علامات مماثلة، فهذا يساعد في توسيع رقعة تسويق منتجاتك، ومن الضروري أن تظهر مزايا وأبعاد منتجاتك التجارية، بمعني هل يدوم منتجك أو يبقى طازجا لفترات أطول، وهل يتميز باستخدامات متعددة.

وعن استراتيجيات بناء العلامة التجارية يشير ليندستورم إلى أن الأسلوب الأفضل لبناء العلامة التجارية لا يتوقف عند الشعار، ولا يمكن شراؤه، بل يتم بناؤه من خلال خدمة الزبائن وتحقيق آمالهم وتوقعاتهم، ويتم انتشاره من خلال أحاديث الأفراد، فالكلمات الصادقة والإيجابية الصادرة عنك هي أفضل أسلوب لبناء علامتك التجارية، التي تنمو وتزدهر من خلال ابتسامة زبائنك وهم يغادرون المحال التجارية.

وعلى صعيد آخر، نقل موقع «دويتشه فيله» الإلكتروني الألماني عن وكالة الأنباء الألمانية مؤخرا أن دراسة ألمانية حديثة كشفت عن اختلاف واضح في سلوك التسوق بين الرجال والنساء، ففي مقابلة أجرتها الوكالة قال البروفسور فيلي شنايدر، أستاذ علم التسوق، إن سلوك الرجل في التسوق يتميز بالسرعة، إذ يدخل المتجر ويحصل على ما يريد من بضائع ولو كانت كثيرة، ثم ما يلبث أن يغادر المتجر، ويشير شنايدر إلى أن مثل هذا السلوك يتميز به الأشخاص الذين يدخلون المتجر وقد حددوا ما يريدونه دون إجراء أي عمليات مقارنة بين الأسعار، ويرى شنايدر أنه على العكس، تحرص النساء على مقارنة الأسعار وجودة المنتجات. وقد أعد شنايدر وزميله ألكسندر هنيش كتابا عن «سلوك التسوق» مستعينين فيه بأبحاث طبية ونفسية، وضم الكتاب نتائج دراسة أظهرت أن 30 في المائة من قرارات الشراء تأتي بناء على تفكير متأنٍّ، بينما 70 في المائة من قرارات الشراء تأتي بصورة تلقائية، كما أشار الباحثان في كتابهما إلى الأسلوب الذي تتبعه المتاجر لجذب الزبائن، مثل وضع البضائع الترويجية عند المداخل، وتشغيل موسيقى هادئة بإيقاع يشبه النبض الإنساني، الأمر الذي يجعلنا نتحرك لا شعوريا ببطء لاستعراض البضائع، كما أظهرت نتائج الدراسة أن المستهلك الذي يستخدم بطاقات ائتمانية في دفع حسابات الشراء ينفق أكثر من المستهلك الذي يدفع حسابه نقدا، إذ إن مركز الألم في المخ البشري يكون أقوى تأثيرا عند الدفع النقدي عنه عند الدفع عبر البطاقة الائتمانية.