أدب الطفل في معرض خاص في سراييفو بمناسبة شهر رمضان المبارك

رائد قصة الطفل في غرب البلقان حارث كاديسا لـ «الشرق الأوسط»: الأطفال هم الحاضر والمستقبل

هناك رغبة في ترجمة القصص الهادفة المبنية على الأسس والمبادئ الإسلامية من العربية إلى البوسنية («الشرق الأوسط»)
TT

ظل الطفل ولا يزال محل اهتمام المجتمعات، وطلائعها المثقفة، لأن الأطفال جزء من الحاضر وكل المستقبل، وأطفال اليوم رجال الغد. وإذا كان الأقدمون قد أدركوا أن، التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وورثنا ذلك عنهم. وإذا كان المتأخرون قد أيقنوا أن الاستثمار في المعرفة منذ الصغر، هو البنية التحتية للتقدم والرقي والتميز والتفرد والإضافة والإبداع، فإن المجتمعات المعاصرة تشكو من التحديات الكبيرة التي تتعرض لها مبادئ وآليات التعلم منذ الصغر، وهي التحديات التي تضعف إقبال الناشئة على الكتاب في عصر التلفزيون والإنترنت و«الفيس بوك»، وغيرها من الوسائل الحديثة، التي إذا لم تطوع لخدمة أهداف التربية والتعليم وتنمية القراءة كما وكيفا، فإنها ستضيع أجيالا كثيرة إذا تركت مشكلاتها دون علاج، لا سيما إذا نشأ الأطفال على التعاطي مع هذه الوسائل، من دون توجيه أو «مراقبة وإشراف».

في هذا الإطار يأتي معرض كتاب الطفل في سراييفو، وهو ثمرة جهود فردية ومتواضعة، وبمساعدة بسيطة من الشؤون الثقافية في إقليم سراييفو، ودعم معنوي من المشيخة الإسلامية في البوسنة، التي وفرت المكان والغطاء الثقافي لهذا النشاط الحيوي المطلوب بزخم أكبر على مستوى الأمة قاطبة. وللأسف فإن هناك اتفاقا بين أقطار الأمة على أن الطفل لا يلقى العناية الكافية، في نطاق التثقيف. والكتابات الموجهة إلى الطفل تكاد تكون قليلة، إن لم تكن معدومة، مقارنة بالحاجيات والضرورة التثقيفية، سواء من حيث النوعية أو غزارة الإنتاج.

وقال المشرف على المعرض المتنقل بين مدن البوسنة، رائد أدب الطفل في غرب البلقان حارث كاديسا (41 عاما) لـ«الشرق الأوسط»: «أكتب منذ 10 سنوات، وقد تخصصت في أدب الطفل، ولي عدة كتب تتعلق بالثقافة الإسلامية في البوسنة، والثقافة التاريخية والجغرافية للأطفال، مثل: (مدن البوسنة)، و(أناشيد للأطفال)، وقصة بعنوان (الطباخ البوسني)»، وعن دوافعه للكتابة قال: «هناك عدة دوافع، منها أني لاحظت فراغا هائلا لم يملأه أحد، ولم أكتف بالصراخ، وإنما بادرت بالإسهام في تدارك الموقف، إضافة إلى ذلك، هو شعوري بأني ما زلت طفلا، أو أحب أن أكون طفلا، وقد قيل إن شقاوة الأطفال أكثر نقاء من براءة الكبار، أو الأطفال الأشرار أكثر طهارة من الكبار الأبرار، فعالم الطفولة هو عالم البراءة والنقاء، والأطفال هم الحاضر، فنحن من أجلهم نعمل، والمستقبل، لأننا سنفنى ويبقون هم على قيد الحياة لخدمة أطفال آخرين.. وهكذا»، وعن أهمية المعرض أفاد بأن ذلك «يكتسي أهمية قصوى، فالثقافة العالية هي السلاح الاستراتيجي في عصر تؤدي فيه المعلومة دورا حاسما في جميع المعارك السياسية والفكرية والعلمية وغيرها». وأردف: «رموز الإسلاموفوبيا يربون أطفالهم على الكراهية، وعلى قتل المخالفين، وعدم الاعتراف بهم وبثقافاتهم وأديانهم، ويمارسون تضليلا إعلاميا وسياسيا من أجل السيطرة علينا، لكن لم ولن نربي أطفالنا على الكراهية، ولكن يجب علينا أن نعلمهم كيف يدافعون عن أنفسهم بالوسائل المختلفة وفق كل تحد على حدة»، وعن المكتبة البوسنية أفاد بأن «المكتبة البوسنية فقيرة في مجال أدب الطفل، كما هو الحال في الكثير من البلاد الإسلامية، كما سمعت».

وعن دور التلفزيون والإنترنت في التأثير على كم ومستوى ما يقرأه الأطفال، أكد الكاتب حارث كاديسا أن «التلفزيون يعد كارثة حقيقية، ليس على مستوى تسطيح أفكار الأطفال فحسب، بل تلويث أفكارهم وتدنيس براءتهم، لا سيما أن القائمين على الكثير من المحطات أناس لا دين لهم، وهذا ينطبق على جميع أقطار العالم الإسلامي، وبعضهم يغطي توجهه المعادي للدين ببعض البرامج الدينية التي تضيع وسط زحمة نقائضها». وأردف: «ومما يزيد من فظاعة ما يجري هو أن بعض الأسر لا تمارس أي توجيه أو رقابة على أطفالها، وأحيانا تشاهد الأسرة برامج فاضحة، وهو ما يؤدي إلى زنا المحارم في الدول الأوروبية، كما يتسرب الأطفال من المدارس إلى نوادي الإنترنت للعب على حساب التعليم الأساسي، فضلا عن التثقيف وزيادة المعرفة من خلال المطالعة»، وشدد على أن «إهمال الأطفال هو التهديد الحقيقي للأمن القومي لأي أمة من الأمم، فهؤلاء الأطفال هم من سيقود غدا، ومنهم من سيكون الرئيس، والوزير، ومدير المدرسة، والمصنع، والتلفزيون، وقبل ذلك رب أسرة، وسيكون تصرفه وفق ما تربى عليه وتشربه منذ الصغر من تعاليم ومبادئ أو ضياع وانتكاس فطري على مختلف المستويات»، وأضاف: «التربية مهمة لمنع زيادة نسبة الجريمة، وتعاطي المخدرات، وشرب الكحوليات.. وغير ذلك من الشرور. ومهمة للقراءة الصحيحة التي تهدف إلى الارتقاء السلوكي إلى جانب التحصيل العلمي». وعما إذا كان هناك اهتمام رسمي بالمعرض أفاد بأن «هناك القليل من الاهتمام، فلا توجد أموال يمكنها أن تحفز على الإبداع، وتنظم الحركة الفكرية والتثقيفية في المجتمع، وقد تلقينا دعما من وزير الثقافة في إقليم سراييفو أمير حاجي حافظ بيغوفيتش، وتلقينا دعما من المشيخة الإسلامية، ومن الدكتور مصطفى تسيريتش، وأنا أكن له كل التقدير والاحترام، وهو الذي منحنا هذا المكان لإقامة المعرض». وطلب حارث من العالم الإسلامي، لا سيما المؤسسات المهتمة بثقافة الطفل والثقافة عموما، أن تولي هذا الجانب الكثير من الاهتمام، وأن لا تنسى المسلمين في الأطراف، لا سيما في شرق أوروبا وغرب البلقان.

وقد اطلعت «الشرق الأوسط» في المعرض، على لوحات للأطفال، وهي صور من البوسنة من مدن موستار وبنيالوكا، وياييتسا، وستولاتس، وبيهاتش، وتوزلا، وغراديتشاس. كما اطلعنا على مجلات للأطفال تصدر في البوسنة، وأناشيد شعبية مطبوعة، بشكل جذاب، وقصص الأنبياء للأطفال، والسيرة للأطفال، وغيرها من الكتب والقصص المخصصة للناشئة.

وأعرب حارث عن رغبة في ترجمة القصص الهادفة من العربية إلى البوسنية، كما أعرب عن تفاؤله في إيجاد قنوات للتعاون بين الأقطار الإسلامية، ولو على المستوى الشعبي والمؤسساتي في مجال أدب الطفل وثقافة الطفل، المبنية على الأسس والمبادئ الإسلامية.

وقال الباحث في الشؤون الاجتماعية، صالح مشتروفاتس، لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة ليست في الأطفال، ولكن في أولياء الأمور، فالولد، كما جاء في الحديث، يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. وإذا تحدثنا عن أدب الطفل، نجد أن أسلوب التحفيز مهم جدا في هذا الباب، فيمكن للأب عن طريق الترغيب زرع حب القراءة في أبنائه»، وأردف: «كان والدي يعطيني مبلغا من المال كلما قرأت كتابا أو حفظت سورة من القرآن الكريم». وحول تأثير وسائل الإعلام الأخرى على مبدأ القراءة، كالتلفزيون والإنترنت، أفاد بأن «للتلفزيون آثارا سلبية، لا سيما داخل الأسر غير المحافظة، التي يجلس جميع أفرادها أمام التلفزيون يشاهدون الجيد والسيئ، دون حياء أو مراعاة لأعمار الأطفال، وضرورة وجود فاصل من الاحترام والهيبة بين أفراد العائلة، فريضة وضرورة، فكونها فريضة فهذا أمر يعلمه الكثيرون، وكونها ضرورة يؤكدها حال العوائل التي فقدت فضيلة الحياء فيما بينها، فتراهم أكثر عدوانية تجاه بعضهم بعضا، وليس هناك أطفال عاقون أكثر سوءا من أبناء تلك الأسر. وهذا أدى، كما تفيد الإحصائيات، إلى فقد 3 من كل 5 فتيات في كرواتيا لعذريتهن عن طريق المحارم، وهي نفس النتيجة المتمثلة في زواج شباب ألمان من شقيقاتهم، وأحدهم، كما ذكرت وسائل الإعلام العالمية، لديه 4 أطفال من شقيقته، وغيرها من جرائم اغتصاب الآباء لبناتهم وبعضهم لديه منهن أبناء كما هي القصص المعلومة في النمسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية». وأكد ضرورة مراقبة الآباء لأبنائهم، والمحافظة على التقاليد العريقة للأسرة المسلمة، التي يحترم فيها الصغير الكبير ويوقره، ويرحم فيها الكبير الصغير، ويقدم له القدوة، لأن التثقيف بالحال أكثر أثرا من التثقيف بالأقوال والكتب والقصص، على أهمية ذلك، لأن الالتزام هو الدليل التطبيقي على فعالية المبادئ المسطرة والمنطوقة، وإلا أصبحت فتنة يتحمل وزرها من لم يحملها بحقها.