فتحي سلامة: المستمع العربي يستطيع تقبل كل أنواع الفنون

الموسيقي العربي الوحيد الحاصل على جائزة غرامي العالمية

بدأ فتحي سلامة في صعود أول درجة في سلم الموسيقى حينما كان في السادسة حين بدأ تعلم البيانو a ثم بدأ العزف في الأماكن العامة («الشرق الأوسط»)
TT

كان السر في انتشار موسيقى الجاز في مصر، فهو أول من أدخل هذا النوع من الموسيقى إليها، حيث تعكس موسيقاه حبه للمغامرة والرغبة في الخروج عن السائد والمألوف واكتشاف الجسر بين أصول الموسيقى الشرقية والاتجاهات الحديثة. بدأ فتحي سلامة في صعود أول درجة في سلم الموسيقى حينما كان في السادسة، حين بدأ تعلم البيانو ثم بدأ العزف في الأماكن العامة عندما بلغ الثالثة عشرة، تأثر بأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وبموسيقى تشايكوفسكي أيضا، ثم دفعه حلمه للسفر إلى أوروبا وإلى نيويورك لتعلم الجاز مع فنانين عظام مثل باري هاريس وماليك عثمان وبات باتريك.

وفي مشوار سلامة كثير من المحطات، أهمها تأسيس فرقة «شرقيات» عام 1989 التي ما زالت تحصد نجاحاتها حتى اليوم، ومشروعه «كشري» لنشر الموسيقى الإلكترونية، ثم حصوله على جائزتين في الموسيقى التصويرية بالإضافة للجائزتين الأهم وهما جائزة «بي بي سي» وجائزة الغرامي العالمية عن ألبوم «ايجبت» التي لم يحصل عليها أي موسيقي عربي حتى الآن. «الشرق الأوسط» التقت به في شهر رمضان الذي أحيا فيه ثلاث حفلات. وكان لنا معه هذا الحوار.

* بدأت في الثمانينات مع عمرو دياب ومحمد منير.. لماذا غيرت مسارك الفني بعد فترة على الرغم من نجاحك؟

- لأنني لاحظت أنه لا يوجد أي تطور يذكر في الموسيقى وتحول المطربون إلى «أرزقجية» يركضون وراء المال، ومنذ الثمانينات وحتى الآن لم يحدث تغيير في الموسيقى العربية وعندما يعلن المنتجون أو المطربون أنهم جاءوا بالجديد تكتشف في النهاية أنه مجرد نسخة «مهلهلة» من الموسيقى الغربية.

* هل هذا هو السبب أيضا في عدم عرض أغنياتك أو مقاطع من حفلاتك على قنوات الأغاني المصرية؟

- قنوات الأغاني المصرية هي باختصار قنوات «ميلودي» و«مزيكا»، ومحسن جابر صاحب قنوات «مزيكا» صديقي منذ عام 1981 وهو يحمل نفس الفكر الخاص بالأغنيات التجارية، ولهذا لا مكان هناك لأعمالي ولكن لدي كثير من الحفلات المصورة والمقطوعات التي تعرض في الخارج.

* وماذا عن مشروع «كشري» الذي أطلقته عام 2001 لنشر الموسيقى الإلكترونية؟

- قررت أن أقدم تجربة «كشري» لأنني لاحظت أنه لا يوجد الوعي الكافي لدينا كعرب عن الموسيقى الإلكترونية التي تعتبر في الخارج صناعة كاملة مستقلة بذاتها، ومعظم المستمعين لا يعرفون من الموسيقى الإلكترونية شيئا سوى موسيقى الـ«هاوس» التي يرقصون عليها على الشواطئ وحتى «الدي جي» الذين نستعين بهم في مثل هذه الحفلات في مصر هم تجاريون بدرجة كبيرة.

ويعتمد مشروع كشري على تقديم الآلات الشرقية التقليدية بشكل إلكتروني بمصاحبة الفن المرئي وذلك عن طريق استعمال الكثير من الفيديوهات القديمة والعربية مثل لقطات من أفلام قديمة بشكل حديث كما تستخدم كل المعطيات المتاحة لحظيا في الحفل من فرقة إلى جمهور ويتم عرض هذه الصور والخيالات على شاشة ثابتة ومتحركة.

* وكيف تقبل الجمهور المصري والعربي هذا النوع من الفن المرئي عندما قدمته؟

- بصراحة هو لم يقدم بالصورة المبهرة التي يقدم بها في الخارج لأنه للأسف لا أحد يستطيع تقديم هذا الفن بالشكل الجيد في مصر ولهذا فلن يكون الحكم في هذه الحالة عادلا، لكن دعونا نتفق على أن المشكلة ليست في المستمع العربي فهو متذوق بدرجة كافية تجعله يتقبل أنواع كثيرة من الفنون، المشكلة في الفنانين أنفسهم الذين يقولون دائما «الجمهور يريد ذلك»، ولهم أقول الجمهور لا يريد ذلك، الجمهور لا يجد سوى ذلك ولو اعتاد شخص ما على أزيز ذبابة فإنه لن يتضرر من صوتها المزعج بعد ذلك، وهذه مشكلة الفن في عالمنا العربي عموما.

* حصولك على جائزة الغرامي عام 2004 جاء تكليلا لمجهود رحلة طويلة حول مسارح العالم، حدثنا عنها؟

- حصلت على الجائزة عن أفضل موسيقى عالمية معاصرة عن ألبوم Egypt وهو مشروع فني متكامل مع المطرب السنغالي ياسوندور Youssou N’Dour، يتناول الموسيقى الإسلامية السنغالية وارتباطها تاريخيا بالموسيقى العربية، وقد تم إنتاجه بين السنغال ومصر وفرنسا بين عامي 1999 و2003 وقد تم عرض هذا العمل الضخم في جولات على مسارح العالم من 2004 إلى 2007 في أفريقيا وأوروبا وأميركا ومصر.

* إذن لماذا يردد البعض أنهم حصلوا على الجائزة رغم أنك العربي الوحيد الحاصل عليها في مجال الموسيقى؟

- حتى الآن نعم، وأتعجب كثيرا من بعض الذين يقولون إنهم حصلوا عليها ولكن الكلام لا يكلف شيئا، هناك موقع رسمي للجائزة يوضح أسماء الحاصلين عليها وهي جائزة نزيهة جدا لا تشترى كغيرها ويكفي أن أقول إن هناك 12 ألف متخصص دورهم فقط يكمن في اختيار الأسماء الفائزة.

* لماذا أصبح مصطلح الجاز الشرقي مصطلحا يكثر تداوله مؤخرا في الأوساط الموسيقية بمعنى أنه أصبح اتجاها موسيقيا يحرص كثيرون على دخوله؟ - لو عدنا للتاريخ سنجد أن الجاز الشرقي أصلا مصطلح غربي بدأ في الخمسينات وانتشر في السبعينات والثمانينات بصورة أوسع، وبالعودة للتاريخ أيضا سنجد أنني أول من أدخلت هذا الفن لمصر عام 1989 وهو التاريخ الذي أسست فيه فرقة «شرقيات»، وكل ما يوجد الآن من فرق تقدم الجاز الشرقي ما هو إلا اتباع لنفس المسار الذي بدأته بحكم الرغبة في التغيير وتجربة الجديد في الفن بغض النظر عن تقديمه بصورة جيدة أو سيئة.

* يوجد حاليا عدد من الفرق المستقلة تقدم الجاز الشرقي في مصر مثل فريق «إفتكاسات».. ما رأيك فيما يقدمونه؟

- لا أحب أن أقيم الآخرين ولكن يجب علينا عند انتقاد الفنانين أن نقوم بنقدهم بطريقة متخصصة وموضوعية. وعندما أسأل عن هذا سأرد ادخلوا على الإنترنت لتعرفوا الإجابة على ذلك عن طريق البحث في عدة أسئلة: هل قام الفريق بتقديم الجديد؟ كم عدد الجوائز التي حصدها؟ ما عدد المهرجانات الدولية التي شارك فيها؟ لكن بشكل عام فريق «إفتكاسات» واحد من الفرق الحديثة جدا وأغلب حفلاته في القاهرة وقليل منها في الخارج وهي لم تحصد أي جوائز عالمية.

* ما تعليقك على مهرجان القاهرة الدولي للجاز الذي أقامته ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية للمرة الثانية هذا العام؟

- أريد أن أوضح أولا أن هذا المهرجان ليس أول مهرجان دولي حديث يقام للجاز في مصر فقد سبقه مهرجان «مصنع الجاز» Jazz Factory الذي كنت مشرفه الفني وقد كان مدعوما من الوحدة الأوروبية ومن تنظيم مؤسسة المورد الثقافي وقد توقف نتيجة بعض المشكلات الإدارية، ومهرجان القاهرة للجاز أعتبره مبادرة طيبة من منظمه عمرو صلاح، ولكن حتى ينجح يجب أن يتعاقد مع فنانين عالميين ممن لهم شأن في هذا المجال فحتى الآن المهرجان لم يتعاقد سوى مع زياد الرحباني، وفي نفس الوقت أريد أن أشيد بالمهرجان لأنه لم يكرر الفنانين الذين يستضيفهم وهو الخطأ الذي أدى لتوقف مهرجان S.O.S في مصر حيث اعتاد الجمهور على الموسيقيين الذين يستضيفهم المهرجان.

* وما رأيك في مشروع كايرو جاز كلوب أو «نادي القاهرة للجاز» الذي افتتح في مصر في السنوات الماضية؟

- هذا النادي أحترمه كثيرا وأعتز به جدا لأن له رسالة في نشر الفن وهم ناجحون جدا.

* لماذا تصنف موسيقى الجاز في مصر غالبا كموسيقى النخبة بعكس موسيقى البوب مثلا؟

- هذا ليس في مصر فقط بل في كل العالم، فكلما تعقدت الموسيقى كلما احتاجت لمستمع من نوع خاص ولو نظرنا للموسيقى الناجحة سنجد أنها تعتمد على ثلاثة عناصر هامة هي الإيقاع واللحن والمصاحبة أو الهارموني، ولو تأملنا الأغاني التجارية سنجد أن الثلاثة عناصر لا يتم تقديمها بشكل جيد وهذا ما يجعلها موسيقى العامة إذا كانت متوسطة، وموسيقى الجهلاء إذا كانت سيئة. ومستمع الجاز ليس بالضرورة دارسا للموسيقى أو عاشقا للموسيقى الكلاسيكية يكفي أن يكون فقط مستمعا متذوقا للفن الحقيقي.