نوستالجيا امرأة تقف في منتصف العمر

«عمر الصواب» آخر أفلام صوفي مارسو

صوفي مارسو (إ.ب.أ)
TT

مشاهد الفيلم الأخير للفرنسية صوفي مارسو الذي أخرجه يان صامويل يخرج منه بسؤال، هو، على الأرجح، أساسي بعد انخراطه في سيناريو الفيلم بشكل دقيق: هل يمكن لشخص أن ينسى ذكرياته، ذكريات طفولته رغم أنها لم تحصل إلا منذ عدة سنوات؟ الفيلم يقول نعم، رغم استحالة هذا الأمر منطقيا وواقعيا.

والحق أن مارغريت (صوفي مارسو) التي تعمل بشكل غير منقطع في كيان اقتصادي مهم تجد نفسها في مواجهة أحلام طفولتها، دون أن تكون قد تحضرت لمثل هذه الأحلام. أو حتى فكرت يوما أن طفولتها ستتحول في لحظة واحدة إلى لحظة مستعادة تنتشلها من ضغوط عملها وتعيدها إلى المكان الذي تركت فيه أجمل ذكريات طفولتها. لكن الجانب الملهم من هذا الفيلم هو أنه مشغول بمحاكاة طرق كتابة السيناريو والإخراج الهوليوودية دون أن يصل إلى هذا المستوى. هذا الاتجاه يبدو أنه يأخذ مداه في السينما الفرنسية لكنه غير ذات جدوى، إذ إنه بشكل ما يفقدها واقعيتها ونكهتها التي درجت عليها. وفي هذا الفيلم بالذات، فإن وجود صوفي مارسو، كممثلة محترفة وإلى جانبها ميشال دوشاسوي كواحد من أكثر الممثلين الفرنسيين قدرة على مسك السيناريو والتحكم فيه، وجود الاثنين معا، أنقذ هذا الفيلم من فشل محقق، وخاصة أن وجوده في الصالات تزامن مع وجود فيلم «استهلال» لدي كابريو، وهو يلقى إقبالا جماهيريا كثيفا رغم أن غالبية المشاهدين يخرجون من هذا الفيلم دون أن يفهموه بشكل جيد.

يجنح هذا الفيلم إلى أن يكون سيرة حياة فنانته، صوفي مارسو، التي تلعب الفيلم برقتها أكثر من حرفيتها. تأخذنا في هذا الفيلم إلى تقديرات مختلفة عما يمكن أن تأخذنا إليه السينما. مع هذا فالفيلم ليس قصتها، ليس حياتها، ولا دخل له بتفاصيل يومياتها الشخصية. إنه فيلم فحسب. الفتاة مارغريت التي كانت تسمى مارغريتا يوم أن كانت صغيرة، كان لها أن تكون بعقل كبير منذ سن السابعة لتقرر أن تودع أغراضها ورسائلها وأحلام طفولتها إلى محام لا ليحتفظ بها فقط، بل ليعطيها للصبي الذي كانت تحلم أن تكمل حياتها معه. هذا في سن السابعة، لكنها نسيت هذه المرحلة كليا بعد أن رحلت عن أمها وأخيها لأسباب مادية بحتة.

الأم التي تتخلى عن ابنتها في هذه السن، تركت خيار التخلي أيضا للفتاة التي كبرت، وتخلت عن عائلتها، دون قصد. نسيت عائلتها وجاءت الرسائل والمحامي في عيد ميلادها الأربعين لتذكرها أن لها عائلة وأخا، وأن هذا الأخ موجود، وأن العمل ليس كل الحياة ولا كل العالم وليس هو الوحيد.

تعيدنا الرسائل التي أرسلها المحامي إلى صاحبتها، ليس فقط إلى النوستالجيا بوصفها جزءا من الذاكرة، وليس إلى الأماكن، التي تربت صاحبتها فيها، بل إلى اللاوعي الذي حتى لو غاب كليا بسبب انهماكات الحياة، فإنه يعود بقوة ليشد صاحبه إلى ما غاب عنه وما خفي لسنوات. الفيلم رغم إخفاقاته في مجاراة السينما الهوليوودية، فإنه يحتفظ بنكهة السينما الفرنسية التي تحاكي الواقع دون ابتذال، وتحاكي الدراما الحياتية كما لو أنها عرض مستمر للخيال. وبهذا فإن للفيلم حسنات كثيرة، أهمها أنه يذكر بصورة الثقافة الفرنسية المبنية على درجات عالية من الحنان، هذه الثقافة التي في مكان مختلف تلعب فيها القسوة دورا نافعا وتصنع بشرا وتنتج ثقافات موازية.