الشموع.. ونسة بديلة للمصريين في ليل رمضان

انقطاع الكهرباء جعلها سلعة مطلوبة في الأسواق

شباب وشابات مصريات في وقفة احتجاجية بالشموع ضد انقطاع الكهرباء («الشرق الأوسط»)
TT

فرح العم حسن، وهو شيخ على مشارف الثمانين، بالصلاة على ضوء الشموع، واستعاد أيام زمان، يوم كانت الجوامع والشوارع والبيوت تضاء بمواقد الكيروسين، من دون التعرض لأي ربكة إنارة مثلما يحدث هذه الأيام مع الانقطاع اليومي للكهرباء، سواء أثناء صلاة التراويح التي يحرص الكثير منهم على أدائها في المساجد المكيفة تخففا من حرارة الجو، أو أثناء متابعة المسلسلات والبرامج الخاصة التي انصرف البعض عنها وتفرغ لمتابعة تفاصيل مسلسل انقطاع التيار الكهربائي الذي يواصل عروضه اليومية في القاهرة وجميع المحافظات المصرية نهارا ومساء، مما دفعهم إلى الاستعانة بـ«الشموع» في مواجهة الظلام الذي يسيطر على منازلهم. وتماشيا مع نفحات الشهر الكريم أصبح لسان حال الكثير من المصريين الآن «بدلا من أن تلعن الظلام أشعل شمعة»، لتتحول الشموع بين يوم وليلة من رمز رومانسي بين المحبين، وديني في الكنائس والأضرحة، واحتفالي يرتبط بحفلات الزفاف والمواليد وأعياد الميلاد، إلى أن تصبح الشموع البديل الأول للظلام، الأمر الذي جعل الإقبال على شراء الشموع يلقى رواجا في الأيام الأخيرة، وأصبحت مطلبا أساسيا لدى ربات البيوت يضعنه على قائمة مشترياتها اليومية، ولم يعد مشهدا غريبا أن تمتلئ أركان المنازل حاليا بالشموع أو بحاملاتها التي تسمى «الشمعدان» والتي قد تكون مخصصة لحمل شمعة واحدة أو عدة شموع بعد أن كانت تستخدم من قبل للزينة وللديكور المنزلي وذلك تحسبا لانقطاع الكهرباء بلا توقيت محدد.

تقول السيدة عواطف أحمد، ربة منزل «استخدام الشمع داخل منزلي كان مقتصرا على أعياد الميلاد وكزينة في الاحتفالات، أما اليوم وبسبب الانقطاع المستمر للكهرباء فأصبح وسيلتنا الأولى في الإضاءة، ولم يعد كشاف الطوارئ مجديا هو الآخر، مما جعل الشموع سلعة يومية أقوم بشرائها وأخصص لها ميزانية خاصة بها، وهو ما يزيد من أعبائنا المادية». مع هذا التحول ومع استمرار انقطاع التيار الكهربائي أصبحت الشموع «الدجاجة التي تبيض ذهبا» لبائعيها وتجارها، حيث نشطت تجارة الشموع بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية بعد أن خلت المحال التجارية منها، وأصبح الحصول على شمعة أمرا صعبا بشكل لم تشهده الأسواق المصرية من قبل، بل تطور الأمر لتصبح الشموع تجارة لها «سوق سوداء» حيث تباع بأسعار تتجاوز أضعاف قيمتها الحقيقية.

الإقبال على الشموع كان له سبب آخر، بعد أن كشف أشرف هلال، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية، مؤخرا عن زيادة الإقبال على شراء كشافات الطوارئ الكهربائية بنسبة 100 في المائة، وهو ما أدى لارتفاع أسعارها بنسبة وصلت لنحو 15 في المائة لدى محال الأدوات الكهربائية، موضحا أن مبيعات محال الأجهزة الكهربائية شبه متوقفة نتيجة لاهتمام المستهلكين المصريين بتوفير المواد الغذائية لشهر رمضان وارتفاعاتها المستمرة، باستثناء مبيعات كشافات الطوارئ والمراوح وأجهزة التكييف نتيجة لحرارة الطقس والانقطاع المستمر للكهرباء.. وهو ما عزز من زيادة الطلب على الشموع من جانب المصريين نظرا لرخص أسعارها مقارنة بأسعار كشافات الطوارئ الكهربائية.

ماهر أبو المجد، تاجر جملة، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الشموع لم تكن تلقى رواجا لديه قبل أزمة انقطاع الكهرباء وكانت مخازنه تمتلئ بصناديق الشموع لفترات طويلة، أما الآن فقد تغير الحال، وتحولت الشموع من سلعة «مهملة» إلى سلعة مطلوبة، وتعمل مصانع الشموع على زيادة عجلة إنتاجها منها لتلبية طلبات تجار الجملة وبائعي التجزئة الذين يبيعون الشموع بدورهم للمواطنين حيث لا يجدون بديلا رخيصا غيرها للإضاءة، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الشموع بحسب أحجامها المختلفة نتيجة زيادة الطلب عليها.

ولم تنقطع ردود أفعال المصريين الغاضبة إزاء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وما نجم عنه من الأضرار التي لحقت بهم وما أصابهم من معاناة نفسية ومادية، فبعضهم لجأ إلى رفع دعاوى قضائية ضد رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف والدكتور حسن يونس وزير الكهرباء يتهمونهما بالإهمال الوظيفي والتسبب في تكدير المزاج العام للمصريين في شهر رمضان، بينما تقدم مئات آخرون بشكاوى للمسؤولين بالمحافظات والوحدات المحلية وإدارات هندسة الكهرباء مطالبين فيها بضرورة التحقيق مع المسؤولين وتعويضهم ماديا، بل وصل الأمر إلى تهديد بعضهم بالاعتصام أمام مكاتب المحافظين ورؤساء المدن.وكما يلجأ المتظاهرون إلى الشموع في كثير من دول العالم تعبيرا عن احتجاجهم، أخذت الشموع طريقها إلى أيدي شباب وفتيات حركة 6 أبريل المعارضة الذين نظموا وقفة للاحتجاج على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، رفعوا خلالها الشموع المشتعلة في إشارة منهم إلى لجوء الكثير من المصريين إلى الشموع لاستخدامها في إنارة منازلهم المظلمة.

يقول صبحي أنور، موظف بهيئة حكومية «عندنا وفرة في الكهرباء، ومن غير المنطقي أن يتم قطعها بشكل يومي، وفي سياق مبرمج.. وللأسف هذا يحدث دونما اكتراث بمصالح الناس أو الأضرار التي تصاحب ذلك». وأشار أنور إلى أنه عاد إلى استخدام «اللمبة الجاز» في الإنارة بجانب كميات كبيرة من الشموع للتغلب على الظلام لأنه لا يستطيع شراء كشافات الطوارئ الكهربائية. بينما يشير مدحت عبد الله، مدرس، إلى مدى الخسارة الفادحة التي تلحق بالمواطنين نتيجة انقطاع الكهرباء، مما يؤدي إلى تدمير أجهزتهم الكهربائية من دون ذنب أو سبب اقترفوه، ثم لا يستطيعون استبدالها ولا أحد يعوضهم عنها، لافتا إلى أنه لجأ إلى استخدام الشموع في إنارة منزله والتبرع بكمية منها إلى المسجد المجاور له لتكون وسيلة إضاءة للمصلين، مبديا استياءه من انقطاع الكهرباء التي أفسدت متابعته للبرامج الدينية على الفضائيات خلال شهر رمضان. وأنهى حديثه ساخرا «لجأنا إلى الشموع للإنارة.. ليتها كانت تستطيع تشغيل التلفزيون».

من جانبها تقدمت جمعيات حماية المستهلك بشكاوى كثيرة إلى المسؤولين طالبت فيها بضرورة التدخل لدى جهاز تنظيم مرفق الكهرباء ولدى الشركة القابضة لتوزيع الكهرباء لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تحمي مصالح المستهلك، وضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ حقوق ومصالح المستهلكين من أضرار تكرار انقطاع التيار الكهربائي، مما ينجم عنه تعطل بعض الأجهزة الكهربائية سواء الثلاجات أو الغسالات أو التلفزيونات وغيرها من الخسائر عند عودة التيار. ونوهت الجمعيات بأهمية إحاطة المستهلكين بشكل أو آخر بأوقات انقطاع التيار الكهربائي لاتخاذ التدابير اللازمة لتلاشي الأضرار، كإجراء مؤقت لحين اتخاذ الشركة الإجراءات الكفيلة بالقضاء على ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي ومعالجتها.