الحنين إلى الوطن يجتاح أبناء الجالية الأفغانية في دلهي

حولوا منطقة لاجبات ناغار في المدينة الهندية إلى نسخة من قلب عاصمتهم كابل

انتشرت في الآونة الأخيرة المطاعم والمخابز الأفغانية في دلهي وتحتفل أعداد كبيرة من أبناء الجالية الأفغانية بأعيادهم في المتنزهات العامة (أ.ب)
TT

يدخل اللاجئون الأفغان داخل الهند في مساومات باللغة البشتونية مع بائعي الخضراوات ويعكفون على صناعة المخبوزات الأفغانية داخل مطاعم صغيرة، وقد وجدوا لأنفسهم وطنا داخل العاصمة الهندية، دلهي.

منذ سنوات، داخل مخبز صغير في كابل، تعلم موهد ساروار صنع العجين وتقطيعه لأجزاء، ثم بسطه وإدخاله برفق داخل موقد يعمل بالنار. ويعمد ساروار إلى استعادة مهارات صنع الخبز التي تعلمها في طفولته من ذاكرته، وذلك أثناء عمله في متجر صغير مؤجر في منطقة بهوغال بدلهي يحمل اسم «أفغان نانواي» (متجر مخبوزات).

في الخارج، اصطف عدد من الأفغان، وبالداخل عمل أربعة لاجئين أفغان، من الطاجيك، على إعادة بناء البيئة المميزة للوطن، حيث امتلأت الجدران بقطع نسيج مزدانة بصور لقرية وفي الخلفية ارتفع مسجد، بجانب لوحات تحمل آيات قرآنية.

يبلغ عين الدين، المعروف هنا باسم الملا جان، من العمر 26 عاما فقط، وهو شريك في المخبز. ويبدو الملا جان سمينا وأكبر من سنه الحقيقية، وقد جلس يحسب بعض المال على طاولة مغطاة ببساط صنع في الوطن. بحلول السادسة مساء، شرع بقدر واضح من الخبرة في صنع قطع من الخبز لخدمة سيل مستمر من العملاء - ينتمون في معظمهم إلى الأفغان، بجانب قليل من الهنود والأجانب - حيث يشترون القطعة الواحدة مقابل 10 روبيات.

تعلم الملا جاك الهندية من أفلام بوليوود ويتحدثها جيدا. أما الأفغان الذين يتوقفون عند متجره لتجاذب أطراف الحديث معه عن الطقس أو أطفالهم فيتحدثون اللغة الدارية، وهي صورة منوعة من الفارسية المستخدمة في أفغانستان. ونادرا ما يذكرون كمية الخبز التي يرغبون في شرائها. ومع ذلك، يشرع الملا جاك بعفوية في جمع الخبز - رغيف أو اثنين أو حتى أربعة - ولفه في أوراق صحيفة. الملاحظ أن الملا جان يعرف الأسر جيدا، وخاصة أن غالبية أفرادها يفدون إليه لشراء الخبز ثلاث مرات يوميا الذي يجري خبزه بما يتوافق مع مواعيد الوجبات. ويبيع المخبز نحو 600 رغيف يوميا.

ولدى كل من الملا جان وساروار أسباب تدعوه للبقاء هنا. ويرغب كلاهما في الزواج، لكن ساروار يقول إن الفقر والجفاف تسببا في ارتفاع مهر العروس لمستويات تفوق العقل في أفغانستان. طبقا لما تقتضيه التقاليد، ينبغي أن يدفع العريس مهرا لأهل العروس كي يتم الزواج. وقد ارتفعت قيمة المهر حاليا إلى 10.000 دولار. لكن التقاليد الأفغانية تقتضي أن يتقدم بطلب الزواج أعضاء كبار السن في أسرة الرجل، بينما يفتقد كلا الرجلين وجود أي من أقاربهم هنا. وقال الملا جان مبتسما: «سينوب كل منا عن الآخر في عرض الزواج».

تعود علاقة الملا جان وساروار إلى فترة الصبا، حيث غادرا أفغانستان في الـ15 من العمر، بعدما أجبرهما أعضاء في طالبان على ترك المدرسة. وقد سافر كلاهما عبر إيران وباكستان ليستقرا في النهاية في الهند. هنا داخل شقته الصغيرة المتاخمة لمسجد في بهوغال، يشعر الملا جان بأنه لا يزال في وطنه.

وقال الملا جان: «لقد شعرت دوما في الهند بأنني في وطني. أحب وجودي هنا، فالمكان هنا لا يختلف كثيرا عن بلادي. هنا، يتركوننا نعيش بحريتنا. لذا، بإمكاني قضاء عمري بأكمله هنا».

بالنسبة لعلي جان، (15 عاما)، من الهزارة، يشكل المخبز وسيلة للانتقال لمرحلة أخرى في حياته. يرتاد علي جان المدرسة ويرغب في تعلم الإنجليزية بحيث يتمكن من الالتحاق بالجامعة. في وقت فراغه، يعمل كمسؤول حسابات في المخبز ويتقاضى 750 روبية مقابل ذلك.

من ناحية أخرى، قدم سيد غلام، الذي توقف لإلقاء التحية على الملا جان وساروار، باعتباره مرشدا بمجال السياحة الطبية ومترجما. وقال عن نفسه: «أساعد الأفغان في خوض الإجراءات الرسمية بالمستشفيات. نحن الأفغان لم نبتل بهذا القدر من الأمراض من قبل. إننا نتعرض لها الآن فقط بسبب القنابل التي زرعها الأميركيون في أراضينا».

تعيش ربيعة عين الدين في الهند منذ ثلاث سنوات وتعلمت أن تحوم حول الأزقة المزدحمة بالمنطقة والحديث إلى المارة بالبشتونية ووضع الحنة على يدها وشراء الخبز من المخبز الأفغاني في طريقها للعودة إلى منزلها. قدمت ربيعة للهند كلاجئة هاربة من جحيم الوطن وتحمل بداخلها حنينا إلى الماضي. لكن الروائح والوجوه التي قابلتها بدت مألوفة.

منذ عام، بدأت هي وأسرتها مشروع «مطعم كابل» هنا في بهوغال. وربما ستبقى هنا لسنوات قادمة، بل وربما للأبد. ورغم وجودها بالهند، لا تشعر ربيعة بالحرمان من سماع البشتونية، فمثلا بائع الخضراوات المرابط على الجانب الآخر من الشارع أمامها أفغاني. وعندما تدخل في مساومة معه حول السعر، يجري الحديث بينهما بالبشتونية.

وعن الهند، قالت ربيعة: «المكان هنا كالوطن تماما، فنحن نعيش هنا معا. ويعيش معارفنا هنا في بهوغال منذ 15 عاما، وقمنا ببناء البنية التحتية الخاصة بنا ونظام دعمنا».

ويعتبر المطعم والمخبز الأفغاني من المؤشرات على اندماج الجالية الأفغانية في البلد الأجنبي. ويرتاد أطفالهم مدارس مجاورة، بينما يؤكد الأفغان من سكان المنطقة أن الشرطة تساعدهم كثيرا وأنهم لا يجابهون مشكلة في استئجار منازل.

في المساء، يجتمع الرجال خارج المخبز ويدخنون التبغ، حيث تحول المخبز إلى المركز الأساسي داخل الحي، خاصة مع حرص الشباب الأفغاني على الإسراع بالتوجه إليه لشراء الخبز قبل العشاء.

مع حلول الظلام، يقف رجل أفغاني أمام المخبز لبيع حساء دجاج.

الملاحظ أن شعورا قويا بالحنين يجتاح أبناء الجالية الأفغانية في دلهي يتجلى في صور مزار الشريف المعلقة على جدران المطاعم والمودة التي تنطق بها محادثاتهم بعضهم مع بعض وتحفظهم في محادثاتهم مع أبناء دلهي الآخرين.

وتبدو منطقة لاجبات ناغار في دلهي شبيهة بقلب كابل، وتتمثل أحد الأسباب في ذلك في انتشار المطاعم والمخابز الأفغانية بها. ويبدو الطعام الخطوة الأولى نحو إعادة خلق مشهد الوطن، وعبر الطعام يبدو كأن لسان حال اللاجئين الأفغان يقول: بإمكاننا العبور إلى الهند والاندماج في ثقافاتها المتنوعة مع الاحتفاظ بجذورنا الثقافية.

طبقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يوجد بالهند 11.000 لاجئ أفغاني مسجل (أكبر مجموعة رسمية مسجلة من اللاجئين)، لكن وكالات أخرى تشير إلى أن ما يصل إلى 60.000 سعوا للحصول على اللجوء هنا - تركزوا جميعا في دلهي وحدها.

وقد حصل بعضهم على المواطنة الهندية. يذكر أن الكثير من اللاجئين الأفغان، الذين يعمل معظمهم باعة داخل المدينة، كانوا يتقلدون مناصب مرموقة في بلادهم قبل اضطرارهم للرحيل عنها. وقد عاد بعضهم لأفغانستان، ثم عاود التسلل إلى الهند مجددا، مبررين ذلك بأن الأوضاع في الوطن لا تزال غير مستقرة.

من جانبه، قالت نايانا بوز، من مكتب المفوضية العليا للاجئين في دلهي: «لا تقدم الهند للاجئين الحق في العمل بالقطاع الرسمي، لكن جميع اللاجئين بإمكانهم العمل بالقطاع غير الرسمي. وطبقا لتقارير إعلامية صدرت مؤخرا، يشكل هذا القطاع 86 في المائة من الاقتصاد الهندي».