أكاديمية طوكيو للسوشي تخرج طلابا لأسواق العواصم الغربية

يطمحون للعمل في الخارج لأنهم يجنون مالا أكثر مما يتقاضونه في اليابان

منذ افتتاحها عام 2002 تخرج في الأكاديمية أكثر من 700 طالب («نيويورك تايمز»)
TT

عند صدور صوت طنين، يشرع كنسوكي أكوي في الضغط على الأرز بقوة في راحة يده اليسرى. بعد ذلك، يوزع قطعا من عجين واسابي الأخضر اللامع وسرعان ما يضيف شرائح من السمك على رأس الأرز، ثم يتولى صنع وحدات السوشي واحدة تلو الأخرى. بعد مرور ثلاث دقائق وبعدما أنجز صنع 18 قطعة سوشي، انتهى الوقت واقترب منه المعلم لتحديد وحدات السوشي المصنوعة من الأخرى الرديئة، بينما تعلقت عينا أكوي بما يفعله باهتمام بالغ. في النهاية، وقع الاختيار على 12 وحدة سوشي فقط باعتبارها جيدة.

وقال أكوي، وهو طالب بـأكاديمية طوكيو للسوشي: «الأمر صعب، لكنني أتحسن في كل مرة أقوم خلالها بصنع السوشي. في هذا الأمر، تتسم السرعة بأهمية بالغة لا تقل عن أهمية الجودة لأن الكفاءة هي العنصر المطلوب في الحياة العملية».

ويعتقد أكوي (30 عاما) أن اكتساب شعور واقعي بكيفية سير الأمور في الحياة العملية سيساعده وأقرانه على اكتساب المهارات اللازمة لخوض سوق التنافس بين طهاة السوشي في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة وأستراليا.

ويخطط الطلاب بالأكاديمية ذات الملكية الخاصة للانضمام إلى أعداد متزايدة من الطهاة اليابانيين المحترفين العازمين على خدمة طلب خارجي متنام على السوشي. وتأتي رغبتهم في نيل وظائف بالخارج في وقت تشهد الدخول تراجعا في صناعة السوشي باليابان في خضم حرب ضروس لتقليص التكاليف داخل صناعة المطاعم بوجه عام، مما يعني أن العملاء يتوقعون دفع مبالغ أقل والحصول مقابلها على المزيد.

في المقابل، تعد سوق مطاعم السوشي مصدرا ثريا للفرص العملية للشباب الياباني، حسبما أشارت هيرومي سوغيياما، مديرة الأكاديمية، التي تستضيف موقع www.sushijob.com الخاص بالطهاة الساعين للحصول على وظائف بدول أخرى.

وأضافت أن «خريجي هذه الأكاديمية غالبا ما يجنون مزيدا من المال عما كانوا سيجنونه هنا في اليابان»، وذلك مع افتتاح المزيد من مطاعم السوشي في أوروبا وأميركا اللاتينية.

يذكر أن الأكاديمية تضم إلى صفوفها قرابة 100 طالب سنويا في برامج مكثفة تستمر لشهرين أو دورات تدريبية تستمر عاما كاملا. ومنذ افتتاحها عام 2002، تخرج الأكاديمية أكثر من 700 طالب، حسبما أفاد مسؤولون تنفيذيون بها. ومن بين 10 أفراد مسجلين بالبرنامج الذي يتدرب خلاله أكوي والذي يستمر عاما، أعلن 9 عزمهم على العمل بالخارج.

من جهته، ينظر أكوي إلى تدريبه كوسيلة للعودة إلى الولايات المتحدة، حيث قضى عامين طالبا بإحدى الجامعات في رينو بنيفادا.

وقال: «أعجبني أسلوب الحياة هناك، حيث تبدو بيئة العمل أفضل، والطبيعة والحياة البرية رائعة».

وربما تكون سوق العمل الهشة في اليابان أيضا أحد العوامل وراء ذلك، حيث أعرب أكيهيرو نيسوغي، الاستشاري بمجال المطاعم في مؤسسة «فوناي كنسلتنغ»، ومقرها طوكيو، عن اعتقاده بأن صناعة السوشي في اليابان التي تقدر قيمتها بـ1.5 تريليون ين، أو 17.4 مليار دولار، تشهد تحولا سريعا. وأضاف «تتنامى سلاسل مطاعم وجبات السوشي السريعة، بينما تواجه مطاعم السوشي التقليدية انحسارا».

وتشير الأرقام إلى أن عائدات مطاعم السوشي التقليدية في اليابان تراجعت إلى 1.049 تريليون ين عام 2009 عن 1.08 تريليون ين خلال عام 2006، طبقا لما ذكرته «فوناي كنسلتنغ». ووصلت مبيعات مطاعم السوشي السريعة إلى 428 مليار ين عام 2009.

منذ عقود مضت، كان طهاة السوشي الطموحون يأملون في الانضمام إلى مطعم سوشي تقليدي للتدريب، على أمل التحول في يوم من الأيام إلى «تايشو»، أي صاحب مطعم سوشي بمناطق مثل ضاحية غينزا في طوكيو، حيث تشتهر المطاعم بتقديم أفخر أنواع السوشي. لكن مع انهيار الأمن الوظيفي المرتبط بهذه المهنة، بجانب فكرة الولاء طويل الأمد لجهة توظيف واحدة، شرع الطهاة في تحويل أنظارهم نحو الخارج.

من جانبه، أسس تايرا ماتسوكي (39 عاما) الذي خاض برنامجا قصير الأمد بـ«أكاديمية طوكيو للسوشي» منذ عامين، مطعما في وارسو العام الماضي بعد عمله في مطعم للسوشي ببولندا.

وقال ماتسوكي، الذي يوظف حاليا خمسة عمال بولنديين «هنا، تشهد مطاعم السوشي والبيتزا نموا قويا وتحقق أرباحا طائلة». ويتمثل منتجه الرئيسي في صندوق به وجبة من السوشي بسعر 7 دولارات يرمي لخدمة العاملين بالشركات في وسط وارسو.

وتتناقض السرعة التي نجح بها ماتسوكي في فتح مطعم خاص به مع تقاليد التدريب على فن طهي السوشي في اليابان والتي تعود إلى قرون عدة مضت، حيث تتمثل واحدة من الأسباب وراء عزوف الشباب عن العمل بمجال طهي السوشي داخل الوطن في أن هذه الصناعة تتطلب سنوات من تنظيف الأسطح وغسل الأطباق قبل أن يسمح للمتدرب بمجرد لمس الأرز.

في هذا السياق، قال كيم كاواسومي، كبير المعلمين في أكاديمية طوكيو للسوشي والطاهي السابق للسوشي: «يقول الناس إن الأمر يستغرق ثلاث سنوات قبل أن يتمكن المرء من إتقان صنع وحدة سوشي، وخمس سنوات قبل أن يتقن «ماكي سوشي»، وهي لفائف السوشي، بجانب حاجته لعشر سنوات قبل أن يصبح بارعا تماما في صنع السوشي. لكن هذا التوجه لم يعد من الممكن تطبيقه الآن». كما أن طلابه ليسوا على استعداد للانتظار هذه الفترة الطويلة. من جهته، عمل كوجي أوهنو (30 عاما)، وهو طالب آخر بالأكاديمية، مهندسا بمجال تقنية المعلومات وتولدت لديه الرغبة في إعادة اكتشاف ذاته كطاهٍ للسوشي بالخارج. ولا ينوي أوهنو خوض المسار التقليدي للتدريب على طهي السوشي، الأمر الذي برره بقوله: «تلك مخاطرة لست على استعداد لخوضها في هذه السن. لقد رغبت في خوض التدريب على الطهي مباشرة». وينوي أوهنو الانتقال إلى ميونيخ، حيث درس الألمانية لبعض الوقت.

إلا أن أنصار التوجه التقليدي يرون أن سنوات التدريب جزء لا يتجزأ من السعي لاكتساب التوجه الذهني الملائم للشخص المهني الذي يتعامل مباشرة مع العملاء. عن هذا، قال إساي كوريموتو، رئيس الطهاة بمطعم سوشي في منطقة يوراكوشو في طوكيو: «بالنسبة للسوشي، تعمل داخل مطبخ مفتوح في مواجهة عملائك وتقدم لهم الطعام مباشرة. لذا، يتعين عليك تطوير مهارات استضافة مباشرة».

وأكد كوريموتو، الذي استعان بخريجي مدارس لتعليم الطهي خلال فترة عمله التي امتدت لـ40 عاما، أن الطلاب بحاجة لأكثر من مجرد شهادة، مشيرا إلى أن المهارات الحقيقية يجري تعلمها في المواجهات المتوترة بين الطاهي والعملاء وتكرار العمل الروتيني مرارا وتكرارا «حتى يحفظه جسدك».

كما أشار إلى أن التدريب الفعلي بمجال العمل يكسب المرء معرفة عن المنتج، مثل مواسم أنواع السمك المختلفة. ونوه بأن بعض أنواع السمك لا تتوافر سوى خلال مواسم بعينها، بينما أنواع أخرى، مثل الحبار، متاحة طوال أوقات العام، لكنها «تكون في حالة مختلفة بين الصيف والشتاء، وتتطلب تكنيكا مختلفا من حيث تقطيعها لشرائح».

واستطرد موضحا أنه «يتعين عليك المرور عبر الكثير من فصلي الصيف والشتاء قبل أن تكتسب المهارات اللازمة بصورة كاملة».

الملاحظ أن بعض المطاعم اعترفت بحاجتها إلى تنقيح نظام اجتذاب كبار الطهاة في المستقبل.

عن سبب ذلك، قال هيروشي أوميهارا، المتحدث الرسمي باسم سلسلة مطاعم «كييمورا»، التي يصل عددها إلى 30 مطعما في طوكيو: «الشباب يرغبون في الصعود في مهنتهم، وهو أمر صعب المنال إذا كنت مضطرا للانتظار ثلاث سنوات قبل أن يسمح لك بلمس سكين».

وأشار إلى أن شركته افتتحت مدرسة خاصة بها لتعليم طهي السوشي منذ أربعة أعوام لضمان «أن يلمس المتدرب الأرز منذ اليوم الأول».

تضم المدرسة 20 طالبا ببرنامج مدته ثلاثة شهور، يتكرر مرتين سنويا، ويسعى الطلاب بصورة متزايدة لنيل فرص عمل خارج البلاد.

حتى مع التدريب، يمكن أن تتنوع المهارات اللازمة للأسواق الخارجية عن تلك اللازمة في اليابان.

في هذا الصدد، قال سوهيكو شيميزو (70 عاما) وهو معلم آخر بالأكاديمية: «هناك مهارات معينة غير مفيدة بالخارج»، على سبيل المثال، هناك بعض العناصر التي يفضلها اليابانيون، مثل ثعبان البحر، غير متوافرة بالأسواق الخارجية، بينما يفضل الكثير من العملاء بالأسواق الأوروبية المحار.

في الواقع، أشار ماتسوكي، في وارسو، إلى أن نصف محتويات صناديق الغداء التي يقدمها لعملائه تضم عناصر مقلية. وقال: «الكثير من البولنديين غير معتادين على تناول السمك النيئ. كما أحرص على جعل الصوص يحمل طعما حلوا، ليتناسب مع الأذواق المحلية».

* خدمة «نيويورك تايمز»