رحلة في المجهول لشخصيات تبحث عن مستقر لها

نساء الغرب الأميركي في «انقطاع ميك»
TT

الولايات المتحدة (المسابقة)

* تقول المخرجة كيل رايشهارد إن الغرب الأميركي (في عصر رعاة البقر والاندفاع للذهب واكتشاف مجاهل ما وراء المسيسيبي) لم يكن بالصورة التي عرفتها السينما عن طريق ألوف الأفلام التي تم إنتاجها من التاريخ الصامت إلى الأمس غير البعيد.. «إنها أفلام اعتبرت أن الغرب الأميركي صنعه الرجال المسلحون عبر الكثير من القتل».

كلامها صحيح، فالمرأة لعبت نصيبا كبيرا في إرساء قواعد الانتشار غربا، وكانت الكنف والطمأنينة كما الحافز والمساعد على تأسيس كيانات بيضاء في الأراضي التي كانت، ذات يوم، ملكا لأمم بلغ عددها خمسمائة ولم يبق منها سوى خمس أو نحوها.

لكن فيلمها «انقطاع ميك» لا ينجح في تغيير هذا المفهوم الذي تعاملت به معظم أفلام الويسترن السابقة، حتى في حدود إمكانياته وفي نطاق كونه إنتاجا يتيما من نوعه. صحيح أن فيلمها يحتوي على دور بارز للمرأة في صنع القرار، لكن الصحيح أيضا أن رسالته لن تصل بالتأثير المرغوب، وستبقى مثل صوت شق الفضاء الشاسع الذي تقع فيه الأحداث فلفت انتباه من سمعه. المشكلة أن من سيسمعون بالفيلم سيكونون قلة بالفعل.

تنطلق الأحداث (وتنتهي) في عام 1845، وما نراه على الشاشة في المشاهد الأولى هو براري وجبال وفضاء شاسع وثلاث عربات تجرها ستة ثيران وبضعة جياد وثلاث عائلات ورجل. الرجل هو ميك (بروس غرينوود) الذي شهد حياة «رجالية» عاصفة من المغامرات والمطاردات ولعب المسدسات يرويها كما كان الحكواتي الذي يروي حكايات أبو زيد الهلالي. الكاميرا غالبا متوسطة وبعيدة عنه وعن باقي الرجال، لكنها أقرب حين تصور النساء ومن بينهن، وأقواهن حضورا، إميلي (ميشيل ويليامز) التي لديها رأي فيما يقوم به أصحاب هذه الرحلة البطيئة من الشرق إلى الغرب. المخرجة تلتقط القافلة من زوايا بعيدة سامحة للعين بالتشبع بالمحيط الأرضي الشاسع. في نهاية المطاف، هؤلاء ليسوا سوى نقاط بسيطة من البشر والحيوانات تبحث عن مستقر لها وسط هذه الأرض الممتدة بلا نهاية. لكن بحثها الأول والأكثر إلحاحا هو عن الماء. يبدأ الفيلم والقافلة تجتاز نهرا عريضا ثم تمضي يومها وليلها بالقرب منه وتملأ براميلها بما تحتاجه من زاد. لكن بعد أيام يبدأ القلق يشوبها عما إذا كانت تسير في الاتجاه الصحيح، أو أن هذا الاتجاه، صحيحا كان أو لا، سيوصلها إلى نهر آخر أم لا. هنا يدخل هندي أحمر واحد الصورة (رود رونديو) إذ يلقي ميك القبض عليه ويعود به إلى القافلة مقترحا قتله. لكن إميلي وزوجها يقترحان إبقاءه حيا فلعله يعرف أين يكمن الماء. باقي الفيلم هو مزيد من الترحال صوب الماء بقيادة حقيقية لإميلي التي تتدخل ثانية لإنقاذ حياة الهندي. هل كان الهندي صادقا في توجيه القافلة إلى حيث الماء أم مخادعا؟ الشجرة وسط الصحراء توحي بأنه كان صادقا وهو يترك الرجال والنساء عند تلك الشجرة ويمضي بعيدا. ربما أنقذ بالفعل حياة الجميع.

فيلم متقشف لكنه آسر وصادق تماما في تناوله تصرفات شخصياته وما يتبدى من حقائق غيبها الزمن وأحداثه الكبيرة. هذا فيلم عن شخصيات مجهولة (مأخوذ عن مذكرات كُتبت في ذلك التاريخ) تصبو نحو حياة أفضل أو مصير غامض. المخرجة ترصد الرحلة بتأن وتصر على ألا يمثل الممثلون بل يشخصوا تلك الأدوار بلا أي مظاهر هوليوودية معتادة. المرء كان يتمنى للفيلم شاشة عريضة لإبراز جماليات الصورة، لكن المخرجة اختارت حصر الصورة في قياس 1.33 الذي يبقي اللقطة في حجم مربع. على ذلك لن تغيب تلك الجماليات ولو غاب الفيلم.