منطقة عسير: 1200 زائر يفدون لمعاينة آثار ومقتنيات الملك خالد

يختتم أعماله اليوم في مدينة أبها.. ويشد رحالة باتجاه جدة

الملك خالد أثناء رحلة صيد في إيران عام 1966م
TT

يتجول نحو 1200 زائر يوميا على مقتنيات الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، خلال معرضه الذي يقام حاليا في مدينة أبها التابعة لمنطقة عسير، وذلك وسط تأكيدات بأن المعرض يختتم أعماله اليوم في أبها ويشد رحالة إلى محطته الثانية في مدينة جدة.

وأكد رياض بن محمد العبد الكريم نائب مدير عام مؤسسة الملك خالد الخيرية والمشرف العام على المعرض في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «أن معرض الملك خالد في محطته الثانية بعسير واصل استقبال زواره يوميا حيث تجاوزت أعدادهم الـ1200 زائر للمعرض في اليوم وشكلت السيدات نسبة 40 في المائة من الزوار».

وبين العبد الكريم «أن المعرض سينتقل بعد محطة عسير إلى منطقة مكة المكرمة (مدينة جدة) ومن ثم سيعود إلى الرياض للمشاركة في مهرجان الجنادرية الذي سيستمر أسبوعين، وبعد ذلك سينتقل المعرض إلى المنطقة الشرقية (الدمام)».

واعتبر العبد الكريم المعرض فرصة ثمينة للوقوف على ذكريات ملك ساهم وبشكل قوي في الطفرة الاقتصادية والسياسية والتعليمية التي تشهد المملكة تبعاتها، داعيا كل من لم يعايش عهد هذا الملك العظيم إلى التجول في المعرض واكتشاف الجوانب الإنسانية التي تجسدت في الملك الراحل.

وشدد العبد الكريم على أن القاعات لا تقل بعضها عن بعض من حيث الأهمية إلا أن القاعة الثالثة التي هي بعنوان «قريب من الناس أثير لدى الأصدقاء» تحتوي على أجهزة حاسب آلي تجمع بداخلها قاعدة معلومات ثمينة تمكن الزائر من اختيار وتصفح تاريخ وإنجازات وزيارات الملك خالد إلى جانب عرض صور نادرة للملك داخل الدول العربية وفي الخارج.

إلى ذلك أوضح المهندس عبد الكريم الحنيني وكيل إمارة منطقة عسير والمشرف العام على مهرجان أبها، أن المعرض امتد على قاعات. وأضاف «ما زال هذا المعرض يشهد توافد الزوار والسياح، وكأنه خلية نحل يتنقل زواره من قاعة إلى قاعة محاولين فك رموز تلك الرسائل المكتوبة، الرسمية منها والأسرية، والبحث عن خلفياتها التي قد تعطي الزائر فكرة معينة أو قد ترسخ وتؤكد نظرة محددة».

وأضاف «أن مقتنيات المعرض شاملة وكاملة، حرص أبناء الملك خالد على نقلها بكل تفاصيلها ليعايش ذكراه من عايشوه، وليعيش من لم يعايشه حياة كانت مجهولة في نظره».

«الشرق الأوسط» تجولت في المعرض الذي يضم 7 قاعات تحتضن تاريخ الملك الراحل الذي أدار فيه وقاد بلاده بحنكة القوي الحكيم وبحس الإنسان المعطاء، ففي زاوية القاعة ترى مكتبه، رحمه الله، الذي تم على سطحه توقيع عدد من الأوراق والقرارات الدولية والمحلية ساهمت في إبراز السعودية اقتصاديا وتعليميا.

وتلف جدران هذه القاعة بشكل منمق يغطيها حاجز زجاجي وأوراق رسمية أغلبها تتحدث عن آخر أخبار الأمطار ومواسمها، حيث كتب بعضها على عجل وبالقلم الرصاص، وأغلب هذه الرسائل، وبحسب قول المشرف العام على المعرض، هي ممن أحب الملك وأراد تبشيره بأمطار الخير. ويتوسط هذه القاعة خزانة زجاجية دائرية الشكل صف بداخلها مشالح وثياب كان يرتديها الملك خالد في أهم المناسبات والمحافل المحلية والدولية وضع تحت كل ثوب حذاء، اعتاد على تنسيقها.

وحملت القاعة الثانية اسم «في قلب الأحداث العالمية» وهي تلقي الضوء على مواقف الملك تجاه الأحداث العالمية والإقليمية وأهم الدول التي زارها وأسباب زيارته لها.

وفي هذه القاعة يمكن التعرف على اهتمامات الملك خالد العالمية التي انعكست على المملكة بشكل مباشر وغير مباشر. ومن أبرز تلك الأحداث الإصلاح بين الرئيسين السوري حافظ الأسد والمصري أنور السادات بعد الخلافات التي أعقبت حرب العاشر من رمضان. كما سعى للتقريب بين أطراف المشكلة في الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م وعلى ذلك دعا إلى قمة عربية مصغرة بشأن لبنان عقدت في الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1976م تشكلت على أثرها قوة الردع العربية إلى جانب اللجنة الرباعية للمتابعة بقيادة المملكة، وهكذا أصبحت المملكة منذ عام 1976م من القوة المؤثرة على المسرح اللبناني.

أما القاعة الثالثة التي تحمل اسم «قريب من الناس أثير لدى الأصدقاء» حملت معروضات تعكس مدى قرب الملك من شعبه وسخائه وعطائه وتعامله مع مواطني المملكة حتى أصبح القدوة والمثل لدى كل المسؤولين، وذلك بتغليب الرحمة على النظام إن لزم الأمر.

ووثق المعرض مقولة الملك خالد الشهيرة «أليست مواطنة سعودية؟ أعطوها حقها إذن» حيث جاءت هذه الكلمة بعدما لجأت إليه سيدة تبلغ من العمر 90 عاما بطلب الحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية حديث التأسيس حينها وقوبل طلبها من المسؤولين وقتها بالرفض على أساس أنها من المحتمل أن لا تعيش لتسدد القرض، ولكن الملك خالد قال كلمته الشهيرة هذه، وقدم بذلك درسا للمسؤولين وهو كيف يغلبون معايير الرحمة والعدل على معايير الربح والخسارة في التعامل مع المواطنين.

القاعة الرابعة تحمل عنوان «رجل التقاليد العريقة» إذ عكست مدى عمق إيمان الملك بربه والتزامه بتعاليم الإسلام الحنيف حتى في هواياته التي تطابقت مع الموروثات التاريخية التقليدية التي أقرها الإسلام واعتادها العرب، حيث حرص على توريثها لأبنائه وتشجيعهم على ممارستها، وفي مقدمتها الفروسية والقنص بالصقور. وضمت القاعة الرابعة عدة الصيد التي لاقت إعجاب أكثرية الزوار، وخاصة فئة الشباب منهم.

القاعة الخامسة بعنوان «حياته الخاصة» وتحتوي على مقتنيات خاصة بالملك الراحل. من تلك المقتنيات زجاجة عطر بقي نصفها، وصندوق لأدوات الحلاقة الخاصة به، وعلبة صغيرة مقسمة لثلاثة أقسام بداخلها كبسولات علاجية كان يستخدمها الملك خالد أيام مرضه، وقد قسمت بحسب أوقات تناوله العلاج، وهي ثلاث مرات في اليوم، كما أن القاعة ضمت بعض الرسائل الشخصية التي كتبت له على يد أحفاده وزوجته وأقربائه.

ومن أبرز تلك الرسائل رسالة من أحفاده يهنئونه بقدوم العيد ويطالبونه بالوعد الذي قطعه على نفسه، وهو تمديد فترة الإجازة أسبوعا آخر، إلى جانب رسالة من زوجته تشتكي فيها من شقاوة الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير عندما كان طفلا. كما تضم القاعة صورا كثيرة للملك خالد وهو بين أحفاده وأبنائه.

«ملك قريب من الله» كان عنوان القاعة السادسة التي تفرد معاني سامية وحقائق مؤثرة عن الملك خالد ومدى تعلقه ببيوت الله، وكيف أن العقيدة متغلغلة في نفسه ومسيطرة على قلبه يطبق تعاليمها في تعامله مع الناس بغض النظر عن مدى قربه أو بعده عنهم، فقد كان يقيم الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في أوقاتها، ويحاسب من يتخلف ممن حوله عن حضورها، وكان من حوله يتجنبون الكذب والمداراة في الحديث معه لعلمهم بمقته الشديد لمن يتصفون بالكذب.

ويتناول هذا الجزء المشاريع التي قام بها الملك الراحل في إعادة ترميم الحرم المكي الشريف وتجميله بالأرضيات والأعمدة الرخامية البيضاء وفرشه بالسجاد الفاخر عبر عملية تطوير وتحسين تخطت تكلفتها أكثر من 50 مليار ريال وشملت 13 نفقا.

وتركز القاعة السابعة على أهم الإنجازات من مشاريع عملاقة تم تنفيذها بتزامن وبتركيز يسابق الزمن ليتميز عصر الملك خالد بالإنجازات التنموية العملاقة، فالقاعة تحمل اسم «رجل الإنجازات التاريخية» حيث رصدت ما تم إنجازه في عهده من إنشاء وزارة الصناعة والكهرباء، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركة «سابك» العملاقة، التي شكلت حجر الأساس لمشاريع وصناعات كيميائية ذات شهرة وأهمية عالمية، هذا فيما يخص القطاع الصناعي، أما القطاع التعليمي الذي شهد بناء جامعتي أم القرى بمكة المكرمة والملك فيصل بالأحساء وتوسيع الجامعات القائمة وزيادة طاقاتها الاستيعابية، إلا أن الملك خالد لم يكتف بذلك بل نفذ أكبر برنامج للابتعاث الخارجي في تاريخ البلاد في حينه شمل آلاف الطلاب في مختلف التخصصات حتى وصل تعدادهم في الولايات المتحدة وحدها في وقت من الأوقات إلى أكثر من 25 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى إنجازاته في المواصلات فقد تم إنشاء مطاري الملك عبد العزيز في جدة والملك خالد في الرياض بالإضافة إلى عدد كبير من المطارات الإقليمية.

آلاف الزوار تجولوا في المعرض من أهالي عسير وزوارها وسياحها، وخرجوا بالمزيد من المعرفة عن تاريخ ملكهم الراحل، وهو ما يشير إليه غارم عواد وهو سائح من منطقة الأحساء بقوله «لقد وجدت نفسي وأنا أتجول بين كل القاعات وأستحضر كل تلك الفترات الزمنية والإنجازات الرائعة، وكيف أن الملك خالد، رحمه الله، استطاع وبحنكته وحكمته القيام بهذه النقلة النوعية والكبيرة للمملكة، وفي غضون 7 سنوات. أجد نفسي عاجزا عن الوصف والتعبير لأكتفي بالتنبيش والبحث عن معلومات وذكريات قد تثري معرفتي وتصقل من ذاتي».

وأشار عواد إلى «أنه حرص شديد الحرص على أن يصطحب معه ابنه البالغ من العمر 25 عاما ليريه معنى الرجولة المتجسدة في ملك تمسك بدينه وتحدى صعاب الحياة ليرقى بوطنه وشعبه إلى جانب رفع وترسيخ مكانة المواطن السعودي بين دول العالم».

تتحدث يمنى البشري من ساكنات منطقة عسير لـ«الشرق الأوسط» عن محتويات القاعة الخامسة قائلة «كم هو جميل أن يشاهد المواطن وعن كثب حياة الملك خالد، خاصة علاقته بأسرته التي تعتبر من منظوري أهم علاقة قد يحظى بها الإنسان، فما بالكم وأن هذا الإنسان هو ملك حمل على عاتقه مسؤولية دولة وشعب وأسرة حارب ليحافظ عليها حتى في أيام مرضه».