ارتفاع نسب جرائم العنف ضد المرأة في كردستان

تقرير مديرية العنف ضد المرأة يشير إلى ازدياد في حالات الحرق والانتحار والاعتداءات الجنسية

حتى مكالمة بالجوال بين فتاة شابة وأحد الغرباء عن القبيلة قد تكون كافية في بعض الأحيان لتضع حياة الفتاة في خطر وخاصة بين الفئات الاجتماعية الأقل حظا في التعليم (تصوير: كامران نجم)
TT

على طريقة الأفلام الأميركية دخلت الفتاة (ك.ج) غرفتها وهي تخفي مسدسا محشوا تحت ثيابها، وجلست في زاوية من الغرفة تتأمل حياتها وهي تذرف بحرا من الدموع، ثم سرعان ما أخرجت المسدس ووجهت فوهته نحو رأسها، وبعد تفكير لبرهة اتخذت قرارها بوضع حد لحياتها وعذاباتها، وضغطت على الزناد ليسقط جسدها على الفراش مضرجا بالدماء.

و(ك) البالغة من العمر 32 عاما، كانت تعيش في بلدة كفري التابعة لإدارة حكومة إقليم كردستان، هي واحدة من ضحايا العنف الأسري الذي تتزايد وتيرته في كردستان، وما أكثر الضحايا في ظل تسيد المفاهيم والأعراف الاجتماعية وتغلب القيم والعادات القبلية والعشائرية على المجتمع الكردستاني، وهي مفاهيم وتقاليد لا تتناسب ولا تتماشى مع تطور وتقدم المجتمعات الحضارية، فمجرد حصول مكالمة بالجوال بين فتاة شابة وأحد الغرباء عن القبيلة، يكفي لوضع رصاصة في جسد الفتاة، أو صب البنزين على جسدها وإحراقها ثم تصوير الأمر وكأنه انتحار.

تتحرى السلطات المحلية عن أسباب انتحار الفتاة الكردية (ك)، وتفيد المعلومات الأولية كالعادة أنها ضحية «خلاف أسري»!. فما هو هذا الخلاف الذي يؤدي إلى وضع حد لحياة امرأة إن لم يكن خلفها اتهام أو شك بقضية شرف، فالمرأة لا تتنازع كثيرا على الإرث، ولا تتصارع من أجل المال حتى تتسبب في نشوب مشكلات داخل الأسرة.

و(ك) واحدة من قائمة طويلة من ضحايا العنف الأسري والاجتماعي في كردستان، وهي قائمة تزخر بالمنتحرات والحارقات لأنفسهن، بل هناك من تلجأ إلى تنفيذ حكم إعدام بنفسها شنقا يأسا من الحياة.

لم تفاجأ «الشرق الأوسط» وهي تتسلم نسخة من التقرير النصف السنوي لعام 2010 الذي يشير إلى ارتفاع ملحوظ في نسب جرائم العنف المتزايد ضد المرأة في كردستان، على الرغم من محاولات السلطات المحلية الإخفاء المتعمد للنسب الحقيقية لوتيرة العنف المرتكب ضد المرأة في الإقليم، لأسباب قد تتعلق بتزييف الواقع الاجتماعي، وإظهار المجتمع الكردستاني كأنه مجتمع حضاري متمدن يتمتع فيه الإنسان بقدر كاف من الحرية الإنسانية والوعي الاجتماعي. ولكن الدماء التي تسال من جسد المئات والآلاف من نسوة كردستان كل سنة، تؤكد بما لا يقبل الجدل أن هذا المجتمع ما زال يعيش في عصر البداوة والهمجية، على الرغم من أنه يتعامل مع أحدث موديلات السيارات الأوروبية من موديل عام 2012، ونحن ما زلنا في عام 2010.

يشير التقرير النصف السنوي الصادر عن مديرية العنف ضد المرأة في كردستان للفترة من 1/1/2010 إلى 30/6/2010 إلى وصول عدد النسوة اللاتي أحرقن أنفسهن إلى (239) امرأة، مقابل 179 في النصف الثاني من عام 2009.

وبلغ عدد المنتحرات 59 بعد أن كان العدد في النصف الثاني من العام الماضي 49. فيما ازدادت وتيرة الاعتداءات الجنسية إلى 63 حالة، بعد أن كانت 57 حالة في النصف الأخير من العام الماضي.

وحالات التعذيب الجسدي سجلت أرقاما مهولة بوصولها إلى 671 حالة مرصودة وموثقة في دوائر الشرطة، فيما لا يتطرق الشك إلى وجود عشرات الآلاف من الحالات غير المسجلة لدى تلك الدوائر، وطبعا سبب ذلك هو الخوف من الانتقام أو القتل، سواء على يد الأب أو الزوج أو الأخ، وهم المسيطرون على الأسرة داخل المجتمع الكردي.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها«الشرق الأوسط» من مصادر خاصة بمديرية العنف ضد المرأة، هناك تكتم رسمي على عدد النساء اللاتي تعرضن لتهديدات بالقتل وتم إيواؤهن أو حمايتهن بأخذ التعهدات من المهددين لهن، ففي حين أشارت التقارير الصادرة خلال عامي 2008 و2009 إلى جميع هذه الحالات، خلا تقرير النصف الأول من العام الحالي من أي إشارة إلى هذه الحالات.

وأغفل التقرير أيضا، رصد حالات التعذيب الجسدي للمرأة في حدود محافظة دهوك ومنطقة كرميان المعروفة بتزايد وتيرة العنف ضد المرأة بحكم طبيعة العادات والتقاليد القديمة فيها.

وفي المقابل عمدت السلطات المحلية إلى إيراد حالات العنف ضد الرجل، في محاولة للتقليل من شأن الضغوطات الدولية على حكومة الإقليم بسبب تفشي حالات الانتهاك ضد حقوق المرأة وتعرضها المستمر للعنف، وذلك بتصوير حال الرجل من ناحية تعرضه للعنف الأسري بأنها لا تختلف عن حال المرأة، وذلك لإيهام العالم بأن التركيز على حالات العنف ضد المرأة هو مبالغة مقصودة.

ويشير التقرير النصف سنوي إلى أن نسبة 89 في المائة من المشتكيات لدى دوائر الشرطة بتعرضهن للعنف الأسري هن متزوجات، مقابل 7 في المائة غير متزوجات، ونسبة 4 في المائة مطلقات.

وتتراوح أعمار الضحايا في مجمل الحالات ما بين 19 - 30 سنة، بنسبة 47 في المائة، مقابل 46 في المائة تتراوح أعمارهن بين 31 - 60، ونسبة 3 في المائة من 8 - 18 سنة.

وحول الأوضاع الاقتصادية للضحايا يشير التقرير إلى أن نسبة 80 في المائة من المشتكيات يتمتعن بوضع اقتصادي جيد، مقابل 12 في المائة يتمتعن بوضع اقتصادي سيئ، و2 في المائة بوضع اقتصادي عالي المستوى.

أما المستوى الدراسي لمرتكبي وضحايا العنف فقد سجل التقرير أن نسبة 64 في المائة من مرتكبي جرائم العنف غير متعلمين، ونسبة 15 في المائة حصلوا على الشهادة الابتدائية، و5 في المائة دراسة ثانوية، فيما بلغت تلك النسب لدى الضحايا 71 في المائة غير متعلمات، و13 في المائة شهادة ابتدائية، و6 في المائة دراسة ثانوية.

ويكشف التقرير معلومات حول جرائم القتل ضد المرأة بالإشارة إلى أن نسبة 56 في المائة من الحالات هي قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، و36 في المائة انتحار وخنق وإحراق النفس، و8 في المائة حالة قضاء وقدر.

وحول أعمار ضحايا القتل يشير التقرير إلى أن 11 في المائة من المقتولات تتراوح أعمارهن ما بين 8 - 18 سنة، ونسبة 61 في المائة من 19 - 30 سنة، و28 في المائة من 31 - 60 سنة.

ومن بين هذه النسب هناك 83 في المائة من المقتولات متزوجات، مقابل 17 في المائة غير متزوجات.

وحول نتائج التحقيقات الجارية في جرائم العنف عموما يشير التقرير إلى أن 8 في المائة من الملفات أغلقت لعدم توافر الأدلة، و12 في المائة حولت إلى المحاكم، فيما بقيت نسبة 80 في المائة تحت التحقيقات.

يذكر أن التقرير يشمل رصد حالات العنف ضد المرأة في محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك) وبعض مناطق كرميان التابعة لإدارة حكومة الإقليم.