«المهرجانات الرمضانية» تعم المدن الساحلية اللبنانية

من طرابلس إلى صيدا طرب أصيل ومنشدون من مختلف الأقطار العربية

عبد الكريم الشعار مفتتحا حفلاته الرمضانية في طرابلس مع الدراويش (تصوير: سدير عبد الهادي)
TT

انتهت المهرجانات بطابعها الغربي المفرنج في لبنان، وبدأت الليالي الرمضانية ذات النكهة الشرقية الميالة للروحانيات الدينية، والغناء التراثي، إضافة إلى الطرب الأصيل. وتعم المناطق ما يمكن تسميته «المهرجانات الرمضانية» التي يسهم في إحيائها وتمويلها السياسيون كما الهيئات الثقافية المدنية والمسارح والبلديات. ويمكن القول إننا أمام رمضان استثنائي بسبب الاستنفار الطربي العارم، بحيث يتم إضافة إلى استضافة المطربين اللبنانيين استقدام مطربين ومنشدين من مصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة وكذلك السعودية وحتى تركيا، وبعضها أسماء لامعة ومعروفة بمهارتها الأدائية مثل مي فاروق من مصر وفؤاد زبادي من المغرب. والهدف هو جعل هذه الليالي الطربية والتراثية موضع جذب بالنسبة للبنانيين.

أكثر البرامج تنوعا، وتمددا من الناحية الجغرافية، هو برنامج «مؤسسة الحريري» الذي تشرف عليه بشكل شخصي النائبة بهية الحريري ويرعاه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وتقدم حفلاته في صيدا وطرابلس وبيروت. وقد تم افتتاح أمسياته في أسواق بيروت مع المطربة تانيا قسيس يوم الاثنين الماضي، في ما افتتحت أولى الأمسيات الطرابلسية مساء الثلاثاء مع المطرب عبد الكريم الشعار وفرقة من المنشدين والدراويش، ليتم تقديم الحفل نفسه بعد ذلك في أسواق بيروت وصيدا.

هكذا بدت طرابلس وكأنها تعود لأصالتها بهذا الافتتاح الذي اختير له «برج السباع» التاريخي مكانا، والمدائح النبوية عنوانا. و«برج السباع» الذي بناه الأمير المملوكي برسباي بدءا من عام 1447 ميلادية واستمر بناؤه سبع سنوات، هو إحدى القلاع والحصون التي شيدها المماليك لحماية المدينة من الهجمات الصليبية، وبقي مهملا في طرابلس وشبه منسي لتخرجه هذه الاحتفالات الرمضانية من مجاهل النسيان وتعيده إلى خريطة المدينة. وانتعشت بدءا من مساء الثلاثاء الماضي هذه المنطقة الأثرية الملاصقة للسكة الحديدية التي توقفت بسبب الحرب الأهلية اللعينة عام 1975 وبقيت آثارها وقاطراتها العتيقة، وقد زين بعضها بمناسبة رمضان، وتحولت إحداها إلى مجلس عربي أنيق، استغله الجمهور الغفير لالتقاط الصور الفوتوغرافية. وحضرت النائبة بهية الحريري الافتتاح في طرابلس، مما يدلل على الاهتمام السياسي الكبير بهذه المناسبات، وتجلى عبد الكريم الشعار في تأدية المدائح والابتهالات، واستعادة سيرة النبي الكريم وصولا لإنشاد «طلع البدر علينا» بطريقته الخاصة. وكانت طرابلس قد شهدت أيضا حفلا في «مركز الصفدي الثقافي» أحيته «فرقة طرابلس التراثية للإنشاد والفتلة المولوية» بقيادة الشيخ جميل الحموي، وقدمت مجموعة من المنشدين أناشيد متعلقة بشهر رمضان وتواشيح دينية ومدائح النبوية قدمها 8 منشدين، بمشاركة 6 راقصين قدموا الفتلة المولوية بثوبهم الفضفاض الأبيض، على إيقاعات 4 ملحنين من الفرقة.

وطرابلس على موعد مع منشد باب الحارة يوم السبت المقبل، حيث يفتتح «مهرجان ليالي طرابلس» الذي ينظمه «مركز العزم والسعادة» الممول من رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، ويُستقبل في ليال تاليه المنشدان السعوديان المعروفان محسن الدوسري ومحمد القحطاني، والمنشد السوري معتصم العسلي والفنان الإماراتي أسامة الصافي ومنشد الشارقة يوسف الديك.

وما بين الدراويش والمنشدين والمطربين والعودة إلى الطرب الأصيل، يقضي اللبنانيون شهرا رمضانيا غابت عنه الخيام والغناء الذي أشاعته التلفزيونات وسوقت له، وجعلته طاغيا على الساحة. وثمة حفلات لأحمد قعبور المعروف بجدية أغانيه، كما المطربة سحر طه، وكورال الفيحاء مع جاهدة وهبي. وينشط مسرحا «المدينة» و«بابل» ليقدما نحو 14 حفلا طربيا وتراثيا خلال هذا الشهر. وبحساب سريع لعدد الحفلات المعلن عنها في لبنان ضمن نطاق هذه الاحتفاليات، بإمكاننا إحصاء ما يزيد على 60 حفلا، هذا فضلا عن السهرات الأخرى التي لا تدخل ضمن لائحة البرامج الكبيرة. وتأخذ هذه الاحتفالات بعين الاعتبار فن الحكي باستقدام حكواتيين، كما تسعى لإحياء القيم التراثية عبر المعارض. إذ يقام معرض للأعمال التراثية والحرفية في طرابلس، كما تشهد المدينة يوما للتراث والفولكلور التركي تقيمه «جمعية الصداقة اللبنانية - التركية»، ويوما آخر يخصص للتراث الفلسطيني.

وهكذا يفرض رمضان مهرجاناته السياحية ذات الطابع الطربي والتراثي، التي تصطدم بموجة حر عارمة، يعتقد البعض أنها ستكون العائق الوحيد الذي يمكن أن يحد من عدد الحضور خلال الأيام القليلة المقبلة على الأقل. فالطقس لا تنحسر حرارته خلال الليل كما ينبغي حتى في الجبال، فما بالك في المدن الساحلية التي تعتبر المراكز الأساسية لهذا النوع من المهرجانات المستجدة. هي مهرجانات كانت تقام على نطاق ضيق في المواسم الرمضانية الفائتة، وها هي تجد صيغة أكبر وأشمل ورعاية أوفر وأكبر من السياسيين، بعد أن اعتبرت حاجة تنموية ملحة لإنعاش المناطق.