دبلجة الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية إلى اللغة الكردية

ظاهرة تغري معظم القنوات المحلية وتؤسس أقساما خاصة بها

تعرض معظم القنوات الكردية مسلسلات أميركية مترجمة مثل مسلسل «24» و«LOST» (أ.ب)
TT

اختلاف الثقافات والعادات الاجتماعية وخصوصية المجتمعات، سواء القريبة أو البعيدة عن المجتمع الكردستاني، لم يحل دون توجه معظم القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية الكردية إلى الإقبال الشديد على الأفلام والمسلسلات الدرامية العربية والأجنبية، وما يجر ذلك من نشر ثقافة مستوردة تختلف من عدة وجوه عن خصوصية الثقافة العراقية والكردية، فانتشرت بذلك ظاهرة جديدة في المجتمع الكردستاني، وهي ظاهرة دبلجة الأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام تعرضها القنوات العربية والإيرانية والتركية والأميركية، وحتى الصينية.

هذه السنة وبالذات في شهر رمضان، تصاعدت وتيرة تلك الأفلام والمسلسلات المدبلجة، وعرضت القنوات المحلية التي يربو عددها في مدينة أربيل وحدها على أكثر من عشرين قناة تلفزيونية، يماثلها العدد نفسه في السليمانية، الكثير من المسلسلات العربية المدبلجة منها «مسلسل الحاج متولي»، و«راجل وست ستات»، و«يوميات ونيس»، والمسلسل الصيني «جنكيزخان»، ومسلسلات تركية منها، «سنوات الضياع» و«بيريفان»، ومسلسلات إيرانية. وهناك أيضا أفلام مصرية تمت دبلجتها إلى اللغة الكردية، منها أفلام عادل إمام، ولا تخلو معظم القنوات الكردية من عرض المسلسلات الأميركية المترجمة، مثل مسلسلي 24»» و«LOST». حتى القنوات الدينية لم تسلم من هذه الظاهرة، فلجأت بدورها إلى دبلجة بعض المسلسلات الإيرانية، منها مسلسل «يوسف الصديق» الذي يروي قصة النبي يوسف، عليه السلام، ومسلسل آخر يروى قصة النبي إبراهيم عليه السلام.

لا نريد أن نحكم على الجوانب السلبية أو الإيجابية لهذه العملية التي تحولت إلى ظاهرة ملفتة، ولكن الإقبال الشديد من المشاهدين الأكراد ومتابعاتهم اليومية للمعروض يغري معظم القنوات على تأسيس أقسام خاصة بدبلجة الأعمال الفنية العربية والأجنبية، وخصوصا أن الفواصل الإعلانية بدورها تدر على تلك القنوات بعض الأموال.

وقد يعذر للقنوات المحلية لجوؤها إلى هذا الأسلوب الدعائي على قاعدة «الجمهور عاوز كده»، وخصوصا أن الاستقلال شبه التام لإقليم كردستان في العقدين الماضيين عن المركز، جر معه انحسارا يبدو كاملا للغة العربية في كردستان، فلا الحكومة باتت تهتم بهذه اللغة في مدارسها، ولا الجيل الحالي يرغب بتعلمها، على الرغم من أن الإقليم ما زال جزءا من العراق، لذلك أصبحت هناك حاجة لأفلام ومسلسلات يفهمها المشاهد الكردي.

وهناك عامل آخر ساعد على انتشار الظاهرة وهو افتقار التلفزيونات الكردية إلى الأعمال الفنية المحلية، فما عدا كمية محدودة جدا من المسلسلات الكردية، يكاد الإنتاج الفني المحلي الكردي ينعدم تماما، فلا مناص من لجوء إدارات التلفزيونات إلى دبلجة المسلسلات المصرية لتغطية أوقات البث، ولا نعتقد أن أيا من مسؤولي هذه القنوات التلفزيونية المحلية فكر ولو لمرة بأخذ موافقة الجهة المنتجة لتلك المسلسلات لدبلجتها أو عرضها في قنواتها، فقانون الملكية وحقوق النشر في كردستان في خبر كان، ولا أعتقد أن معظم مديري التلفزيونات يلمون به أساسا.

قال محمد رمضان: «إنها ضرورية، لأننا نريد متابعة تلك المسلسلات، ولا يوجد في عائلتي فرد واحد يعرف اللغة العربية، وقنواتنا المحلية فارغة من الأعمال الدرامية الكردية، فليس أمامنا أي بديل غير التوجه نحو المسلسلات العربية». مضيفا «هناك أوجه شبه كثيرة بيننا وبين المجتمع المصري، ولا نشعر باختلاف كبير بيننا وبينهم، أنا عن نفسي أتابع معظم الأعمال المصرية، ولكنني أرفض مشاهدة المسلسلات اللبنانية، أو التركية على سبيل المثال، لأنني أعتبر نفسي غريبا على ثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم».

وفي كردستان هناك نسبة مشاهدة عالية جدا لمسلسل تركي مدبلج تعرضه القناة الرابعة، وهو مسلسل تم تصويره في مدينة ماردين الكردية التي تقع جنوب تركيا، وتروي قصة عشائرية لفتاة تتحول إلى «أغا» العشيرة وتمثلها المغنية التركية المعروفة (سبيل جان)، والممثلون يرتدون الزي الكردي التقليدي في تركيا، والقصة تتناسب مع ثقافة العائلة الكردية، لذلك يحظى المسلسل بأكبر نسبة مشاهدة في كردستان، وتقول السيدة ز.م وهي ربة بيت «المسلسل يروي قصة كردية خالصة، وحسنا فعلت هذه القناة بأن دبلجتها إلى اللغة الكردية، لأننا أصبحنا نفهمها». ويقول زوجها (ر) «أنا أيضا أتابع هذا المسلسل، ولكني أرفض مشاهدة عائلتي لعروض المسلسلات العاطفية الأخرى التركية مثل مهند ونور، وسنوات الضياع وغيرها، فأنا أراها لا تتناسب مع ثقافتنا ولا عاداتنا وتقاليدنا».

لا يخفي نياز (ل) شغفه بمتابعة مسلسل (LOST) الأميركي ويقول: «لقد شاهدت بعض الحلقات المترجمة إلى العربية، ولم أفهم منها شيئا، فقد تابعت الحركات فقط، ولكن بعد أن شاهدت المسلسل مدبلجا فرحت جدا، لأنني أصبحت أعرف القصة بالكامل».

كانت السيدة جنار (ربة بيت) قد تابعت مسلسل «الحاج متولي» في بداية عرضه قبل سنوات، على الرغم من أنها لم تكن تفقه شيئا عن اللغة العربية، وتقول ضاحكة: «لم أكن أفهم من الحوار شيئا، وماذا يقولون، ولكني كنت أتفرج فقط على ملابس الممثلات ومكياجهن وتعابير وجوههن، ولكن هذه السنة عاودت المتابعة لأفهم القصة، وهي قصة طريفة حقا، أصبحت أفهم كل ما يدور في المسلسل وأنا سعيدة، وأطلب دبلجة جميع المسلسلات المصرية لكي نستمتع بالحوار وبالأزياء معا!».

تقوم شركة «نيو لاين» المحلية بدبلجة معظم هذه الأعمال الفنية وتوزعها على القنوات المحلية، ويبدو أن العملية تخضع بدورها إلى العرض والطلب، كما يؤكد ذلك مدير الشركة بلند مهابادي الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الشركة تتلقى طلبات معينة من القنوات المحلية لدبلجة مسلسل ما، أو فيلم، أو ترجمة بعض البرامج الوثائقية، وهناك بعض الأعمال التي تفرض نفسها لنجاحها الجماهيري، فتبادر الشركة بدبلجتها لتلفزيونها المحلي، حيث تمتلك الشركة قناة محلية خاصة بها».

ويعمل في شركة «نيو لاين» عدد كبير من الممثلين والممثلات لأداء الأدوار الصوتية، وتستعين الشركة في بعض الأعمال بأشخاص خارج الشركة لإشراكهم في العمل.

ويقول بلند: «الشركة تمتلك إمكانيات تقنية جيدة، ولها كادر ترجمة من مختلف اللغات، وخبراء باللهجات العربية، حيث لا تنحصر الدبلجة على المسلسلات المصرية وحدها، بل هناك مسلسلات لبنانية وفارسية وتركية وأميركية وغيرها من اللغات». وحول كيفية اختيار المسلسلات والأفلام يقول: «يأتي الاختيار في بعض الأحيان بناء على طلبات معينة، وفي أحيان أخرى نعتمد على مدى نجاح جماهيرية عمل ما، سواء كان مسلسلا أو فيلما، فلدينا متابعات دائمة لسوق الأعمال الفنية العربية تحديدا، ونعرف أن هناك إقبالا على مسلسل معين، عندها سنبدأ بعملية الدبلجة والتي تتهافت عليها القنوات المحلية».

وبالإضافة إلى دبلجة المسلسلات تقوم الشركة أيضا بطباعة الترجمة الكردية على أفلام أجنبية، وتلاقي مثل هذه الأفلام المترجمة قبولا أيضا لدى المشاهدين، خصوصا أفلام الحركة والأكشن الأميركية التي أصبح حضورها اليومي معتادا في معظم القنوات تعرضها في سهرات الليل.

وعلى الرغم من أن دبلجة هذه الأعمال الفنية الأجنبية والعربية تثير مخاوف الأوساط الشعبية المحافظة في كردستان من غزو ثقافي غريب على المجتمع الكردستاني، لكنها تترك في بعض الأحيان تأثيرات سلبية على سلوكيات الأطفال. ففي خبر نشر قبل يومين أصيب أحد أطفال قرية كليجار بقضاء دربنديخان بمحافظة السليمانية بالعمى جراء تقليده وطفل آخر لمعركة من مسلسل (جنكيزخان) حيث صنعا لنفسيهما سيوفا من حديد وتصارعا مقلدين أبطال المسلسل، فوجه أحد الطفلين سيفه إلى وجه الآخر فأصابه العمى.