الرقابة اللبنانية تمنع عرض فيلم «شو صار» وتقول إنه يثير النعرات

وثق فيه المخرج رحلة بحث عن مرتكبي مجزرة راح ضحيتها والداه

TT

للمرة الثانية يحاول المخرج اللبناني ديغول عيد عرض فيلمه «شو صار» وتعترضه الرقابة، معتبرة أنه يثير النعرات. المرة الأولى كانت في شهر أغسطس (آب) الماضي، أثناء «مهرجان الفيلم اللبناني»، وها هو مهرجان «أيام بيروت السينمائية» الذي يبدأ في 16 سبتمبر (أيلول) الحالي يضطر أيضا لإلغاء عرض الفيلم، لإصرار الرقابة على قرارها. وتقول مديرة المهرجان هانية مروة لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى أن لا يفهم بأننا نوافق الرقابة، فنحن ضد منع أي فيلم، لكننا من جهة أخرى لا نملك حق مخالفة القوانين».

ويأتي المنع بسبب إتيان فيلم «شو صار» على إظهار جهات حزبية لبنانية وأسماء أشخاص محددين، على أنهم شاركوا في ارتكاب مجازر أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، مما يمكن أن يثير النعرات. هذا ما قالته الرقابة للمخرج شفهيا، دون أن تزوده بأي رسالة خطية، توضح سبب المنع. بحسب ما قاله المخرج لـ«الشرق الأوسط».

ولا يريد ديغول عيد، العائد من فرنسا بفيلمه الذي يروي قصة مجزرة قضى فيها والده ووالدته وأخته الصغيرة أمام عينيه مع 11 شخصا آخرين، أن يستسلم أمام الرقابة. وهو يحاول حاليا التنسيق مع عدد من الجمعيات المدنية الأهلية والسينمائيين إما لعرض الفيلم عرضا خاصا أو لعقد مؤتمر صحافي يوضح فيه وجهة نظره للرأي العام. هذا ما شرحه لـ«الشرق الأوسط» المخرج ديغول عيد قائلا: «سأفعل المستحيل كي يرى اللبنانيون فيلمي، ولا نزال ندرس الإمكانيات المتاحة»، معتبرا أن فيلمه الذي عرض في دبي وإسبانيا، وإيطاليا وحاز على جائزة أحمد عطية التونسية إضافة إلى جائزة مهرجان «سان سباستيان» في إسبانيا، وسيعرض في فرنسا مطلع العام المقبل، يعني اللبنانيين أولا وأخيرا. ويضيف عيد: «أروي في الفيلم قصة مجزرة مر عليها 30 سنة راح ضحيتها أهلي وأصيب اثنان من إخوتي. هم يمنعونني من التحدث عن القتلة أو أن أسميهم لأنني بذلك أثير النعرات بحسب ما يقولون، بينما القتلة يسرحون ويمرحون ويمشون في الطرقات، وليس هناك من يحاسبهم».

الفيلم وثائقي، لكنه يختلف عن الأفلام الوثائقية التي تعودنا عليها في أسلوب الطرح والمونتاج وهو من إنتاج الفلسطيني رشيد مشهراوي. وخلال ساعة وربع الساعة نرى المخرج (ابن الضحايا) يعود إلى لبنان في رحلة بحث عن حقيقة ما جرى لعائلته، من هو المسؤول عن المجزرة التي وقعت أمام عينيه عندما كان عمره عشر سنوات؟ كيف وقعت؟ وما هي الظروف التي رافقتها؟ يقول عيد: «تركت لبنان وأنا عمري 19 سنة، وها أنا أعود وعمري أربعين. أثناء تصوير الفيلم في قريتي عدبل في عكار حيث حدثت المجزرة، وبعد ساعة ونصف الساعة من التصوير التقيت صدفة أحد قتلة أهلي. عرفته بالطبع فهو أحد الذين دخلوا البيت وأطلقوا النار. لم أتوقف عن التصوير وسألته، هل تعرفني؟ بالتأكيد هو لا يعرفني، لكنني ما زلت أذكر هؤلاء الأشخاص جيدا». ويتابع عيد الذي أبقى على هذا المشهد في فيلمه ليقدم لمشاهده صورة من يقول إنه أحد قتله أهله بعد ثلاثين سنة على الجريمة: «إذا كان الزعماء قد تواطأوا على النسيان، فنحن لا نستطيع أن ننسى. هذا لا يعني أنني أطالب بالانتقام. أنا أطالب بعدم النسيان، كي لا يتكرر ما حدث سابقا مرة أخرى. هذا هو الهدف، لذلك أريد لفيلمي أن يعرض في لبنان».

وجدير بالذكر أنه في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، صدر قانون عفو عام عن الذين ارتكبوا جرائم، وهو ما أعفاهم من المحاكمة ونيل جزائهم. وهذا ما يعرفه عيد، لكنه يقول: «العفو لا يعني محو الذاكرة، ومنعنا حتى من الكلام عن أوجاعنا. لقد عفوا عنهم، حسنا، ولكن هل هذا يعني أن يسكتونا أيضا عن قول الحقيقة. قصتي هي قصة كل لبناني تعرض لما أصابني مع أهلي، ولا يستطيع التعبير عن شعوره كما أفعل أنا كسينمائي، لي لغة فنية أقول من خلالها مشاعر كثيرين مثلي».

نسأل عيد، لكن تسمية جهات محددة مثل الحزب القومي، وحزب الكتائب في الفيلم، وأسماء بعينها، قد تثير المشكلات؟ يجيب عيد: «مؤكد أنني يجب أن أذكرهم، أنا لا ألعب مع أحد. السينما التي أقدمها واقعية، وتسمي الأشياء بأسمائها، وليس هدفها التلميح. إنما أردت فيلما حقيقيا إنسانيا، لكل الشرائح، ليس طائفيا ولا تحريضيا. أنا أدين ما حصل خلال الحرب، وأعتبره خطأ، ومسؤولية كل الجهات السياسية من دون تفرقة بين جهة وأخرى». ويضيف عيد وقد تملكه الغضب: «هل يعقل أن يمنع فيلمي فقط لأنه يقول الحقيقة بصراحة، ولماذا يمنع علينا الصدق؟ ما أعرفه أنه لا يوجد أحد في العالم مُنع فيلم له، إلا وأنصفه الناس بعد ذلك بسنوات، وفيلمي سيراه اللبنانيون عاجلا أم آجلا، وهو لا يثير النعرات كما يقولون، لكنه يتناول الأحداث بشكل حضاري. ما يجب أن يمنع لأنه يثير النعرات هو خطابات السياسيين التي نسمعها كل يوم على التلفزيون».

ديغول عيد مصرّ على أن منع فيلمه هو نوع من «الدكتاتورية التي تجاوزها الزمن» ويتساءل: «ماذا سيفعل الأمن العام لو وضعت فيلمي على الإنترنت؟ كيف سيصادرونه؟ لا أحد يستطيع أن يقرر على الناس ما الذي يشاهدونه أو لا يشاهدونه. هذا أمر يقرره المتفرج نفسه».

مديرة «أيام بيروت السينمائية» هانية مروة تقول: «صحيح أننا لن نعرض الفيلم نزولا عند قرار الرقابة لكننا ننسق مع جمعيات مدنية وأهلية عدة، ليست بالضرورة معنية كلها بالسينما بشكل مباشر، لكنها مهتمة بتعديل قانون الرقابة، وبشكل خاص الرقابة على المسرح والسينما، وقانون المطبوعات بشكل لاحق. هي معركة نخوضها مع هيئات مدنية بمعزل عن قصة الفيلم، وعن المهرجان الذي نحضر له، ونأخذ وقتنا للتنسيق بشكل جيد، والتحضير لتحركنا، لأننا نريده فعالا ومثمرا».