فندق «تاج محل» يفتح أبوابه اليوم من جديد.. ليتزامن مع عيد استقلال الهند

شيد قبل 107 أعوام ويفضله أبناء العائلات الملكية ونجوم بوليوود وهوليوود

شكل الفندق معلما أثريا يرمز لاستقلال الهند منذ ما قبل رحيل آخر حامية من الجنود البريطانيين التي اصطف جنودها أمام الفندق قبل رحيلهم عن البلاد بعد نيلها استقلالها عام 1947 (رويترز)
TT

بعد قرابة 22 شهرا من اقتحام مجموعة من الإرهابيين فندق «تاج محل» بمومباي الذي يعود تاريخ إنشاءه إلى 107 أعوام ومحاصرته لمدة ثلاثة أيام، من المقرر إعادة فتح أبواب الفندق اليوم 15 أغسطس (آب) الذي يوافق عيد استقلال الهند. وقد اختارت إدارة الفندق عيد الاستقلال للتأكيد على القيم التي يمثلها المكان. وسيفتح الفندق أمام الجمهور المتعطش لذلك جناحه الأثري الذي تعرض لأضرار بالغة خلال الحصار الذي وقع في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008.

جرت إعادة تسمية الجناح الآن بـ«قصر تاج محل»، وهو جناح أثري يعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ مومباي، وقف أمام «بوابة الهند» في مومباي على مدار القرن الماضي ويفضله أبناء العائلات الملكية ونجوم الفن وكبار رجال الأعمال. وكان قد تعرض للإغلاق بعد إقدام عشرة إرهابيين على قتل 166 شخصا في هجمات في نوفمبر 2008.

عندما وقعت أعمال الإرهاب، بدا الفندق أشبه بميدان حرب. الآن، يبدو كل ذلك كذكرى بعيدة مع تدفق باقات الورد وتعالي هتافات التأييد والإعجاب مع إعلان إعادة افتتاح الفندق على لسان راتان تاتا.

أثناء حديثه، توقف راتان تاتا، الذي كان قد تعهد بإعادة بناء كل بوصة من الفندق، عن الكلام وكأن غصة علقت بحلقه، وقال: «هذا الفندق المبجل العتيق سيعاد افتتاحه بنفس الأبهة والجمال التي ظل عليها طوال أكثر من 100 عام».

وأثناء وقوفه لالتقاط الصور مع أفراد فريق العمل المعاون له على سلالم أسفل القبة الحمراء المميزة للفندق التي تصاعدت منها ألسنة اللهب خلال الحصار الذي استمر ثلاثة أيام، مس المعنى الرمزي وراء هذه الصورة كثيرا من القلوب. في الواقع، لقد أثبتت مومباي قدرتها على إنزال الهزيمة بالإرهابيين.

لقد كانت أبرز صور هجمات 26 نوفمبر عندما اندلعت النيران في الجناح الأثري الذي يبلغ عمره 105 أعوامعوام داخل فندق «تاج محل».

يذكر أن تلك الهجمات أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصا، ينتمي كثيرون منهم إلى العاملين بالفندق الذين بقوا بمكان عملهم لمساعدة النزلاء.

وشكل الفندق معلما أثريا يرمز لاستقلال الهند منذ ما قبل رحيل آخر حامية من الجنود البريطانيين التي اصطف جنودها أمام الفندق قبل رحيلهم عن البلاد بعد نيلها استقلالها عام 1947.

ويقال إن جامستيجا تاتا، والد راتان تاتا، بنى فندق «تاج محل» بعد منعه من دخول أحد أفضل الفنادق على مستوى البلاد، وهو فندق «واتسونز»، الذي لم يكن يسمح لغير البيض بدخوله. وقد تم تصميم وبناء الجناح الأثري خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وافتتح عام 1903. وتولى تصميم الجناح مجموعة من المصممين الهنود، وظل هذا الجناح جزءا غاليا وعتيقا وقيما من الفندق، حيث جرى النظر إليه كرمز لتراث مومباي.

ويعد الفندق الوجهة المفضلة لتجمعات النخبة بمومباي والكثير من السياح الأجانب، علاوة على استضافته حفلات ومناسبات تخص المشاهير ونجوم بوليوود.

ويعد الجناح الأثري أبرز وأقيم أجزاء «تاج محل»، حيث شهد كثيرا من الأحداث والانتصارات. كما شهد عقد الكثير من صفقات الاندماج بين الشركات وتوقيع معاهدات واتفاقيات. كما نزل على هذا الجناح كضيوف ملوك ومسؤولون ومشاهير من مختلف الأطياف.

رغم أن فندق «تاج محل» جرى افتتاحه في اليوم الثالث بعد وقوع المأساة التي تعرض لها، وافتتح برج تاج في وقت سابق من هذا العام، أشارت أقاويل إلى أن الجناح الأثري تعرض للضرر الأكبر من جراء الهجوم. واستغرق الأمر 21 شهرا وجهودا مضنية لإعادة بنائه. ويحمل الجناح الأثري لمسة عصرية، لكن ما يزال في جوهره شديد التقليدية. ويعد بمثابة مزيج رائع من الطرز المعمارية الشرقية و«الفلورنتيني» والمغاربي، خاصة في أسقفه ذات القباب المرمرية وممراته المصقولة وأرضياته الرخامية. يضم الجناح 287 غرفة، منها 42 جناحا. وتتنوع الأفكار التي تدور حولها التصاميم، مثل الحياة البحرية وحضارة مارثا. وقد أنفق القائمون على «تاج» 1.75 مليار روبية (37 مليون دولار) لاستعادة رونق الفندق، وشاركت في هذه الجهود أربعة شركات للتصميم - «ويلكيز سدن بهد» من ماليزيا، و«بيو ليسوني» من المملكة المتحدة، و«بامو» من الولايات المتحدة و«جيمس بارك أسوشتس» من المملكة المتحدة. واستمر عمل هذه الشركات أكثر من 20 شهرا.من جهته، أعرب رايموند بيكسون، المدير الإداري للمجموعة، عن اعتقاده بأن أول إغلاق للجناح منذ أكثر من 100 عام منح الشركة فرصة لتحديثه وإضفاء طابع عصري عليه. وقال: «لقد نجحنا في تحويل هذا الحدث السلبي إلى أمر إيجابي، فعلى مدار مائة عام لم نغلق الفندق قط. وعليه، عمدنا لاستغلال هذه الفرصة لتجديد الفندق وتعديله وإضفاء الطابع المعاصر عليه ليرضي أذواق المسافر الحديث. وقد قطعت الجهود الكبرى التي بذلها أفضل المهندسين المعماريين والمصممين على مستوى العالم شوطا كبيرا لضمان قدرة الفندق على الاحتفاظ بعملائه ومعدلات الإشغال به خلال الفترة القادمة. لقد أنفقنا قرابة ملياري روبية عليه».

ومن المقرر أن يضم «تاج» بعد تجديده أحد أحدث أجنحة الفنادق على مستوى آسيا ويحمل اسم «تاتا» وآخر باسم الموسيقار «رافي شانكار». وتبلغ مساحة جناح «تاتا» 5.000 قدم مربع (4650 مترا مربعا)، والذي يحمل اسم مالك المكان، راتا تاتا، وهو أعلى أجنحة المكان سعرا. ومن المقرر إعادة فتح هذا الجناح في سبتمبر (أيلول) المقبل.

ومن جانب آخر تلقى بداخله جورج هاريسون، من فرقة «بيتلز» الموسيقية، دروسا في عزف الغيتار على يد الموسيقي الهندي رافي شانكار.

ورغم أنه ربما يكون من العسير على زائر للفندق التعرف على الاختلافات الدقيقة، فإن الإدارة نجحت في تعديل وتحديث التصميمات الداخلية للفندق.

على سبيل المثال، جرى خفض ارتفاع السقف في ردهة «تاج بالاس» بمقدار ثماني بوصات. كما أن غرف الجناح الفسيحة أصبحت الآن كاتمة للصوت. ومن بين الملامح الأخرى الجديدة التي تمت إضافتها رافعات خاصة تسمح للنزلاء بفتح النوافذ في حالات الطوارئ. جدير بالذكر أنه خلال فترة الحصار أجبر النزلاء على تحطيم النوافذ للفرار بحياتهم. ولتعزيز إجراءات الأمن، توجد مصاعد خاصة داخل المنشأة بمقدور النزلاء فقط استخدامها بمفاتيح خاصة.

من جهته، قال أجوي ميسرا، نائب رئيس الشركة المعنية بالفندق لشؤون المبيعات والتسويق: «لقد تدفق علينا سيل من طلبات الحجز من عملاء ونزلاء قدامى، بينهم الكثيرون ممن كانوا موجودين أثناء الهجوم». ويرمي «تاج» إلى استعادة عملائه بتقديم ليلة مجانية مقابل كل ليلة بأحد أجنحته، وليلة مقابل كل ليلتين في غرف «لكشري غراند» داخل الجناح الذي جرى تحديثه. وتتضمن الإقامة داخل الجناح الفاخر خدما خصوصيين في خدمة النزيل على مدار 24 ساعة وتوفير وسيلة نقل للمطار تتمثل في سيارات «جاغوار» و«بنتلي»، حسبما أوضح أجوي ميسرا. ويتوافر علاوة على ذلك مرطبات ثمينة وعصائر مجانية، طبقا لما يذكره موقع الفندق على شبكة الإنترنت.

بوجه عام، يمكن القول بأنه بوجهه الجديد يقضي «تاج محل بالاس» و«تاج تاور» تماما على الذكريات المروعة المرتبطة بهجوم 26 نوفمبر. ويعد مثالا حيا على صدق عبارة: «لقد مضت مومباي قدما».

إلا أن الوجه الجديد للفندق يصاحبه تعزيز شديد لإجراءات الأمن ينعكس على وجود حواجز أمنية وكاميرات مراقبة بجميع الطوابق التي تحولت إلى عنصر جديد بجميع فنادق مومباي تقريبا.