البحث عن الأمل داخل غزة بمساعدة أستاذ الطب النفسي بجامعة جورج تاون

جيمس غوردن أخذ وسائله إلى البوسنة وكوسوفو ولويزيانا وقطاع غزة وإسرائيل

يتحدث الدكتور غوردن حاليا مع الهيئات الفلسطينية داخل الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية بشأن تطبيق البرنامج هناك («نيويورك تايمز»)
TT

يرسم سائقو سيارات الإسعاف ذو الملامح القاسية داخل هذه المدينة وسط قطاع غزة صورا عن أشكال الخوف التي يواجهونها باستخدام أقلام الطباشير. وداخل قرية العطاطرة الشمالية الغربية، وفي قاعة حارة ولا توجد بها كهرباء، يغلق أطفال في العاشرة من أعمارهم أعينهم، ويتخيلون مكانا آمنا. وفي مدينة غزة، يرقص بعض النسوة، اللاتي فقدن أبناءهن خلال أعمال عنف سياسية، لينسين توتراتهن والملابس السوداء.

بصورة عامة، لا يُعتبر قطاع غزة الذي ينتشر فيه اللاجئون وتكثر فيه الصعوبات مركزا لمشاعر «العصر الجديد». ولكن من خلال تدخل طبيب نفسي أميركي تلقى تدريبات تقليدية، تعلم قرابة 10000 شخص هنا وسائل تساعدهم على التلطيف من مشاعر الغضب والتغلب على التوترات الأسرية والإحساس بنوع من السيطرة وسط بيئة تشتهر بالعجز.

وقالت هضبة أبو دحا، التي تعيش بالقرب من الحدود الإسرائيلية عبر معبر كيسوفيم شرق غزة، خلال جلسة أخيرة: «زوجي مريض، وفقدت صديقتي المقربة مني قبل أيام قليلة، وقام الإسرائيليون بإطلاق القذائف بالقرب من منزلنا الليلة الماضية. نشعر بالأمان لأننا ضمن هذه المجموعة، فأنا كما لو كنت على سجادة علي بابا. وهنا يمكننا التعبير عن مشاعرنا ونعرف أن هناك من سيهتم بنا».

وتقول أبو دحا وآخرون إن الوسائل، التي أُعدت لتناسب مَن يعانون من ضغوط وتقدم مجانا، كانت مفيدة لهم ولأطفالهم وأزواجهم الذين يعلمونهم تلك الوسائل.

ويقف وراء ذلك الدكتور جيمس غوردن، الأستاذ بكلية الطب بجامعة جورج تاون وخريج كلية الطب جامعة هارفارد والذي عمل رئيسا للجنة سياسات الأدوية البديلة والتكميلية بالبيت الأبيض. ويعد غوردن الأميركي الاستثنائي واليهودي الذي يقوم بزيارة غزة بصورة منتظمة منذ 2002.

وقال الدكتور غوردن (68 عاما) أخيرا في إحدى رحلاته هنا: «ليست لدينا القوة التي تمكننا من تغيير المأساة التي نعاني منها. ولكن يمكننا أن نساعدهم على الحصول على نوع من القدرة حتى يتسنى لهم النظر إلى العالم بصورة مختلفة».

وقد كان النظر إلى العالم بصورة مختلفة نهجه على مدى 40 عاما. وعندما كان يُنظر إلى العلاج بالوخز على أنه مجرد ضرب من الشعوذة داخل القطاع الطبي الأميركي، كان الدكتور غوردن يدرسه ويروج له.

ويتولى الدكتور غوردن إدارة مركز «طب العقل والجسم» منذ عام 1991، وقد أخذ وسائله إلى البوسنة وكوسوفو ولويزيانا بعد إعصار كاترينا وقطاع غزة وإسرائيل. وحسب ما ذكره في مقال داخل «جورنال أوف كلينيكال سيكياتري»، فقد أدى البرنامج إلى تحسن كبير في الشعور بالضغط والاكتئاب واليأس لدى المشاركين، فور المشاركة وبعد أشهر من ذلك.

وقد حصل حاليا على منحة من وزارة الدفاع الأميركية لتجربة هذه الوسائل مع الجنود العائدين من العراق وأفغانستان الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة ومن اكتئاب حاد.

وربما يُنظر بغرابة إلى تلك المنظومة، التي تجمع بين عناصر من العلاج النفسي ووسائل المساعدة الذاتية التقليدية. ويُقسم المشاركون إلى مجموعات تضم عشرة أفراد، ويجتمعون أسبوعيا على مدار 10 أسابيع. ويقومون بمجموعة من التمارين من بينها إغلاق الأعين و«الحديث» إلى الآلام وتخيل مكان آمن والرسم والرقص.

ولكن، لدى مَن اجتازوا البرنامج هنا حماس كبير، ولذلك ينتشر عشرات المعلمين التابعين للبرنامج في مختلف الأماكن داخل غزة، ولا يحصل الكثير منهم على راتب. وتوجد قوائم انتظار بأسماء أفراد يريدون الانضمام إلى البرنامج.

ويقول شاهر ياغي، وهو مستشار بالبرنامج ويعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة: «يعد تقديم الاستشارات النفسية شيئا جديدا داخل الثقافة العربية، حيث لا يريد الناس أن يبدوا مثل المجانين ولذا يتجنبون العلاج. ولكن، يكون الشعور بالإحراج أقل داخل المجموعة. وليس من السهل أن تخرج النساء وحدهن في ثقافتنا، ولكن يمكنهن هنا إحضار صديقة. ونعرض عليهن كيف يمكنهن التكيف على الأوضاع وتغيير حالتهن المزاجية وتحقيق توازن».

ويقول محمد الصباح، مدير خدمات الرعاية النفسية بوزارة الصحة التابعة لحماس، إنه داخل قطاع غزة الذي يوجد فيه 1.5 مليون نسمة هناك 6 أطباء نفسيين و22 أخصائيا نفسيا. وبعض المستشارين عبارة عن أخصائيين نفسيين مدربين، ولكن المعظم ليس كذلك.

وقد قام الدكتور غوردن، الذي أنفق 3 ملايين دولار على برنامجه داخل قطاع غزة جمّعها من متبرعين خاصين، بتدريب 200 قائد للمجموعات هنا خلال جلسات استغرقت أسبوعا. ويعد التدريب عبارة عن دورة مكثفة من الجلسات التي سيقوم المستشارون بعد ذلك بتعليمها مع بعض الدعم النظري. ويستأنف المستشارون تدريبهم في اجتماعات نصف شهرية مع بعضهم البعض.

ويقول الصباح إن وزارة الصحة أثنت على البرنامج، وأنه معلم فيه. ويقول الدكتور غوردن إن وزير الصحة باسم نعيم كان مرحبا ببرنامجه ولم يشعر بالانزعاج لأنه يهودي.

وللتعامل مع المخاوف بشأن الموسيقى والرقص، وهما جزء من الوسائل المتبعة في البرنامج ولكن يرفضهما نهج إسلامي متشدد منتشر هنا، يتم الفصل بين الجنسين. كما تكتسب الموسيقى صبغة إسلامية أو شعبية، وتستخدم في الأغلب رقصة الدبكة الفلسطينية الشعبية.

ويتحدث الدكتور غوردن حاليا مع الهيئات الفلسطينية داخل الضفة الغربية، التي تديرها السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح، بشأن تطبيق البرنامج هناك، وربما يتم ذلك من خلال قيام الغزيين بتدريب أفراد هناك.

كما قضى أيضا وقتا في تدريب إسرائيليين ممن يتعرضون لهجمات صاروخية تطلقها حركة حماس. وعلى ضوء الدمار الكبير بسبب هجمات صاروخية خلال العامين الماضين، قل عمله داخل إسرائيل ولكن قبل عامين كانت يتم تطبيق نفس البرنامج داخل غزة وإسرائيل في الوقت ذاته.

وقد جلب مستشارين من كوسوفو إلى هنا لتدريب الغزيين وأحضر مستشارين من إسرائيل وغزة معا للتدريب. ويخطط لأن يأخذهم جميعا، مع المستشارين من الولايات المتحدة إلى هايتي لتدريب مواطني هايتي الذين تعرضوا لويلات الزلزال. وتعبر فرق العمل عبر الدول عن رؤيته للتعامل مع الصدمات في مختلف أنحاء العالم.

ويجتمع المستشارون داخل غزة مرة كل أسبوعين، ويتبادلون الانطباعات والنصائح مع بعضهم البعض. ويصفون الاجتماعات بأنها مكانهم الآمن. ويقول جميل عبد العاطي، وهو رئيس البرنامج في غزة: «نحاول أن ننظر إلى الضوء وإلى الأمل وأن نخلع النظارة السوداء».

وبالنسبة إلى بعض المشاركين، يظهر الشعور بالتفاؤل سريعا. وفي العطاطرة، جلست مجموعة صغيرة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والعاشرة لتلقي الدرس الرابع في إطار البرنامج. وطُلب منهم رسم ثلاث صور: أنفسهم، وأكثر شيء يقلقهم، وكيف سيبدو الحال بعد علاج مشكلتهم.

ورسم الطفل حازم (10 أعوام) مشكلته، مثلما فعل الكثير من الآخرين، كدبابة إسرائيلية توجه مدفعها ناحية منزل، وهو ما حدث خلال الحرب قبل 19 شهرا. وكان رسم الحل غير معتاد، حيث ظهر فيه الجندي الموجود داخل الدبابة وسكان المنزل وهم يتصافحون.

* خدمة «نيويورك تايمز»