انتشار الأطعمة الحلال داخل فرنسا.. مع سوبر ماركت كامل خاص بها

في بلد يحتوي على العدد الأكبر من المسلمين داخل أي دولة أوروبية

انتشار الأطعمة الحلال في فرنسا إشارة إلى أن مزج الدين والتجارة والثقافة كان أوسع مما يدركه الكثيرون (ا.ف.ب)
TT

على مدى أعوام، كانت أنيسة بنتشاماتشا تشتري اللحوم التي تحبها من داخل مكان لإيواء السيارات من بائعين جوالين يبيعون منتجات أوشكت صلاحيتها على الانتهاء إلى مسلمين يرغبون في الحصول على طعام جيد موافق للشريعة الإسلامية.

ولكن، في ظهيرة أحد الأيام القريبة وقفت أنيسة في حالة من الدهشة أمام الصفوف المنظمة لقطع اللحم المجمدة المعبأة داخل سوبر ماركت «حال شوب» (HalShop)، وهو سوبر ماركت جديد في تلك الضاحية الموجودة داخل باريس. وكانت أنيسة تبعد قليلا عن عبوات كبد الإوز وزجاجات شامبانيا غير كحولية - وجميعها حلال طبقا للدين الإسلامي. وتقول أنيسة: «لقد جئت إلى هنا في اليوم الأول من افتتاح السوبر ماركت. من الجيد أن الأشياء تتغير داخل هذه الدولة».

ويوجد في فرنسا العدد الأكبر من المسلمين داخل أي دولة أوروبية، حيث يبلغ عدد المسلمين في فرنسا نحو ستة ملايين. وفي الوقت الذي يستمعون فيه إلى النقاش الدائر حول اندماجهم في المجتمع الفرنسي، يتبدى لهم أثر كبير على ثقافة الأطعمة هناك.

وسواء كان ذلك انعكاسا لأعدادهم الكبيرة أو الدخل المتنامي للجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين، نجد أن سوق السلع الحلال تبلغ ضعف حجم سوق الأطعمة العضوية.

وواضح أن فرنسا تشعر بالقلق بشأن الولاء الثقافي لمسلميها، وما يعني ذلك بالنسبة إلى مستقبلهم. وقد صوتت الغرفة الدنيا في البرلمان الفرنسي خلال الصيف الحالي بأغلبية على حظر ارتداء غطاء الوجه في الأماكن العامة، ومن المتوقع أن يناقش مجلس الشيوخ الفرنسي هذه القضية خلال الأشهر المقبلة. وقد أثار انتشار الأطعمة الحلال بعض الاحتجاجات، ويقول بعض المسؤولين الحكوميين إن ذلك ينشر «الطائفية» ويستحث تمييزا ضد غير المسلمين.

ويوافق مناصرو هذه الظاهرة على أن انتشار الأطعمة الحلال هنا إشارة إلى أن مزج الدين والتجارة والثقافة كان أوسع مما يدركه الكثيرون. لكنّ لهم رأيا مختلفا بشأن هذا الاتجاه.

ويقول عباس بندالي، مدير هيئة «سوليس» المتخصصة في أبحاث السوق: «يعد ذلك إشارة إلى الاندماج». وتشير الهيئة إلى أن سوق الأطعمة الحلال تنمو بمقدار نحو 10 في المائة سنويا، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 5.7 مليار دولار خلال العام الحالي. ويقول عباس إن الشريحة الأصغر من المسلمين داخل فرنسا «لم يعودوا يعيشون في وهم العودة إلى أوطانهم».

وبغض النظر عن العواطف التي يثيرها هذا الأمر، لا يستطيع أحد إنكار انتشار الأطعمة الحلال داخل فرنسا. وخلال الأعوام الخمسة الماضية وحدها، ارتفع معدل إنفاق الأسرة على الأطعمة الحلال عشرين ضعفا، وذلك حسب ما تفيد به صحيفة «لو فيغارو».

وقد ارتفعت نوعية المعروضات الحلال، من الجزار التقليدي داخل الحي الذي يبيع لحوم حيوانات مذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية، إلى حضور كبير في صناعات الأغذية الفرنسية والأسواق وحتى داخل المطاعم.

وتخصص عدد من محلات السوبر ماركت الفرنسية الكبرى أجنحة بالكامل إلى المنتجات الحلال، ومن بينها سجق الدجاج وبايلا ولازانيا. ويوجد في إحدى سلاسل محلات السوبر ماركت «أوتشان» 80 منتج لحوم مملحة حلال، بالإضافة إلى 40 نوعا من المنتجات المجمدة الحلال ونحو 30 وجبة جاهزة حلال.

وداخل العلامات التجارية البارزة في فرنسا مثل «فليري ميكون» و«هيرتا» و«بيير مارتينت»، تقدم المنتجات الحلال، وتضع «أفيان» علامة حلال على بعض زجاجاتها لطمأنة العملاء المسلمين بأن الزجاجات لم تستخدم في الكحوليات، التي يمكن أن تجعل المياه حراما.

وتحمل الأجنحة اللامعة لمتجر «HalShop»، الذي افتتح العام الماضي، شبها قليلا بالحوائط المغطاة بالدماء داخل المجازر في أحياء الطبقة العاملة داخل باريس. ويوجد في «HalShop» 1600 منتج، ومن بينها أطباق فرنسية تقليدية مثل بيوف كاروت وكافيلاس دو فوليال وعبوات بها كبد الإوز وزجاجات «نيت أوريانت»، وهي شامبانيا غير كحولية مصنوعة من العنب.

ويقول مالك السوبر ماركت، رشيد باخالق: «حتى الوقت الحالي، كانت سوق الحلال مخصصة لعمال متجاوزين الخامسة والخمسين». ويضيف: «كانت المنتجات (عرقية) مثل الكسكسي أو التوابل، ومعبأة بصورة سيئة - من نوعية المنتجات المنخفضة التكلفة التي كان سيشتريها العملاء المسلمون داخل بلادهم».

وقد درس رشيد (30 عاما) في إحدى مدارس التجارة البارزة داخل فرنسا، وعمل بعد ذلك في شركة أدوية في إنجلترا. ويرى نفسه جزءا من جيل جديد من عشاق الأطعمة الحلال.

ولشعورها بإتاحة فرصة جديدة، استثمرت علامات تجارية مثل «روغر فيدال»، التي تصنع «فوا غرا»، في هذه الموجة الجديدة من الأطعمة الحلال. وفي 2008، قدمت «روغر فيدال» ستة منتجات بها لحوم حلال.

وقد بدأت بعض المطاعم الراقية داخل باريس وضع قوائم للأطعمة الحلال، ولكنها تتوخى الحذر خلال قيامها بذلك. ويقدم «ليس إنفانتس تريبلز» في الدائرة الثانية عشرة قائمة ثابتة تتكلف نحو 37 دولارا كلها حلال، ويعد ذلك انفصالا ملحوظا عن الأطعمة الحلال الأكثر تقليدية.

وعلى الرغم من أن كثيرين يرون أن الشعبية المتزايدة للأطعمة الحلال إشارة إلى التسامح والعصرية في سياق العلمانية، فقد أدان البعض التوسع في الأطعمة الحلال، ووصفوها بأنها شيء يطرح تهديدا ولا يمكن السيطرة عليه في الأغلب، وهي إشارة إلى زيادة الغطرسة الدينية والراديكالية بين المسلمين الشباب.

وفي العام الماضي، قدم عمدة مدينة روبيه، التي تقع في شمال فرنسا ويوجد بها عدد كبير من المسلمين، شكوى ضد سلسلة الأطعمة السريعة «كويك»، بعد أن قررت أن تعرض لحوم حلال فقط داخل ثمانية من مطاعمها في أحياء مسلمين ولم تعد تقدم لحم الخنزير.

وتقول «كويك» إن هذه العملية كانت مجرد «تجربة» تهدف إلى اختبار سوق متنامية داخل فرنسا. ولكن العمدة رينيه فاندرندونك أدان ما وصفه بأنه انتشار للتمييز ضد غير المسلمين. وانضم إليه مشرعون من حزب الرئيس نيكولا ساركوزي الحاكم، ومن بينهم وزير الزراعة برونو لوميير الذي قال إن «كويك» قد «سقطت في الطائفية» من خلال رفعها لحوم الخنزير من مطاعمها.

وحتى بريجيت باردو، الممثلة والناشطة في مجال حقوق الإنسان، قالت لإذاعة «أوروبا 1» الشهر الماضي، إن اللحوم الحلال «غزت فرنسا».

ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الخلاف يقلق مالك السوبر ماركت باخالق رشيد، فهو رجل أعمال قانع، سعيد بأن يقدم للعملاء المسلمين «شيئا يريدون أن يأكلوه دائما».

وقارن انتشار الأطعمة الحلال بـ«حركة الأسود شيء جميل» داخل الولايات المتحدة. ويقول: «من يأتون إلى متجري يشعرون بالفخر لأنهم يجدون منتجات يهتمون بها. يجعلهم ذلك يشعرون بتقدير الذات ويعرفون أن هناك من يضع لهم حسابا».

* خدمة «نيويورك تايمز»