صورة «الشرق الأوسط» تنفرد ببعد جديد للحرم المكي من على ارتفاع 600 متر

طالعها عشرات الالوف على موقع الجريدة.. وتزاحم على تداولها أكبر المواقع الإخبارية العالمية

صورة الحرم المكي كما التقطها مصور «الشرق الاوسط» خضر الزهراني من فوق برج الساعة الذي يعلو وقف الملك عبد العزيز
TT

دفعت صورة الحرم المكي الشريف في مكة المكرمة، التي نشرتها جريدة «الشرق الأوسط» قبل أمس، أكبر المواقع الإخبارية العالمية، لنقلها وتداولها، والتقطت الصورة من علو على ارتفاع 600 متر، بمحاذاة ساعة مكة، التي ضبطت للتو ثوانيها بصرامة. وكشف مصور «الشرق الأوسط» خضر الزهراني، بعدسته، التي أطلق فلاشها حين سويعات الأصيل، وأثناء رفع المعتمرين والمصلين تمراتهم وقت الإفطار، نصف مساحة مكة المكرمة. وحين تتجه نحو صاحب الصورة لتسأله عن حيثياتها، يفضل الصمت والسكون، معرجا بالقول «إنها صورة موفقة، قد يقتنصها أي مصور مبدع، وليست خلطة سرية أحملها في جعبتي»، مبينا «أن الزاوية التي تم التقاط الصورة منها كانت في الحق جديدة، وتحمل بعدا مغايرا، بحكم متاخمتها لساعة مكة، بارتفاع مهيب تجلت فيه عذوبة المشهد بكل تضاريسه، ورونقه، وتسلسل كينونته، ليكون المشهد الأخير، كما ظهر للجميع».

وعن سر نجاح الصورة والسر الذي حدا بوكالات وصحف عالمية لنشر الصورة على صحفها الإلكترونية والورقية، أجاب خضر الزهراني «ذهلت بالفعل بما نشر، ورأيت اهتماما عالميا بالصورة، انتشرت كانتشار النار في الهشيم، بعضها جير الحق لجريدة (الشرق الأوسط) في النقل، وآخر لم يفعل، وهذه أمور تحكمها المهنية في المقام الأول والأخير». و قام عشرات الالوف من القراء بمطالعة الصورة على الموقع الالكتروني للجريدة.

من جانبه أوضح محمد المالكي، رئيس قسم التصوير في المعهد المهني بجده لـ«الشرق الأوسط» أن تحديد المكان فيما يتعلق بالصورة كان رائعا جدا، مبينا عظمة الحرم الشريف، وهذا دليل على أن المصور لديه القدرة على تحديد المكان المناسب، ناهيك عن أن وضع العدسة كان مناسبا جدا، ووضعية عدسة الـFish Eye توحي بأن الصورة تأتي على شكل الكرة الأرضية في المجمل العام، مفيدا أن الوقت الذي التقطت فيه الصورة كان مناسبا وجميلا، وتجلت في الصورة معالم السكينة والهدوء في الحرم، وهي ساعة الإفطار.

وقال المالكي، إن «التعريض» في العرف التصويري كان لافتا، وهذا يومئ بأن المصور استخدم «الحامل» أثناء التصوير، وهي تعطي فتحة مناسبة، وعمقا ميدانيا، و«المكون» كان جيدا بحكم أن المصور استخدم قاعدة تصوير، وهو ما يعطي السماء الثلث وباقي الصورة ثلثين، وزاد «تطور التصوير في السعودية بشكل لافت للنظر، وواكبته ثقافة بصرية جيدة إلى حد ما، وأصبح ارتباط الناس بالصورة أكثر من ارتباطهم بالمواضيع المقروءة، والدليل أن موجة الاتصالات لم تهدأ منذ نشر (الشرق الأوسط) للصورة، نظرا لإيحاء الصورة بضخامة الحرم وتربعه في مكة المكرمة».

وأشار المالكي، إلى أن السعوديين باتوا قريبين جدا من الاحترافية في التصوير، وصورة «خضر» يكمن جمالها في زاويتها، وحددت جغرافيا ما هو الحرم لمكة.

وحول مقياس الصورة، أكد أن العدسة قصيرة البعد البؤري تعطي عمقا ميدانيا واضحا جدا، وتعطي مسافات أكثر من أن تراها العين الاعتيادية المجردة، وتشكل تقوسات الكرة الأرضية، وعرض الصورة هو نصف مساحة مكة المكرمة وبارتفاع لا يقل عن ستمائة متر.

وعلقت بدورها حياة حفنة، مصورة فوتوغرافية في جريدة «عكاظ» ومجلة «رؤى»، بأن الصورة التي التقطتها عدسة «الشرق الأوسط»، استطاعت أن تحمل أرتالا من الأبعاد الفنية التي نسجت وصاغت منظومة إبداعية آخاذة، قلما تستطيع عدسة مصور انتهازها، وهي بذلك أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الثقافة البصرية خير من ألف شاعر.

وعن تداعيات أهمية الصور إعلاميا، ومن خلال الاتصال الجماهيري، ذهبت حياة حفنة نحو ذلك بالقول، إن العوالم لم يعد يفصلها عن بعضها سوى أيقونة، واستطاعت صورة «الشرق الأوسط»، على سبيل المثال، أن تطمئن ملايين المسلمين على جميع الاستعداد التي تتخذها القيادة السعودية لإدارة الأزمات، وتوجيه الحشود، والتعامل مع المواقف الصعبة، ناهيك عن الصور التعبيرية، والأخيلة الساحرة، التي تميز المشهد، المغني عن ألف قاموس ومئات الدواوين، وآلاف الكاميرات المتحركة، صورة معبرة بكل مضامينها، تحمل في تلافيفها، جسارة المشهد وهيبة النظام، وتحتضن كذلك لواعج الحب الصادق بين المصور والمكان، وكأنهما عاشا توأمة منذ أزل، وكأني بهما يحملان علاقة عاشق بمعشوق، ليكون نتاجها من الوزن الثقيل.

وأشارت المصورة الفوتوغرافية، إلى أن فرصة «اقتناص» المشهد هي ما يروم المبدع ويميزه عن بقية أقرانه، ولك أن تتخيل أنه مخاض سريع عسير، إذ لا بد للمصور المحترف أن يعالج الموقف التصويري بذكاء وسرعة، وبنظرة ثاقبة لصورة «الشرق الأوسط»، نجد أنه تم التقاطها من علو شاهق، وهو ارتفاع يفقد الإنسان العادي توازنه، لا سيما أنها أتت في توقيت ليلي، وبجوار ساعة مكة التي لا يزال العمل بها جاريا، أي أن الظروف لم تكن اعتيادية ساعة الالتقاط، وهنا يتمركز الإبداع.

وأضافت «أن تلك الصورة تستحق أن تناط بها النياشين وتقدم لها الأوسمة، فقد توافرت فيها كل عوالم التصوير المثالي، وتجلى معها بعد أكثر مثالية، اقتنصه المصور الذي كان عينا سعودية عربية وسعت أحداقها للعالم أجمع على ظهر البسيطة، وفي ظل العولمة التي توظف إمكانيات الصورة بطريقة محكمة، فقد منح التطور المذهل في عالم التكنولوجيا ووسائل الاتصال الصورة فرصة نادرة للانتشار والصدارة، حتى غدا الإنسان المعاصر يعيش في غابة من الصور، بما في تلك الغابة من تنوع ووظائف خيرة أو شريرة، والصورة «لغة جديدة» تعلو كل اللغات البشرية، وتتظاهر بالحياد وأحيانا أخرى تشف عن رسائلها بغموض أو وضوح، وهي لكل هذا محتاجة للتأمل والبحث، بوصفها حقلا جديدا من حقول البحث العابر للتخصصات، وباعتبارها صناعة تسيطر على قطاع واسع من مجالات العلم والمعرفة والفن والترفيه».

سوزان إسكندر، مصورة فوتوغرافية، قالت إن تصوير المسجد الحرام يعد من أصعب المشاهد في عمليات الالتقاط إذا إنه يشكل أبعادا مختلفة ينبغي أن تجمع وتكون في بوتقة واحدة، والصورة الملتقطة من قبل عدسة «الشرق الأوسط» تنم عن جمال وإبداع، قلما يحدث.

وأشارت إسكندر، إلى أن مصور «الشرق الأوسط»، خضر الزهراني، انتهز الفرصة ببراعة، واستطاع بروح جميلة، أن يرسم صورة إبداعية تحمل جوانب إنسانية كبيرة، وهي نتاج دراسة وعمق إبداعي وإثرائي، ونحن جموع المصورين نشجعه، ونشد من أذره، ونأمل استمرارية النجاحات وديمومتها، وجمال الصورة أنها التقطت من زاوية صعبة، وليس كل المصورين قادرين على عملية الالتقاط من ارتفاع يربو على ستمائة متر، وهي منطقة تحتاج إلى كثير من هدوء الأعصاب، والتوازن، ناهيك عن المقدرة الرامية لالتقاط فترة حساسة، ينبغي أن يجمل فيها المصور مشاهد الازدحام والانتظام في الصلوات. وأبانت سوزان إسكندر، أن الصورة تحمل فنا وكتلا من المشاعر، وقد تأملت الصورة مرارا ودققت في ثناياها، وعلى الرغم من أن أحد أضلاع الصورة أخذ جانبا من الحرم، لكنه لم يغير من جمال الصورة، واستطاع المصور أن يتعامل مع فترة الليل بذكاء واحترافية، وهي مهمة شاقة ليلا في عملية تصوير المشاهد، وهو دليل إبداع وحب وعشق في تطويع الأوقات الصعبة، والأماكن الشاهقة، بمشاعر خاصة، لا يفهمها إلا إنسان مثابر ومجتهد لا يكل عزمه حتى يقتنص تلك الأوقات التاريخية، ومكة تحفها نسائم البركات والروحانيات.

وقالت سوزان، إن من المؤسف في المجتمع السعودي ضعف الثقافة البصرية، والوكالات العالمية والمواقع الإخبارية حين التقطت الصورة، بشكل كبير ومذهل، إنما تعطي دلالة مفادها أن العالم بات يتحدث لغة بصرية واحدة، ويجمع بالكامل ثقافة موحدة من وراء محيطاته وبحوره وجباله، وأن ثقافة الصورة امتداد فكري لا ينبغي إغفاله، ووسيلة مثالية للاقتران بالعقل البشري بمنتهى البساطة والوضوح والإقناع، وتجسد ما ينبغي أن يصل عبر الحدود والأقطار بشكل جمالي وإبداعي، وما زالت المجتمعات بالداخل ترى تلك الثقافة بشكل مغاير وتنظر لها على أنها شيء عابر، لأنهم يجهلون ثقافة الفن الفوتوغرافي.

وأبانت أن من يحضر للمعارض العالمية يرى أن كثيرا من المعارض حين تقام، تباع فيها اللوحات بنسبة تسعين في المائة، وهذا الشيء مفقود هنا بفعل المجاملات، ونتائج الصور، وبدأت هناك اتجاهات نحو سبر أغوار الفن الفوتوغرافي، وبتنا في أمس الحاجة لإحداث نقابة تعنى بالفن الفوتوغرافي تتأصل فيها روح المؤسسة الحقيقية نحو الوصول للعالمية.

الفنانة التشكيلية أماني الشمراني علقت على الصورة بالقول «اختصر المبدع بعدسته ساعات لا تكفي للتأمل، وجذبت (الشرق الأوسط) كلمات مصورة لا تترجم، مما جعلها محط أنظار الوكالات والأقمار العالمية، وحين نظرت لأعظم بقاع الأرض بتلك الهيئة التي لم أعتد على رؤيتها بها حتى من خلال ملايين الصور التي تملأ شاشاتنا وصحفنا ومجلاتنا، أهابني المنظر وأدهشتني التفاصيل والمنجزات والتجسيد، فكأنني أرى نورا من العظمة الإلهية أخرجت من باطن الأرض حتى تنير ظلاما احتضنها كل شهور السنة، خاصة في شهر الصيام والقيام».

وقالت إن منظر الأمة الإسلامية العابدة المتعبدة لربها الواحد الأحد الفرد الصمد كاللآلئ المنثورة والمزخرفة بماء من ذهب تشع بقوة لا تضاهيها قوه، ليست تلك إضاءة صنع بريقها، ولا تقنية إلكترونية معالجة، بل هو نور ألبسه الله وجوه وأجساد عباده الأتقياء. مختتمة بأن هذا المنظر ينتظر بشوق مجنون رؤية الأمة الإسلامية المتعاضدة والمتكاتفة في زمن الفرقاء والأطماع والمصالح الشخصية.

ثروت سلام، مصورة فوتوغرافية في جريدة «المدينة» اعتبرت أن الصورة في عصرنا الحالي عنصر مهم في تجسيد جميع المواضيع، سواء كانت علمية أو ثقافية أو إخبارية أو تجارية، ويقال رب صورة تغني عن ألف كلمة، وتعبر الصورة عن المشهد كاملا، مضيفة أن تقنية التصوير أصبحت كل يوم تزداد تطورا في علم التصوير، وهناك عدسات للملاعب تصور فعاليات المباريات بدقة متناهية وكذلك توجد عدسات منها ما هو معروف في وقتنا الحاضر 1200 ملم لتصوير الحيوانات في الغابة عن بعد، وهناك عدسات دقيقة جدا مثل الميكروفيلم لتصوير الحشرات والديدان، وأيضا هناك تصوير تحت الماء والتصوير أصبح علما لا حدود له، وكل يوم نكتشف علوما وأجهزة حديثة في التصوير.

وأضافت ثروت «اليوم في وقتنا الحاضر، كما نعلم أصبح جهاز الكومبيوتر والإنترنت والـ«فيس بوك» ينقل ما يحدث يوميا في العالم بجميع التطورات، ومنها التصوير ومشاهدة الفوتوغرافيين على جميع مستوياتهم، ونقل صور على جميع المستويات والمناظر، وهذا يعتبر في حد ذاته نقلة كبيرة للفوتوغرافيين للتعرف على بعضهم البعض، وكذلك لتنمية المهارات.

وأشارت إلى أن ثورة الصور تعتبر من ضمن الاختراعات الحديثة، خاصة بعد تطوير التصوير إلى التصوير الرقمي، أما بالنسبة لحمايتها فهذه مسألة كبيرة على نطاق الدول والمسؤولين والجمعيات لحماية الصور الفوتوغرافية، والمجتمع السعودي مجتمع كبير يهوى الثقافة والمعرفة، ويعتبر ذلك جزءا من حياته، ولكن مع الأسف الشديد كان هناك تشويش بأن الصور الفوتوغرافية بها حرمة، أدى إلى تعطيل مسار التصوير الفوتوغرافي كذلك.

وعابت ثروت عدم وجود معاهد أو مدارس تدرس فن التصوير إلا منذ وقت قصير، بينما أصبح فن التصوير في الغرب يدرس في الجامعات حتى إن علم التصوير لا يقتصر على البكالوريوس أو الماجستير وإنما يصل إلى حد الدكتوراه «ولكن الذي أراه في وقتنا الحاضر انه توجد طفرة في علم التصوير».