أجمل حدائق ومتنزهات مراكش تتحول إلى الإنترنت.. لتزاوج بين التاريخ والتكنولوجيا

متحف عند مدخل «حديقة مولاي عبد السلام» يبين كيف تطورت تقنية الاتصالات

تحتضن «حديقة مولاي عبد السلام» معارض ولقاءات ثقافية، كان آخرها معرض «الأرض من السماء» «الشرق الأوسط»
TT

تعرف مدينة مراكش المغربية بعدد كبير من البنايات الأثرية، المشهورة، مثل «مدرسة ابن يوسف» و«قصر البديع» و«صومعة الكتبية» و«القبة المرابطية»، وغيرها من البنايات، التي أصبحت شاهدا على الأسر التي توالت على حكم المغرب. وإلى جانب البنايات الأثرية، يوجد في مراكش عدد كبير من الحدائق «التاريخية»، الشيء الذي يؤكد أن تاريخ المدينة الحمراء كتب عبر حدائقها، أيضا. وظلت الحدائق، في المغرب بشكل عام، ومراكش بشكل خاص، تأخذ جملة من التسميات، من قبيل «الجنان» أو «الرياض».

وفي خضم الفورة العقارية والتحولات المتسارعة، التي شهدتها مراكش، في السنوات الأخيرة، يشدد بعض أبناء المدينة على أن هناك حاجة إلى الاهتمام، أكثر، بالجانب البيئي، عبر الاعتناء بالرصيد المهم من الحدائق، التي عرفت بها مراكش، على مر القرون، وابتكار طرق «خضراء»، لمسايرة زحف مادة الإسمنت الداكنة.

ومن بين كل حدائق مراكش تتميز «حديقة مولاي عبد السلام» بتاريخها الذي يعود إلى نحو ثلاثة قرون، فضلا عن حاضرها الذي جعلها توصف بـ«حديقة الإنترنت»، بعد أن تمت إعادة تهيئتها، في إطار شراكة مع أحد الفاعلين في قطاع الاتصالات.

ويقول مصدر في «مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة»، التي ترأسها الأميرة للا حسناء، إن إعادة تأهيل «حديقة مولاي عبد السلام»، وبناء حديقة «الإنترنت»، يمثل أحد أهم الإنجازات الرمزية، في حين تمثل الحماية وإعادة الإصلاح، قنطرة للتاريخ والذاكرة والقيم، وإن الهدف كان إعادة تأهيل الأماكن عن طريق استرجاع المميزات الطبيعية والرغبة الأولى لمبدعها.

وفي مراكش، لا يمكن الحديث عن تاريخ «حديقة مولاي عبد السلام» من دون استحضار اسم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله (1710 - 1790)، الذي تولى حكم المغرب في منتصف القرن الثامن عشر، كما يقترن الحديث عنها بحكاية فندق «المامونية» الشهير، الذي يستمد اسمه من الحدائق، التي عرفت في الماضي بـ«حديقة مولاي المامون».

علاقة «حديقة مولاي عبد السلام» و«حديقة مولاي المامون»، بالسلطان العلوي، سيدي محمد بن عبد الله، تجد صداها في بعض الكتابات التاريخية التي تذهب إلى أن كثيرا من البساتين والحدائق الموجودة في المدينة الحمراء كانت من تخطيط هذا السلطان، الذي «كان كلما بلغ أحد أبنائه سن الزواج زوجه ووهب له مسكنا خارج القصبة وأحاطه بالبساتين والجنان». وكانت «حديقة مولاي المامون»، هي هدية زواج السلطان العلوي إلى ابنه، الأمير مولاي المامون، في حين كان من نصيب أبناء السلطان الآخرين، وضمنهم الأمير مولاي عبد السلام، حدائق أخرى، في مراكش.

وتذكر كتابات المؤرخين أن مولاي المامون جعل من هدية والده مكانا للنزاهة، وهي العادة التي طبعت مراكش وميزت حياة المراكشيين على مدى قرون، من جهة خروجهم خلال العطلات إلى حدائق المدينة لقضاء ساعات من المتعة والنزهة، مصطحبين معهم فرق الموسيقى و«متسلحين» بأكلة «الطنجية» المراكشية الشهيرة، وغيرها من عناوين المطبخ المراكشي.

وفي الوقت الذي تحولت فيه «حديقة مولاي المامون» إلى فندق «المامونية» الأسطوري، الذي ظل يستقبل منذ أن فتح أبوابه عام 1923 مشاهير السياسة والاقتصاد والفن في العالم، حافظت «حديقة مولاي عبد السلام»، التي تقع بجانب «باب النقب» قرب «قصر البلدية» وعلى المسافة نفسها مع فندق «المامونية»، من صومعة ومسجد «الكتبية»، على وظيفتها كمتنفس أخضر في المدينة الحمراء قبل أن تنفتح قبل سنوات على التكنولوجيا الحديثة لتنتصب بها، إلى جانب أشجار الزيتون والنخيل، أجهزة إلكترونية موصولة بالإنترنيت، تمكن المتصفحين من الإبحار إلكترونيا.

وفي الموقع الإلكتروني «حديقة مولاي عبد السلام»، نكون مع سؤالين وجواب: «ما العلاقة بين التكنولوجيا والطبيعة؟ وبين عالم الاتصالات وفضاء أخضر؟ مبدئيا، لا شيء. لكن، (حديقة مولاي عبد السلام) تمنح زائرها فرصة الجلوس على كرسي تحت ظل شجرة، بين عالم أخضر، مع حاسوب محمول وإمكانية التواصل عبر الإنترنت، عن طريق تقنية (الويفي)، والقيام بزيارة افتراضية للحديقة، والتعرف على مختلف مكوناتها، فضلا عن دليل سياحي للتعرف على المدينة، وأخذ فكرة عن مختلف الأنشطة الثقافية التي تميزها».

ويوجد في «حديقة مولاي عبد السلام»، التي تمتد على مساحة 8 هكتارات، مسرح صغير في الهواء الطلق، كما أنها تحتضن معارض ولقاءات ثقافية، كان آخرها معرض «الأرض من السماء»، الذي ضم أربعين صورة من الحجم الكبير، تمثل مختلف القارات، وهي صور تدعو الزائر إلى الاقتراب أكثر من حقائق العالم، وتتميز بأنها أخذت من الجو، من ارتفاع يتراوح بين 300 و3000 متر، عاكسة تنوع المجالات الطبيعية وتعبيرات الحياة، والضرر الذي يلحقه الإنسان بالبيئة.

ويبقى «متحف الاتصالات»، الموجود عند مدخل «حديقة»، فرصة للزائر للتعرف على تاريخ الاتصالات في المغرب، حيث يخال الزائر نفسه يشاهد تحفا عمرها آلاف السنين، خاصة أن الهاتف الجوال، مثلا، الذي تحول اليوم إلى جهاز بحجم أصغر ووزن أقل، يبدو مختلفا، بشكل جذري، عن الهاتف الجوال، كما سُوَّق أول مرة، الذي يبدو اليوم، بدائيا، بشكل يدفع إلى الشفقة من كل مَنْ تباهى به أول مرة.

وحين يتجول الزائر بين مختلف أشكال الهواتف الثابتة أو الجوالة، المعروضة في «متحف الاتصالات»، لا بد من أن يشفق على الطريقة التي كان على الناس أن يهاتف بها بعضهم بعضا، وعلى من كان يحمل هاتفا جوالا ويتباهى به كما لو أنه سيد العالم. وربما تساءل الزائر عن كيف سيكون شعور من استعمل الهاتف الجوال في بداية الربع الأخير من القرن الماضي، مثلا، لو عاش سنوات قليلة ليشاهد آخر صيحات الهاتف الجوال، التي يمكن للمرء أن يلتقط بها صورا وأفلاما، مع إمكانية الإبحار الإلكتروني، من دون الحديث عن أحجامها الصغيرة وأشكالها المتنوعة، خاصة بعد أن تحول الهاتف، في رأي المفكرين وعلماء الاجتماع، إلى قنبلة تواصلية، انفجرت في مجتمعنا، في السنين الأخيرة، على حين غرة، باستثماراتها المالية الضخمة وشركاتها العملاقة، وحوانيتها المنتشرة كالدود في الدروب والأزقة، وبمظاهرها الاستعراضية المتمثلة في غزو الهاتف الجوال لكل ردهات الفضاء العمومي.