تهمة السرقة تطارد الكاتب الفرنسي ويلبيك في آخر رواياته

استخدم تقنية القص واللصق من موسوعة «ويكيبيديا» في عدة مقاطع من الكتاب

TT

يمتلك الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك القدرة على أن يتسبب في زوبعة ترافق صدور كل واحدة من رواياته. وهو في روايته الجديدة «الخارطة والإقليم» يواجه اتهامات بنسخ مقاطع وردت فيها من مواد منشورة سابقة ومتوفرة لدى موسوعة «ويكيبيديا» على الشبكة الإلكترونية. وحال نزول الرواية إلى المكتبات، انبرى موقع على «الإنترنت» ونقاد أدبيون لكشف «السرقات» التي يتضمنها الكتاب ومقارنتها، كلمة كلمة، بالمصادر التي نقلت عنها. وجاء كشف الموقع لآثار الاستنساخ الذي مارسه الكاتب عبر تقنية القص واللصق، تحت عنوان «احتمال سرقة أدبية»، وهي عبارة تحيل إلى عنوان رواية ويلبيك «احتمال جزيرة». وأحصى الموقع ما لا يقل عن ثلاثة مقاطع وردت في الرواية وكانت منسوخة من مقالات سياحية ومواقع رسمية لمدن فرنسية. وإذا كان بعض المؤلفين يستفيدون من المعلومات المتوفرة على الشبكة في كتاباتهم، بعد استبطانها وإخضاعها للرؤية الإبداعية، فإن ويلبيك لم يجر أي تحوير على المادة المستنسخة ونقلها كما هي، مع تحوير لا يذكر في أحرف الجر، مثلا.

وكان لا بد للمؤلف من أن يرد على منتقديه ومن يوجهون أصابع الاتهام إليه. وجاء الرد عبر الموقع الإلكتروني لمجلة «النوفيل أوبزرفاتور»، حيث وصف ويلبيك الاتهامات بأنها «سخيفة»، وبأن أصحابها يجيدون تقنيات الشتيمة وتلطيخ السمعة. وقال: «إن تهمة مثل (سرقة أدبية) تشبه تهمة (العنصرية)، حيث تمضي القضية لكن لا بد أن يبقى منها شيء عالق في أذهان الناس». ومن المعروف أن تهمة العنصرية كانت قد وجهت، رسميا، لميشيل ويلبيك بعد سخريته من الأديان وتعرضه، بشكل خاص، للعقيدة الإسلامية. فقد أعلن الكاتب، في مقابلة مع مجلة «لير» الباريسية المخصصة للكتب، نشرت عام 2001 بمناسبة صدور روايته «المنصة»، أن قراءة القرآن لمن يجهله يصاب بالانهيار. وتقدمت عدة جمعيات إسلامية بشكاوى ضده أمام القضاء، لكن المحكمة برأته. وجاء في حيثيات الحكم أن انتقاد الهيمنة الدينية لا يشكل طرحا عنصريا.

وعلى الرغم من الجدل الدائر حولها، تصدرت الرواية الصادرة عن منشورات «فلاماريون» قوائم الكتب المرشحة للفوز بجائزتي «غونكور» و«رينودو» الأدبيتين المرموقتين في فرنسا. كما زاد من تلميع الكتاب تصريحات للمؤلف قال فيها إن هذه الرواية قد تكون الأخيرة التي يكتبها. وهي تدور حول فكرة أن الخرائط أكثر إثارة للاهتمام من الأقاليم الجغرافية ذاتها، من خلال مصور مغرم بتصوير الخرائط في الريف الفرنسي وتنظيم معرض للصور عنها. لكن البطل، كما في معظم كتابات ويلبيك، يعيش هواجس وارتباكات تجعل منه ما يسمى بالبطل المضاد، أو «اللا بطل».

وعلى الرغم من مشكلاته، يعتبر النقاد أن ما يكتبه ويلبيك يعكس جرأة في نقد الظواهر الاجتماعية التي تثقل روح الإنسان الغربي المعاصر، كما هو الحال في رواية «احتمال جزيرة» التي تتعرض لقضية السياحة الجنسية التي يمارسها الأوروبيون وغيرهم في دول شرق آسيا. وبالتأكيد، فإن تكرار الهجوم على الكاتب حوله إلى ما يشبه الضحية وجمع حوله طائفة من المتعاطفين والمعجبين. ونشر ويلبيك، بالاشتراك مع الفيلسوف الإشكالي الآخر برنار هنري ليفي كتابا حواريا باعتبارهما الشخصين الأكثر تعرضا للكراهية في فرنسا. ولم ينج الكاتب حتى من انتقاد والدته لوسي سيكالدي، حيث فتحت عليه النار المرأة العجوز التي عملت طبيبة، في السابق، وذلك في كتاب صدر قبل سنتين ووصفته فيه بالنبات الطفيلي وبأقذع الأوصاف.

الكاتب المولود في جزيرة «الريونيون» الفرنسية باسم ميشيل توما والبالغ من العمر 54 عاما، اتخذ من اسم عائلة جدته لقبا أدبيا له، وكان قد انتقل للعيش والعمل في فرنسا قبل أن يغادرها ليقيم في آيرلندا، ثم انتقل منها إلى إسبانيا، حيث يعيش حاليا في إحدى المحميات الطبيعية.