البورجوازية وأخلاقها في مسرحية بريطانية

عرض جديد لـ«الصاعقة» تزامنا مع الأزمة الاقتصادية العالمية

نتاليا أوغل وستيوارت فوكس
TT

هل يمكن أن تتغير الأخلاق البورجوازية من زمن إلى آخر؟ هل هي في القرن العشرين أو الواحد والعشرين، غير ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، الذي شهد صعود الرأسمالية بعد الثورة الصناعية؟ إن الأمر ليس كذلك، كما يقول لنا الكاتب المسرحي البريطاني آرثر وينغ بينيرو في مسرحيته «الصاعقة»، التي يعرضها الآن مسرح «أورنج تري»، بإخراج سام وولترز، وتستمر حتى الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. فهذه الأخلاق لا تتغير جوهريا في نظرتها إلى القيمة الأساسية في حياتها، ومبرر وجودها كطبقة. المال، هذا الذي يحول القبح إلى جمال، والجمال إلى قبح، كما يقول شكسبير. ويصل إلينا كل ذلك من خلال شخصيات حية، وحركية متقنة في ثلاثة فصول على مدى ثلاث ساعات تقريبا من دون أن يشعر المشاهد بالملل.

نحن، باختصار، أمام عائلة بورجوازية صغيرة، عائلة مورتيمر، في الفترة الأخيرة من العهد الفيكتوري المليء بالتغيرات السياسية والاجتماعية، كما باقي أنحاء أوروبا، التي ستقود لاحقا إلى الانفجار الأكبر: الحرب الكونية الأولى. يموت الأخ الأكبر في العائلة، الذي كان يملك محلا لبيع الشراب، من دون أن يترك وصية، مخلفا أموالا تقدر بعملة اليوم بـ15 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى أن هناك بنتا غير شرعية. وهنا يبدأ أخوته الأربعة (ثلاثة إخوة وأخت واحدة) وزوجاتهم معركتهم بكل الأسلحة التي يمتلكونها، قانونية وغير قانونية، لاقتسام هذه الثروة، ويبنون على ضوء ذلك مشاريعهم الاستثمارية المستقبلية. والاستثناء من هؤلاء هي فيليس، زوجة الأخ الموسيقي (مثلت دورها، ناتالي أوغل، وهي تعود في هذه المسرحية إلى التمثيل بعد انقطاع طويل)، التي ترى أن الثروة الموعودة هي من حق البنت غير الشرعية هلين (غرين كينان) التي تكسب عيشها في باريس من الرسم، وتفكر في الانتقال نهائيا إلى بريطانيا، فهي ابنته وإن كانت غير شرعية. كانت هيلين (المقطوعة من شجرة) تحلم بأي صلة إنسانية، وبالدفء العائلي بعد فقدان الأب، لكنها وجدت نفسها في بيئة معادية بين أقاربها، الذين يريدون التخلص منها بأي ثمن لأنها غير شرعية. والسبب الحقيقي، أنهم لا يريدون أن تقتسم معهم ثروة أبيها. فيوهمونها بأن هذا الأب قد نسيها، ولم يوص لها بشيء، مع أنها لم تطلب شيئا لنفسها. كل ما كانت تحتاجه هو الحب، وليس المال رغم وضعها المالي الصعب. إنها تجسد في المسرحية قيمة نقيضة لكل القيم البورجوازية المتوارثة، ورمزا للقيم الجديدة التي تمجد العمل. فهي ترفض بإصرار حتى فكرة أخذ حصة من الثروة، مفضلة أن تعتاش على بيع لوحاتها في لندن. ثم تتخذ أحداث المسرحية منعطفا دراميا مفاجئا، حين تكتشف فيليس بالصدفة أن هناك وصية مكتوبة بخط يد الأخ المتوفي، يوصي فيها بكل أمواله لابنته غير الشرعية. وعلى الرغم من موقفها السابق المتعاطف مع البنت، وحقها الطبيعي في أخذ حصتها، لكنها لم تطق فكرة أن تذهب كل الثروة لها، فتمزق الوصية وترميها في النهر. وفي نشوة الإخوة باتفاقهم على تقاسم المال بوجود محاميين اثنين (مثل دورهما ببراعة كل من ديفيد انثروبوس وفينست برمبل)، يعترف ثيديوس مورتيمور كذبا (الذي مثل دوره باقتدار كبير الممثل ستيوارت فوكس) بأنه عثر على الوصية ومزقها، محاولا بذلك إبعاد زوجته عن التورط في أي جناية قانونية. وسيدافع عنها كذلك، حين يكتشف المحاميان أنها الفاعل الحقيقي. وتنتهي المسرحية نهاية غير مقنعة كثيرا، على طريقة النهايات السعيدة في ذلك الوقت، حين يتفق الجميع، بمن فيهم الفتاة غير الشرعية، على اقتسام الثروة فيما بينهم.

وقد عرضت هذا المسرحية للمرة الأولى عام 1908، ثم قدمت على مسرح «آرتس» عامي 1945 و1966. وهذا هو العرض الثالث لها. وقد يكون المخرج سام وولترز قد اختار إعادة عرضها في هذا الوقت بالذات ترافقا مع الأزمة المالية العالمية. وأداء الممثلين، وهو أداء باهر حقا، خصوصا ديفيد ويتورث، الذي مثل دور ستيفن مورتيمر، أحد الإخوة، الذي كان انتماؤه إلى حركة تدعو إلى نبذ شرب الخمر يمنعه من ميراث رجل كون ثروته من بيعه. كان دوره مشحونا بطاقة درامية عالية، جسدها بكل اقتدار، وبانسجام متوازن في الفصول الثلاثة، وكأن كل عضو في جسمه قد تشبع بإيقاع الكلمات. وكان هذا الممثل قد اشترك في عدة مسرحيات لشكسبير منها «الملك لير» و«ضجة حول لا شيء». ولم يقل حضور الممثل ستيوارت فوكس، الذي مثل سابقا في عمل آرثر ميللر «الزجاج المكسور»، و«الليلة الثانية عشرة» لشكسبير، وكذلك الممثل اسموند بولاك تأثيرا عن زميلهما ويتورث.

ومن النساء، برزت الممثلة الشابة غرينين كينان، التي تخرجت عام 2009 في أحد المعاهد المسرحية، وأثبتت جدارتها بسرعة، فاشتركت في عدة أعمال ناجحة مثل «بيت أليسون» - التي كتبنا عنها في عدد سابق من «الشرق الأوسط» - و«الساحرة الثالثة» في «ماكبث»، التي قدمها مسرح «ألبي» العريق في دبلن، بأيرلندا. أما المخرج وولترز، فهو خريج جامعة أكسفورد، وتدرب كممثل في مسرح «لامدا»، ثم اتجه في النهاية إلى الإخراج، فأسس مسرح «أورنج تري»، الذي أخرج نحو 50 عملا مسرحيا على خشبته، لكتاب مثل شكسبير، وبريخت، وفايتسلاف هافل، وديفيد لويس، وويلدن. وهو حائز على جائزة «بيتر بروك».

مسرحية «الصاعقة» هي، كما يذهب كثير من النقاد، أهم أعمال الكاتب المسرحي آرثر وينغ بينيرو الذي ولد عام 1855، من أبوين برتغاليين. وبدأ حياته كممثل وهو في التاسعة عشرة من عمره. وسجل أول نجاح له كمؤلف مسرحي بمسرحيته الهزلية «القاضي» عام 1885، قبل أن يتحول إلى المسرح التراجيدي مع مسرحيته «التهتك»، ثم المسرح الاجتماعي قبل بزوغ نجم برنارد شو. وهو يعتبر أيضا من أوائل الكتاب المسرحيين الذين تناولوا دور المرأة في المجتمع الحديث، من خلال مسرحيات مثل «مسز أبسمث سيئة السمعة»، التي أثارت صدى واسعا آنذاك في مجتمع محافظ مثل المجتمع الفيكتوري، الذي وسمته المسرحية بأنه «مجتمع مزدوج المعايير» في نظرته إلى المرأة.