المتقدمات في السن يفجرن ثورة على التقاليد.. و«ديكتاتورية» الشعر القصير

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مثالا

في هوليوود كاثرين دينيف وباتريشيا كلاركسون ومريل ستريب يقدمن أمثلة جميلة بأن الشعر المنسدل على الكتف ليس للفتيات الصغار
TT

قدمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون، دليلا جديدا على أن النساء لسن بحاجة إلى التقيد بالتقاليد، أو الخبرات أو الموروثات الثقافية المتعسفة، وتحولت إلى نموذج للنساء اللاتي تجاوزن مرحلة الشباب في حياتهن، وقدمت لهن موضة جديدة؛ فقد تركت كلينتون التي تعيش الآن عامها الثاني والستين شعرها ينسدل على كتفيها، في مظهر جديد عليها، لكنها بدت لطيفة فيه.

توصي الحكمة التقليدية بأن تسلم المرأة بعد سن معينة - عادة ما تكون الخمسينات - شعرها للمقص. ربما يستحيل معرفة شخصية أول من أشار إلى ذلك، لكنها تحولت على مر الأجيال إلى أحد التقاليد الراسخة في الجمال. وربما تواصل بعض النساء التمسك بشعرهن الطويل في سنوات تقاعدهن، لكنهن يفعلن ذلك وهن على علم بأنهن يستخففن بعادة متعارف عليها.

هذا الاعتقاد لا يزال قائما، على الرغم من معارضة أصحاب صالونات التجميل بأن طول أو قصر الشعر يجب أن يكون بحسب ملاءمته للشخص. كما لا تزال تلك الحقيقة قائمة، على الرغم من الأدلة الوفيرة على خطئها، ولعل أشهر الأمثلة على ذلك كاثرين دينيف وباتريشيا كلاركسون وميريل ستريب، فهن سيدات متقدمات في السن، ومع ذلك يحتفظن بشعر طويل. قاعدة ضرورة قص الشعر بعد بلوغ سن معينة لا علاقة لها بما إذا كانت السيدة نحيفة أو بدينة أو ذات شعر رمادي أو أشيب.

تعدد التسريحات القصيرة، بالنسبة للنساء ممن تعدين مرحلة الشباب، تظهر جلية في واشنطن وسياساتها، حيث يوجد القليل من المبدعات المتمردات على التقاليد ومحطمات القواعد أو غريبات الأطوار الذين لا يبالون بما يعتقده الآخرون. وعلى مدار سنوات كانت هيلاري كلينتون تداوم على الحفاظ على القصة المدرجة لشعرها، كثيف في الأعلى ينساب برفق إلى الداخل ومؤخرة العنق. كانت تلك الإطلالة هي ما استقرت عليه بعد سنوات من التعامل مع الهوس العام بعصابات رأسها وغرة رأسها وشعرها القصير. وأخيرا اهتدت إلى نمط كان الأكثر تفضيلا لها، حتى أنها زادت من سخريتها بشأن تزايد الاهتمام الإعلامي بحق المرأة في العبث بشعرهن.

لا تزال بعض التغييرات في قصة شعر هيلاري كلينتون المدرجة موضع تفضيل الكثير من النساء بدءا من المستشارة الرئاسية فاليري جاريت، إلى حاكمة ولاية ميتشغان جنيفر غرانهولم. لكن حتى وإن كان هذا الشكل الجديد سيكون تسريحة الشعر السائدة في الحياة العامة، إلا أنه لن يثير تعليقات كتلك التي قيلت عن شعر سارة بالين - خصلات من الشعر الذهبي تتلألأ من الشعر المرفوع لأعلى - أو وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس الذي يلامس كتفيها.

شعر هيلاري كلينتون الذي يزحف الآن إلى ما دون كتفيها أمر غير مألوف بالنسبة للنخبة النسائية في واشنطن، لكنه رائع بالنسبة لها.

عادة ما يرمز الشعر الطويل في مفرداتنا الثقافية إلى الشباب والأنوثة والجاذبية. ولا عجب في أنه الأكثر تفضيلا لدى نجمات هوليوود. ففي حفل توزيع جوائز إيمي ليلة الأحد لا تشكل الممثلات ذوات الشعر القصير سوى أقلية بين النجمات.

وفي المقابل فإن صاحبات الشعر القصير، ذوات شخصية جدية وقوية وعملية. الضغوط الثقافية للاستسلام لتقليد ضرورة قص الشعر بعد سن معينة يبدو مليئا بالمعاني الضمنية القاسية غير المنطوقة بأن الشعر الطويل علامة على الحيوية والإثارة، إنه نوع من التناقض الاجتماعي أن تشاهد مثل هذه الأنماط على سيدات أنشب السن أظفاره في وجوههن.

السبب الآخر هو أن الشعر الطويل يقلل من أهمية الوجه، والوجه الذي يحمل سمات الرزانة يجب أن يخلو من أي شيء قد يجعله يبدو طاعنا في السن.

عادة ما ينصح خبراء الموضة عملاءهم بالتعامل مع أعمارهم بصورة ملائمة. لكن عندما يملك الكثير من السيدات ممن يعشن سن الأربعينات من العمر حيوية ولياقة أكثر بكثير من المراهقات، يكون السؤال: ما الذي يقرر ما إذا كان هذا الشيء ملائما للسن؟ إذا كانت ساقا السيدة ستبدوان جميلتين في التنورات القصيرة أو سراويل الجينز الضيقة. فما هي علاقة السن بهذا القرار؟ ربما ما يمكن أن يقال في هذا الشأن هو أنه لا ينبغي لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها ألا ترتدي وكأنها سترتاد الجامعة، فتلك مسألة تطور اجتماعي وجنسي، فعادة ما ندهش عندما نرى سيدة في الخمسين من عمرها تتقاسم خزانة ملابسها مع ابنتها الجامعية، أو بالمثل لأب مع ابنه الجامعي؟

لعل السبب في ذلك أن بعض الأزياء توحي بعدم النضوج وعدم الاكتراث. فمن الصعب تخيل فستان تشادو رالف روتشي على فتاة مراهقة. وربما يكون من الصعب أيضا تخيل رجل متقدم في السن يرتدي زيا لامعا.

يمكن للشعر أيضا أن يطلعنا على مكنون صاحبه، فحكايات الشعر شخصية على نحو بالغ وأكثر صراحة من الملابس. فالشعر يمكن أن ينبئ بالمواقف السياسية والثقافية والاجتماعية أو حتى الدينية. إننا نعامل شعرنا مثل كنوز ثمينة، والنساء على نحو خاص لا يملن إلى الثقة في أي شخص بشأن ذلك. فهم يتبعون مصفف شعر شهيرا معروفا، بدلا من محاولة بناء الثقة مع شخص آخر جديد.

تشتهر النساء ببكائهن على قصات الشعر السيئة، ويتعاطفن مع بعضهن عندما تخبر إحداهن صديقة لها بأنها تعاني من صعوبة في التعامل مع شعرها اليوم. ويعود القرار بتغطية الخصلات الرمادية من عدمه إلى الثقة بالنفس والصورة التي يتعاملن بها مع العالم. ولا حاجة للدخول إلى موسوعات الأدب التحليلي التي كتبت عن النساء السود وشعرهن. ربما كان ذلك السبب في هوس العامة بشعر هيلاري كلينتون كسيدة أولى. ولماذا بدت غير مستقرة بشأن شيء ما شخصي للغاية؟

لا رغبة هنا في محاولة لفحص في الحالة النفسية لوزيرة الخارجية عبر التركيز على شعرها الطويل. لذا يمكن للمدافعين عن حق المرأة في أن تكون متقلبة بشأن شعرها الراحة الآن. فسواء أكان شكل شعر هيلاري كلينتون أنثويا أو جميلا أو ناعما فكلها أمور تعود لرأيها الشخصي. ما يهم بصورة أكثر هو طول الشعر. ففي مكان ما بين شعر يصل إلى الذقن أو الكتف يصبح شكل الشعر تذكارا بأن الموروثات الثقافية قد تكون أكثر تدميرا للمرأة خلال تقدمهن في السن أكثر من اختيارهن للملابس.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»