العيد في السعودية: عودة للعادات والتقاليد

التجمع العام للأسر والقبائل وتناول الأكلات التراثية

تجمع لاحدى القرى في منطقة عسير جنوب السعودية (تصوير: غازي مهدي)
TT

دفع حرص السعوديين على أداء صلاة العيد بعوائلهم بالأغلبية العظمى لمواصلة السهر حتى صلاة العيد وزيارة الأقارب وتناول الفطور معهم، في ظل تعودهم على السهر في رمضان وخوفهم من النوم، وبهذا تفوتهم صلاة العيد ومعايدة الأقارب.

وعمت فرحة العيد في المناطق السعودية وسط عودة واضحة للكثير من العادات والتقاليد المختلفة لكل منطقة من المناطق بالتجمع العام للأسر والقبائل والعوائل إضافة إلى العودة إلى الأكلات التراثية التي اشتهرت بها تلك المناطق، بل تعدى الأمر إلى الحرص على أن يرتدي الأطفال الملابس الرسمية بالثوب والشماع والعقال وأحيانا المشلح.

ففي منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة خرجت العوائل منذ الساعات الأولى لصبيحة أمس أول أيام عيد الفطر المبارك لأداء صلاة العيد وللاستعداد للبدء بتغيير الساعة «البيولوجية» إيذانا بتغير وقت النوم الذي سيعود إلى طبيعته بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.

وحرص أرباب الأسر على الخروج بعائلاتهم لأداء صلاة العيد مع ساعات الفجر الأولى بعد سهر يوم كامل في آخر ليلة من ليالي الشهر الفضيل والتوجه بعد أداء الصلاة لزيارة الأهل والأقارب ومعايدتهم، كما أكد ذلك أحمد عايش الطيب الذي قال «أحاول قدر المستطاع مع عائلتي تمضية الوقت إلى أقصى ما أستطيع لتعديل نومي، خصوصا أن الفترة المقبلة ستشهد فترة انتقالية في مواعيد الدوام وعودة الطلاب إلى المدارس». وهنا يتحدث عبد الله الحطامي «إن خروج العائلة لأداء صلاة العيد هو تطبيق لسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، واستغلال لعامل الوقت، والذهاب فور انتهاء الصلاة إلى بيت كبير العائلة حيث يحرص الجميع على الوجود هناك وتناول وجبة إفطار العيد المعروفة في منطقة الحجاز والمكونة من الدبيازة والهريسة واللدو».

وتمتاز مدينة جدة خلال أيام العيد بنشاط كبير الحركة في الشوارع والميادين ويتبادل الجميع عبارات التهاني والتبريكات، ويستمر هذا الحراك إلى اليوم الثالث من أيام العيد، خصوصا في الأحياء الشعبية مثل المظلوم والشام والعيدروس واليم التي ما زالت تحافظ على تلك العادات.

وتمثل برحة العيدروس في المنطقة التاريخية بجدة موقعا مهما لاحتفالات العيد لسكان جدة حيث يحرصون على زيارتها في ساعات الصباح الأولى كما يشير إلى ذلك محمد المكنزي.

ويضيف المكنزي وهو أحد سكان تلك الأحياء «بينما تحرص بعض الحواري في جنوب جدة مثل الرويس والجامعة على إحياء العيد ومنذ الساعات الأولى بأداء رقصة المزمار والكثير من ألوان الفنون، وتقدم خلال أيام العيد عددا من الأهازيج والجمل الغنائية وتقديم لون المزمار الذي هو أشهر ألوان الفنون، ليس على مستوى جدة فحسب ولكن على مستوى مدن الحجاز بأكملها، فهو فن يجمع بين الرقص والغناء والطبول حيث يلتف فيه المشاركون على شكل دائرة تتوسطها شعلة الحطب يدور حولها الراقصون في ثنائيات منتظمة وهم يحملون العصي الغليظة».

وفي عسير جنوب السعودية، كان الوضع مختلفا قليلا، حيث تشير التقارير إلى أن الأهالي كانوا يفرون من البرد إلى تهامة لقضاء العيد هناك، والبحث عن الأجواء المعتدلة، وهو ما تغير هذا العام، وقلب الحال، حيث اتجه سكان تهامة إلى السراة لقضاء العيد والتمتع بالأجواء الماطرة التي تعيشها عسير. ويوضح ظافر العمري الذي رسمت تجاعيده ماضيا يبحث في زمن الحاضر اختلاف مظاهر العيد قديما، فيقول «بعد أن كنا نحرص على قضاء فترة العيد في تهامات عسير بحثا عن الدفء وهربا من برودة الأجواء القارسة في سراة عسير أصبحنا نقضي فترة العيد حاليا بين جمع كبير من الأقرباء والأصحاب والجيران وفي مدينة أبها بعكس الأعوام السابقة، فقد ساعد على ذلك اعتدال الجو في منطقة عسير وتداخل إجازة الصيف بموسم الشهر الكريم والعيد وهذا بحد ذاته إضافة مكملة للمناخ في عسير».

وعن تغير ملامح مظاهر العيد في منطقة عسير يقول ظافر «كنا في السابق نجتمع في منزل كبير العائلة ونحرص على معايدة الجيران في منازلهم إلا أن هذه العادات بدأت تتراجع أمام الاستراحات وانشغال الناس بأقربائهم واكتفائهم بمعايدة الجيران داخل مصلى العيد».

ويضيف أن مصاحبة الأبناء لآبائهم ومعايدة الأقرباء لم تعد كما هي في السابق، فبعض الشباب من صغار السن يكتفي باللعب بالـ(الطراطيع) الألعاب النارية الصغيرة بين من هم في سنه، دون أي اهتمام بمظاهر العيد الأصيلة كمرافقة والده لزيارة ومعايدة كبار السن من الأقرباء والجيران.

وفي الإطار ذاته، تشهد منطقة عسير زيادة في عدد مناسبات الزواج التي أصبح البعض يعتمدها ويكتفي بها لمعايدة الأقرباء، حيث يوضح لنا المهندس محمد عوض، وهو من سكان منطقة عسير بقوله «يرى البعض أن مناسبة الزواج تكفي لجمع الأقرباء والأحباب للمعايدة وتبادل التبريكات، والسبب أنها مناسبة سعيدة تجمع الأسر والجيران والأصدقاء، وهذا لا يعفي من زيارة الأقرباء من كبار السن لمعايدتهم وزيارتهم داخل منازلهم، فالعيد أولا وأخيرا هو مناسبة توطد العلاقات الأسرية بشيء من البهجة والسرور حتى وإن اختلفت العادات من زمن إلى زمن». وفي منطقة ليست ببعيدة عن سابقتها، وهي منطقة الباحة، اتجه أغلبية السكان هذا العام إلى استئجار استراحات وقاعات للتجمع أو إقامة مخيمات في القرى والهجر، وشجع ذلك الوجود الكبير لأبناء المنطقة القادمين من خارجها نتيجة الأجواء الجميلة التي تعيشها المنطقة، وهو ما يعبر عنه عبد الله العدواني بقوله «إن هذا العام شهد إقامة الكثير من القرى والهجر لمخيمات أو استئجار استراحات والتجمع والاحتفال بالعيد بشكل جماعي خلافا لما كانت عليه السنوات الأخيرة الماضية».

وفي حائل شمال السعودية، امتاز العيد بعادات مختلفة، منها الإفطار والسلام الجماعي بعد الانصراف من صلاة العيد والمرور على جل منازل الحي لإلقاء السلام وتقديم التبريكات بمناسبة العيد.

وتأرجح العيد في منطقة حائل بين التبريكات التقليدية بهذه المناسبة، التي عرفت منذ زمن بعيد بالمنطقة، والتقليعات الشبابية الجديدة، التي يحاول الشبان هنا ابتكارها بين الحين والآخر.

واعتاد الأهالي في كل عام أن يقدم لهم الشباب حركات وتقليعات بسياراتهم للتعبير عن فرحة العيد. وتفنن بعض الشباب بحائل في التعبير عن فرحة قدوم العيد بتقليعات وحركات جديدة بتغيير لون السيارة والقيام بتعديلات عليها وتزيينها برسومات أو عبارات تهنئة.

وفي مقابل المد التحديثي الذي يقوده الشباب في منطقة حائل من أجل إحداث حركة تحديثية على طقوس العيد بمنطقتهم، فإن هناك بعضا من العادات القديمة التي يحرص أهالي حائل على المحافظة عليها بهدف إيجاد نوع من التقارب بين أهالي الحي وزيادة اللحمة فيما بينهم والتعبير عن فرحة العيد معا.

يقول متعب فهد البكر من سكان حي العليا وسط حائل، بأن طقوس الإعداد للعيد، تبدأ قبل يومين أو أكثر من حلول هذه المناسبة، وذلك بشراء الحلويات وبعض احتياجات المنزل للاحتفال بالعيد ومستحضرات وليمة العيد الصباحية التي تكون غالبا من كبسة الأرز باللحم أو اللحم المحموس على الخبز.

ويذكر البكر أنه في ليلة العيد يقوم بفرش صاحب كل منزل سجادة أمام منزله لتكسو طرق وممرات الحي بالسجاد ويقدم التمر والحلويات والشاي والقهوة لجميع المهنئين حتى يفرغ الكل من تقديم التبريكات والتهاني ليتم إثر ذلك إخراج وليمة العيد وتنظيمها بشكل متساو وفور الانتهاء من الترتيبات ينادي الكل بصوت واحد لتناول الوليمة وغالبا يقوم سكان الحي بالمرور على العدد الأكبر من هذه الوجبات. وفي المقابل اعتادت المشافي والمراكز الصحية على استقبال مرضى يعانون من الألم في البطن وتلبك معوي، وذلك نتيجة حرص أهالي المنطقة على المشاركة في غالبية الوجبات الدسمة التي يعتني بوضعها بعض السكان، وذلك من منطلق المشاركة المرغوبة لدى الحائليين.

وينصح هنا المختصون في التغذية بعدم الإفراط في تناول الحلويات والمأكولات الدسمة صباح أول أيام عيد الفطر المبارك، مما يتسبب في حدوث إرباك للجهاز الهضمي تتبعه حالات تلبك معوية، قد تؤدي أحيانا إلى حدوث إسهال شديد، حيث ينصح بأن يكون الأكل تدريجيا.

إلى ذلك، تسبب متسوقو اللحظة الأخيرة بحائل في زحام مروري خانق داخل المدينة ليلة العيد، وخصوصا على طريق الملك عبد العزيز والملك خالد، اللذين يقع على جوانبهما جل المحلات التجارية بالمنطقة، فيما تعطلت الحركة المرورية على الطرق القريبة من حلقة المواشي. وحظيت صالونات الحلاقة ومحلات بيع الملابس والكماليات ومغاسل السيارات بإقبال كبير واستمر العمل حتى قبيل صلاة العيد.

ومن جهة أخرى، أكملت منطقة حائل استعداداتها لفعاليات عيد الفطر التي ستستمر لمدة 7 أيام. حيث بدأت فعاليات العيد بالمنطقة، بحفل رسمي أقيم مساء أمس في متنزه المغواة الترفيهي الذي شهد إطلاق الألعاب النارية والعرضة السعودية. وترافق الاحتفالات التي أقرتها منطقة حائل في عيد هذا العام، برامج ترفيهية وأخرى ثقافية، وتراثية، وبرامج خاصة بالأطفال، بالإضافة إلى المسابقات والمسرحيات المتنوعة. وسيشارك في هذه المناسبة بالإضافة إلى أمانة حائل، الكثير من الجهات الحكومية والخاصة.

وفي الجنوب السعودي مرة أخرى حيث جازان في أقصى الجنوب، جرت العادة في منطقة جازان أن تتسابق النساء صبيحة أول أيام عيد الفطر من أجل تقديم أفضل طبق على موائد الإفطار التي تمد خارج المنازل في الأحياء والقرى لتجمع كافة الأهالي، وذلك ضمن مسابقة اعتاد سكان كل حي تنظيمها بهدف المحافظة على هذه العادات. وتتمثل المسابقة في إعداد أشهر الأطباق الشعبية التي تعرف بها المنطقة لتزيين موائد الإفطار، والتي تخضع للتقييم من قبل إمام المسجد و3 من كبار السن بعد أن يمروا على جميع أنواع الأطعمة ليتذوقوها ومن ثم يحددون الطبق الفائز ليسلموا الهدية إلى ولي أمر صاحبة ذلك الطبق.

ومن هذا المنطلق، استعد سكان كل منزل في منطقة جازان منذ الساعات المبكرة لأول أيام عيد الفطر عن طريق تجهيز طبق تراثي يتم تقديمه ضمن مائدة الإفطار التي تمد أمام جامع الحي لتشهد تجمع كافة الأهالي على وليمة واحدة تحوي في مقدمتها السمك المالح والمغش والخمير وغيرها.

وتعد مائدة الإفطار في العيد عادة قديمة جدا توارثتها الأجيال كونها تتميز بنكهة مختلفة ومذاق خاص، فضلا عن أنها تتيح فرصة الاجتماع بمن غاب فترة عن التواصل الاجتماعي.

خالد عبد الرحمن الشيخ، أحد الطلاب المبتعثين خارج السعودية يرى أن تجمع الأهل والأصدقاء خلال عيد الفطر يفرض عليه العودة من كندا والالتقاء بهم، مؤكدا أن مائدة الإفطار الجماعي هي أبرز ما يشتاق إليه من مظاهر العيد في غربته.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في كل عام أنتظر الأكلات الشعبية التي أفتقدها طيلة أيام السنة نتيجة وجودي الدائم خارج منطقة جازان على خلفية ظروف دراستي، إلا أن فرحة ملاقاة الأهل والأقارب والأصدقاء خلال مائدة الإفطار تتميز برونق آخر». فيما أوضح عبد ربه إبراهيم أحد سكان منطقة جازان أن تنوع الأطباق الموجودة على مائدة الإفطار الجماعي واختلافها من منطقة لأخرى ناتج عن الاختلاف الجغرافي لكل منطقة، الأمر الذي أسهم في خلق مأكولات جديدة على خلفية تباين مكوناتها وفقا للبيئة السائدة بالمنطقة.

وقال لـ«الشرق الأوسط» تدخل الأسماك بأنواعها المختلفة كوجبات لسكان المناطق الساحلية من ضمنها جزيرة فرسان، بينما تمثل المنتجات الزراعية ولحوم الماشية وألبانها المكونات الرئيسية للمأكولات المتعارف عليها في البيئتين الجبلية والتهامية.